خطف الأقباط.. تصدير الطائفية من الحدود الغربية
عادل جرجس
بعد تضييق الخناق على النشاط الإرهابى داخل مصر، قرر الإرهابيون استهداف رعايا الدولة المصرية فى الخارج، خصوصا الأقباط، وكأنهم يطبقون ما ذكره الأب الروحى للجهاديين الدكتور سيد إمام شريف فى كتابه «العمدة فى إعداد العدة» حين قال نصا: كنا نحرق الكنائس فى الصعيد ونقتل الأقباط ليس لضغينة تجاههم، ولكن للضغط على النظام لفك الحصار عن الإخوة.
وقبل بدء العام الحالى، بدأت العمليات الإرهابية ضد الأقباط فى ليبيا، بمقتل الطبيب المصرى مجدى صبحى وزوجته، وبلغت ذروة العمليات باختطاف مجموعتين من الأقباط الأولى مكونة من 7 أفراد، والثانية من
تبدأ وقائع اختطاف المجموعة الأولى من الأقباط فى ليبيا صباح يوم 29 ديسمبر 2014 حين اتفق كل من صموئيل ولسن، من قرية العور، وعزت بشرى نصيف من قرية دفش، ولوقا نجاتى وعصام بدار سمير من قرية الجبالى، وملاك فرج إبراهيم من قرية السوبى، وسامح صلاح فاروق من عزبة منقريوس، وجابر منير عدلى، من قرية منبال بمركز مطاى فى محافظة المنيا على التوجه إلى مصر للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة وسط الأهل والأصدقاء، وهناك روايتان لوقائع الاختطاف الأولى يرويها أنيس نجاتى أنيس شقيق لوقا نجاتى أحد المخطوفين فيقول: في عيشية سفر المختطفين إلى مصر لقضاء الأعياد اتفقوا مع أحد السائقين الليبيين للسفر معه بسيارته وتم تحديد «الأجرة» لكل فرد من الأفراد السبعة، وفى صباح يوم الاختطاف أراد السائق الليبى أن يرفع الأجرة نظرا للإقبال الشديد من المصريين على التوجه إلى مصر فى مثل تلك الأوقات من السنة وندرة السيارات نظرا للمخاطر التى يمكن أن تتعرض لها تلك السيارات من «كمائن» الجماعات الإرهابية، وهو ما رفضه المختطفون ونشب خلاف بينهم وبين السائق واتفقوا مع سائق آخر فأبلغ السائق الذى اختلفوا معه جماعة «أنصار الشريعة» التى تتعقب الأقباط فى ليبيا فتم خطفهم فى منطقة مرادة التى تبعد عن سرت بنحو 250 كيلو مترا فى تمام الساعة الواحدة ظهرا حيث شعر المختطفون بوقوعهم فى كمين أنصار الشريعة فقام جابر منير، وهو أحد المختطفين بالاتصال بعمه «نوار» وقال له بتوع أنصار الشريعة هاياخدونا فاتصل نوار بأهالى المختطفين فى اليوم التالى الساعة التاسعة صباحا أما الرواية الثانية فيرويها لنا أحد أشقاء المخطوفين الذى رفض ذكر اسمه كاملا خوفا من حدوث مكروه لأخيه وعرف نفسه لنا بـ«ميشو» وقال: إن جماعة أنصار الشريعة تتعقب الأقباط فى كل أنحاء ليبيا وأسهل وسيلة للإيقاع بالأقباط تكون من خلال السيارات التى يستقلونها للسفر من وإلى مصر فتقوم جماعة أنصار الشريعة بالقبض على بعض أهالى السائقين الليبيين والاتفاق معهم أنه سوف يتم الإفراج عنهم مقابل تسليم أقباط للجماعة الإرهابية ويتم الاتفاق مع هؤلاء السائقين الليبيين عند «تحميل» سياراتهم بالركاب الأقباط بالمرور فى خطوط سير معينة تخضع لكمائن جماعة أنصار الشريعة، ويتم تسليم الأقباط مقابل الإفراج عن أهالى السائقين المحتجزين وهو ما تم مع هذه المجموعة وهى الرواية الأقرب إلى التصديق خصوصا أن الأنبا بولا أسقف طنطا والمفوض من الكنيسة بمتابعة الأزمة قد حذر الأقباط المقيمين فى ليبيا بعدم الخروج من منازلهم حتى لا يكونوا عرضة لمثل تلك المؤامرات قائلا: إلزم بيتك فى هذه المرحلة فعودتك لمصر انتحار لأن الطرق غير آمنة إلى أن يسمح الله بتأمين الطرقات بعدها يمكن الوصول لأقرب مطار لعودة أقباط مصر من سرت إلى وطنهم.
