الثلاثاء 1 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاقتصاد السلفى فى مصر

الاقتصاد السلفى فى مصر
الاقتصاد السلفى فى مصر













 كأنه بحث عن سر.. هكذا يمكننا وصف حالة الغموض التى يكتنف البحث عن أى معلومة تتعلق بالنشاط الاقتصادى لرجال الأعمال السلفيين فى مصر، فمن جانب الأجهزة الرسمية لا توجد أى بيانات أو إحصاءات توضح حجم النشاط الاقتصادى لهم، أو أسماء رجال الأعمال المنتمين إلى هذا التيار، وعبر رحلة بحث منفردة، حاولنا الوصول إلى بعض رجال الأعمال كى نتعرف عن قرب على إسهامهم فى الاقتصاد ورؤيتهم ومدى نشاطهم وكيف هى آراؤهم وخططهم، ولكن المسألة كان بها الكثير من الغموض، فأكثرهم يرفض الإفصاح عن نفسه، أو عمن يعرفهم، ومن يتحدث. تخرج كلماته قليلة، مترددة، ومقتضبة.

 
كانت البداية مع سيد رجب السويركى، صاحب سلسلة المحلات الشهيرة والذى يحسبه البعض على السلفيين، حاولنا التواصل معه فجاء الرد عبر مدير شركته أنه وسلسلة المحلات الكبرى لا ينتمون إلى سلفيين أو إخوان، ولا ينتسبون إلى أى تيار، وأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم.
 
 
عبر حزب النور السلفى حاولنا الوصول إلى بعض أعضائه من رجال الأعمال، وكان الوحيد الذى وافق على الحديث محمد قريشى، وهو رجل أعمال يمتلك شركة استيراد وتصدير، ومصنعا لإنتاج المواد الغذائية، فضلا عن كونه باحثا اقتصاديا، قال لنا: نشاطى الأساسى يتركز فى مجال السلع الغذائية، ويعد القطاع الغذائى من أكثر المجالات التى يتركز فيها نشاط رجال الأعمال السلفيين.

 
وأضاف: لا يمكننى حصر رجال الأعمال السلفيين ونشاطهم الاقتصادى ككل، لأنه لا توجد بيانات، ولا يمكننى أن أجزم بالنسبة التى يسيطر عليها رجال الأعمال السلفيين من حجم الاقتصاد المصرى.

 
وحول بنك النور السلفى، قال: الحزب يركز خلال الفترة المقبلة على إنشاء بنك النور السلفى ويسعى للحصول على موافقة البنك المركزى وتصديق مجلس الشعب عليه، وسوف يسعى الحزب إلى تمويل هذا البنك خلال الفترة المقبلة.
 
 


 
حاولنا التواصل مع يسرى حماد المتحدث باسم حزب النور، إلا أنه رفض الحديث قائلا: إن أى معلومات فى الشأن الاقتصادى لا يمكنه الحديث عنها، ولا تكون إلا من طارق شعلان عضو اللجنة الاقتصادية وأمين التخطيط بالحزب.

 
أما شعلان فحين سألناه عن تقييمه للنشاط الاقتصادى للسلفيين فى مصر، فكان رده: إن التحقيق غير حيادى وأن السؤال لا يعجبه ولن يرد عليه، وكذلك الأمر مع أى سؤال آخر لأنه سيتم توظيفه بصورة غير مهنية.
 
 

 
 
عضو اللجنة الاقتصادية بادر بالهجوم على المجلة لأنها تطرقت للموضوع، وهو جدير بالبحث، فقد صاحب دخول الجماعة السلفية القوى إلى عالم السياسة، دخولا موازيا إلى عالم الاقتصاد؛ هذا ما تدلنا عليه المؤشرات العامة، والتى يمكنك أن تراها ببساطة فى حياتك اليومية، ففى المتاجر أصبحت تجد أكياس سكر ومنتجات غذائية تحمل أسماء إسلامية، وفى الإسكندرية وبعض المحافظات ظهرت سلاسل محلات تحمل أسماء متشابهة تقدم عروضا خاصة لأعضاء حزب النور، فضلا عن مؤتمرات اقتصادية للحزب السلفى، وحديث عن خطوات لإنشاء بنك باسم «النور».
 