مجموعة الـ13
وتخلص وقائع اختطاف تلك المجموعة إلى أن هؤلاء كانوا يقطنون فى أحد المساكن فى مدينة سرت ضمن مجموعة مكونة من 23 قبطيا فقامت قوات «فجر ليبيا» التابعة لتنظيم داعش بمهاجمة المنزل ومحاولة القبض على كل من فيه إلا أن هناك عشرة أشخاص قد استغلوا حالة الهرج والمرج التى حدثت عقب الهجوم على المنزل واستطاعوا الهروب والفرار ووقع 13 شخصا فى قبضة قوات «فجر ليبيا» والتى أبلغت المختطفين أنهم لا يريدون قبطيا واحدا على الأراضى الليبية، وقام الهاربون من قبضة القوات الإرهابية بإبلاغ أهالى المخطوفين بوقوعهم فى قبضة الجماعات الإرهابية والمختطفون هم: «بيشوى إسطفانوس، صموائيل إسطفانوس، تادرس يوسف تادرس، أبانوب عياد، ميلاد مكين زكى، هانسى عبدالمسيح شحاتة، ماجد سليمان شحاتة، ملاك إبراهيم، جرجس ميلاد، مينا فايز، يوسف شكرى، جرجس سمير مجلى، كيرلس بشرى، صموئيل ألهم ولسن، عزت بشرى نصيف، لوقا نجاتى أنيس، عصام بدار سمير، ملاك فرج إبراهيم، سامح صلاح فاروق، وجابر منير عدلى.
الرئيس يتدخل
يقول نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان إنه عقب اندلاع الأزمة أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى توجيهات حاسمة وحازمة بتكوين خلية لمواجهة الأزمة مكونة من وزارة الخارجية والداخلية والعدالة الاجتماعية والمخابرات والأمن القومى لمتابعة الأزمة والتواصل مع كل الجهات والأفراد التى يمكن لها المساهمة فى الإفراج عن المختطفين، وقد تم تكليف نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا من قبل الكنيسة القبطية للتواصل مع خلية الأزمة وأضاف جبرائيل أن خلية الأزمة فى حال انعقاد دائم على مدار الساعة وتتواصل مع أهالى المخطوفين، وبعض الشخصيات النافذة داخل الأراضى الليبية وشيوخ القبائل خصوصا قبائل أولاد على والفرجان والهماملة.
تقاعس الدولة
ويرى نجيب جبرائيل أن وزارة الخارجية قد تقاعست فى احتواء الأزمة مشيرا إلى أنها كان يجب عليها التحرك مبكرا لحماية رعايا الدولة فى ليبيا بصرف النظر عن انتمائهم الدينى إلا أن الخارجية لم تتحرك بشكل جدى إلا عقب إصدار الرئيس السيسى توجيهاته بسرعة التحرك مؤكدا أن خلية الأزمة تبذل قصارى جهدها لاحتواء الموقف، ونفى ما يشاع عن أن الخارجية مخترقة من جماعة الإخوان الإرهابية قائلا: كان هذا في السابق أما الآن فالخارجية تعمل على تنفيذ سياسة الدولة ولا غبار على أدائها ولا شبهة فى اختراقها، ولكن يعاب عليها التحرك متأخرا ويشدد جبرائيل على أن الخارجية كان يجب عليها رفع تقارير لاستصدار قرار سيادى بمنع سفر المصريين إلى ليبيا لأن القرار يجب إصداره من رئيس الجمهورية وبموجبه سيتم تعطيل حق دستورى وهو حرية التنقل والسفر، ولكنه يعلى من قيمة حق دستورى أعلى وأسمى وهو الحق فى الحياة، حيث تلتزم الدولة بالحفاظ على أرواح مواطنيها ورعاياها فى أى مكان فى العالم.
وتتفق مع جبرائيل الإعلامية الدكتورة ميرفت النمر والمهتمة بالشأن الحقوقى فى صعيد مصر قائلة: لقد بات واضحا استهداف الأقباط فى ليبيا من قبل الجماعات الإرهابية هناك فى ظل عدم التعامل مع وزارة الخارجية على المستوى المطلوب فكان الأجدر بالخارجية أن تحاول إجلاء الأقباط فى ليبيا والعمل على منعهم من السفر إلى هناك حتى تستقر الأجواء، ولكن بدلا من هذا نرى الخارجية تقف مكتوفة اليدين ولا تحرك ساكنا وتكتفى بالشجب والاستنكار، وتقديم التعازى فى حالات القتل مثلما حدث مع الطبيب المصرى مجدى صبحى وزوجته.
البابا يلتقى الأهالى
لم يكن مستغربا أن يلتقى قداسة البابا تواضروس الثانى بوفد من أهالى المخطتفين فهو أعلم الناس بأحوال الأقباط فى ليبيا ليس من منطلق موقعه كبابا للكنيسة القبطية، ولكن بحكم الخبرة والعمل الرعوى فقبل اعتلاء قداسته السدة المرقسية كان أسقفا عاما للبحيرة والخمس مدن الغربية الليبية فهو كان أسقفا لليبيا ويعرف دقائق وتفاصيل حياة الأقباط هناك كما أن قداسته من خلال خدمته كأسقف لليبيا له الكثير من العلاقات داخل الأراضى الليبية بالقبائل والعشائر وأصحاب النفوذ فاجتماعه مع أهالى المختطفين لا يأتى على سبيل تطييب الخواطر، ولكن كطرف أصيل وفاعل فى حل الأزمة وقد علمنا من مصدر كنسى رفيع المستوى داخل الكاتدرائية أن قداسة البابا يجرى الكثير من الاتصالات داخل الأراضى الليبية للعمل على الإفراج عن الأقباط المحتجزين ويقول هانى منير شقيق أحد المختطفين: إن قداسة البابا تواضروس قد أرسل نيابة عنه القمص مكسيموس عطا للتواصل مع أهالى المختطفين فى مطاى كما أرسل نيافة جوارجيوس أسقف مطاى القمص مكاريوس للتواصل ومتابعة الأزمة فيما أصدرت مطرانية سمالوط بيانا طالبت فيه مؤسسات الدولة بسرعة التحرك لاستعادة سبعة من شباب مصر، جميعهم من أقباط مركز سمالوط بعد اختطافهم بدولة ليبيا.
تضارب الأنباء
تضاربت الأنباء حول طبيعة أجواء اختطاف الأقباط الـ20 فى ليبيا، حيث ردد البعض أن المختطفين دخلوا إلى الأراضى الليبية بطريق غير شرعى والحقيقة أن هناك خلطا بين واقعتين الأولى والتى تخص اختطاف الأقباط والتى نحن بصدد تحقيقها والثانية خاصة بغرق 47 قبطيا على متن مركب صيد قرابة السواحل الليبية كانوا فى طريقهم إلى الدخول غير الشرعى إلى إيطاليا وتعود وقائعها إلى غرق هذه المركب يوم 16 ديسمبر بعد أن اتفق أهالى المهاجرين عليها وجميعهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و15 سنة بعد أن تم الاتفاق مع أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية مع أهالى الأطفال على تسهيل دخول أبنائهم إلى الأراضى الإيطالية مقابل عشرين ألف جنيه للفرد الواحد وأكد لنا المستشار أيمن نجيب غطاس المحامى الحقوقى المفوض من أهالى المختطفين بالتعامل القانونى للأزمة أن جميع المختطفين قد دخلوا إلى الأراضى الليبية بجوازات سفر سليمة وجميعهم يحملون إقامة فى الأراضى الليبية وسافروا عن طريق مطار القاهرة الدولى وجميع جوازات السفر الخاصة بهم تحمل تأشيرات دخول وخروج من وإلى البلاد، كما سرت شائعة أنه قد تم الإفراج عن مجموعة الـ13 ولكن وزارة الخارجية نفت تلك الأنباء.