 
التوسعات الاقتصادية للسلفيين فى مصر، خاصة المنتمين لحزب النور، ليست سرا على أحد، فقد سبق أن أعلن أمين التخطيط بالحزب عن إجراء دراسات جدوى لتأسيس شركات جديدة تعمل فى مختلف المجالات، ويتم قيدها بالبورصة المصرية كإحدى آليات الحصول على تمويل غير مصرفى، وأن هناك استراتيجية ممنهجة لدى الحزب لدعم الاقتصاد والبورصة على مراحل سبق طرح جزء منها فى مؤتمر بمقر البورصة المصرية، بالإضافة إلى تدعيم الشركات التى تتبع قواعد تحترم الشريعة الإسلامية، وتأسيس شركات جديدة تتعامل بصفة إسلامية، سواء فى مجالات العقارات أو المنتجات الشخصية المنزلية أو الزراعة.
 
 


 
 
 
السلفيون فتحوا باب الاكتتاب لإنشاء أول بنك «سلفى» فى مصر تحت مسمى بنك النور الإسلامى، وجاء ذلك خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادى الأول لحزب النور، والذين أعلنوا خلاله أنهم قدموا اقتراحا للمجلس العسكرى بإنشاء البنك للموافقة عليه وشجعوا رجال الأعمال «الأتقياء» على التعاون فيه، دون ذكر أية أسماء، وهو ما وافق عليه المجلس العسكرى بصورة مبدئية، حسب أسامة الفيل المستشار الاقتصادى للحزب والذى أكد أنه فور الحصول على موافقة إشهار البنك سيتم عرض الدراسات على مجلس الشعب للموافقة عليها حتى يكون مكتمل الأركان القانونية قائلا: إن البورصة ستكون أول المتضررين من بنك النور، وخاصة أن البنك سيكون «شكلاً موازياً» للبورصة، فضلا عن الأزمة التى ستلحق بالبنوك الأخرى لخشيتها من سحب الودائع منها ووضعها فى بنك النور.

 
ولعل تصاعد تأثير التيار السلفى عقب ثورة 25 يناير وتزايد نشاطهم السياسى والدعوى دفع البعض للتساؤل عن مصدر تمويلهم وحجمه وكيفية إطلاقهم 35 قناة فضائية خلال عهد مبارك وتوزيع كتب شيوخهم ورموز السلفية فى مصر مجانا على القراء لنشر الفكر السلفى، فضلا عن المساهمة فى الأعمال الخيرية للمواطنين من خلال عمل المستشفيات والمستوصفات والمراكز التعليمية ومجموعات التقوية، بل وصل الأمر إلى أن رموز السلفية فى مصر أعلنوا مؤخرا عن تأسيس أحزاب سياسية تستدعى عمل مئات المقرات لأحزابهم على مستوى الجمهورية تتكلف ملايين الجنيهات.
 
 

 
 
وقد تم توظيف الفتاوى إلى حد كبير فى مجال الاقتصاد، وكانت البداية مع الرد على رجل الأعمال نجيب ساويرس، عقابا له على الرسوم التى نشرها عبر حسابه على تويتر، ورغم الاعتذار، شدد العديد من رموز السلفية، ومن بينهم عبدالمنعم الشحات المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية بالإسكندرية على عدم قبول الاعتذار والاستمرار فى المقاطعة الاقتصادية له ولشركة الاتصالات التى يملكها.

 
ثم توالت الفتاوى، فقد أفتت الدعوة السلفية أنه يجوز التبرع بثمن العمرة لدعم الاقتصاد المصرى، لو تم التأكد من وصول هذا المال إلى أيدٍ أمينة، ثم شاعت فتوى تحرم الادخار فى البنوك.
 
 


 
د. صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية، يرى أن النشاط الاقتصادى للسلفيين شأنه شأن مثيله عند الإخوان، ولكن المتصدر فى المشهد الاقتصادى فى مصر هم الإخوان منذ العام  1928ولكن تنامى دور الجماعة السلفية بتنويعاتها المختلفة فى السبعينيات بداية من شكرى مصطفى صاحب جماعة التكفير والهجرة، وكانت الجماعة تسعى إلى إيجاد أموالها اللازمة لاستخدامها خاصة من دول أخرى.