العيد الحزين
مع دقات أجراس العيد والاحتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح يعيش أقباط 6 قرى بشمال المنيا، هى: العور، ودفش، والجبالى، والسوبى، ومنقريوس التابعة لمركز سمالوط، ومنبال التابعة لمركز مطاى، حالة من الترقب والحزن، فلقد تحولت كل مظاهر الاحتفال بالعيد إلى مشاعر حزن وقلق ولجأ الجميع إلى الكنائس لإقامة الصلوات والطلبات والتضرع إلى الله ليعيد الغائبين بالسلامة فيما دعا بعض النشطاء بعدم الاحتفال بالعيد على مستوى الكنيسة القبطية وكان الأهالى قد طالبوا بالسماح لهم من قبل السلطات بتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية للمطالبة بالإفراج عن ذويهم إلا أن وزارة الخارجية قامت بالاجتماع بوفد من الأهالى وذلك نظرا لمتغيرات جديدة تقوم بها الخارجية بشأن مساعى الإفراج عن المخطوفين وإعطاء فرصة للعمل، حيث عرضت وزارة الخارجية على ممثلين من أسر المخطوفين آخر تطورات الأزمة وإطلاعهم على بعض النتائج فى حدود ما لا يؤثر على سلامة المخطوفين الأقباط وبناء عليه استجابت الأسر لطلب تأجيل الوقفة لإعطاء مهلة ومزيد من الوقت للدبلوماسية المصرية بإنهاء مأساة 20 قبطيا على الأقل فضلا عن العشرات من العالقين وغير القادرين على الخروج من مساكنهم والعودة لمصر وكان وزير الخارجية سامح شكرى، كلف المتحدث باسم وزارة الخارجية بدر عبدالعاطى وسفير مصر فى ليبيا محمد أبوبكر بلقاء مجموعة من أهالى وأسر المختطفين فى ليبيا، حيث تم استعراض الجهود المكثفة والمتواصلة التى تقوم بها وزارة الخارجية بالتنسيق مع أجهزة الدولة لمتابعة حادثى اختطاف مصريين فى منطقة سرت فى ليبيا، وأكد أن الحكومة بمختلف أجهزتها تعمل على مدار الساعة وتتابع أولا بأول تطورات حادثى الاختطاف وتبذل قصارى الجهد فى ضوء الإمكانيات المتاحة والظروف شديدة التعقيد على الأرض للتعامل مع الحادثين، وهكذا وتحت وطأة الفقر والعوز والتطلع إلى حياة كريمة ولقمة عيش نظيفة ذهب مواطنون مصريون للبحث عن أرزاقهم فى دولة شقيقة لم يذهبوا ليسرقوا أو ينهبوا بل ذهبوا لعمل بشرف وكرامة وعند عودتهم لقضاء العيد مع أهاليهم كان منهم من يحمل ملابس العيد لطفله الذى لم يتجاوز عمره بعد 9 أشهر وآخر كان سعيدا لأنه استطاع تدبير نفقات علاج أمه والتى تحتاج إلى عملية جراحية كبيرة ومكلفة لا طاقة للأسرة بها والجميع كان فى انتظارهم الزوجة والأبناء والكل له أمنية عالقة تحتويها حقائب العائدين لتتحقق.
الشوق لرؤية الغائب كان المسيطر على الجميع وبأيدى آثمة يتم اختطاف كل تلك الأمانى والأمنيات التى نتمنى أن يكون ما حدث تأجيلا لتحقيق الأمنيات ولا يذهب بها أدراج الرياح.. ولد المسيح من جديد وجاء مخلصا ونتضرع إلى الله أن يخلص أهالينا فى ليبيا.. وأخيرا ها هو الإرهاب يرسل «العيدية» المعتادة لأقباط الوطن ولا يعلم أن هناك من سوف يرد له «عديته» أضعافا مضاعفة.∎