 
وتابع: كانوا يحصلون على الأموال عن طريق التجارة، أسوة بالإخوان فى الملابس الجاهزة ووكالة البلح، وأبرز ر جال الأعمال السلفيين هم أشرف عبدالعزيز، الذى كان مرشحا فى الانتخابات البرلمانية ضد جميلة إسماعيل عن دائرة قصر النيل، ومحمد المهدى فى المطرية صاحب مجموعة من محلات السلع الغذائية ويعمل فى هذا المجال الغذائى، الأطعمة المجمدة، واللحوم ولها أسواق رائجة داخل المناطق الشعبية.

 
وأضاف: يقدر نشاط الجماعات السلفية الاقتصادى بحوالى من 25 إلى 28٪ من قيمة الاقتصاد المصرى، بدأ نشاطهم فى عين شمس فى الثمانينيات، وكانوا يعتمدون على التبرعات من الدول العربية، والتجارة فى السلع الغذائية والملابس الجاهزة.
 
 
عالم الاقتصاد الدكتور محمود عبدالفضيل كان له رأى مخالف فى النسبة التى ذكرها الدكتور صلاح جودة، وأكد من جانبه أنه على عكس ما ذكره بعض المسئولين فى الحزب عن أن بعض أنشطتهم الاقتصادية قد تضر بالاقتصاد المصرى ممثلا فى البورصة، والإيداعات فى البنوك، قال: لا خوف من أنشطة السلفيين الاقتصادية، كلها أمور متفرقة، إن كانت سلاسل محلات طعام، أو غيره، ولا يمكننا الحديث عن صعود اقتصادى لهم، إلا إن كان هناك بيانات واضحة عن قطاع اقتصادى معين يتفردون به ويسيطرون عليه، وهذا غير موجود، وما يجرى الآن يمكن أن نطلق عليه «تمشية حال».

 
وأضاف: لا توجد أى بيانات رسمية عن أنشطة اقتصادية واضحة للسلفيين فى الفترة الأخيرة، لذا لم يتم دراسة الموضوع حتى الآن، لأن الدراسة تحتاج إلى بيانات مضبوطة، وحتى الآن لا توجد بيانات كافية متوافرة، وخاصة أنه لا يمكن اعتماد أى بيانات أو تقارير إلا إن كانت صادرة عن الجهاز المركزى للمحاسبات أو  الإحصاء كى تكون الدراسة علمية.

 
وأكمل: الحديث الدائر بشأن بنك سلفى هو حديث غير مضبوط، وما يقولونه عن حصولهم على موافقة مبدئية من المجلس العسكرى أمر غير صحيح، يمكننا أن نصفه بأنه «كلام جرائد»، لأن الموافقة على إنشاء بنك جديد تأتى من البنك المركزى، وليس من المجلس العسكرى، وعلى حد علمى، فإن هذا الأمر لم يطرح على البنك المركزى حتى الآن، ثم ما الحاجة إلى بنك سلفى، إن كانت كل البنوك لها فروع للمعاملات الإسلامية، فضلا عن بنك فيصل الإسلامى وفروعه فى كل مكان، أتساءل عن السبب الذى قد يدفع الناس إلى سحب أموالهم من البنوك لوضعها فى بنك سلفى.

 
وحول الفتاوى التى يتم توظيفها فى مناح اقتصادية علق قائلاً: الفتاوى التى يصدرها شيوخ سلفيون لا يطبقها إلا أتباعهم وحسب، فالفتوى لا تكون إلا من مصدر موثوق، وهذا المصدر ليس إلا الشيخ على جمعة مفتى الديار المصرية، أما الفتاوى الأخرى فليست لها أى قيمة.
بينما يقول د. أيمن أحمد - باحث اقتصادى - إن المجتمع المصرى الذى يقبع أكثر من 50٪ منه تحت مستوى خط الفقر و20٪ عند مستوى خط الفقر لا يهمه سوى الوضع الاقتصادى فالعامل الاقتصادى هو الأهم فى مصر حالياً.
 

 
 
 
والسلفيون لا يملكون رؤية اقتصادية واضحة أو أى برنامج اقتصادى وكل ما يروجونه فى برنامجهم هو تطبيق شرع الله على حد قولهم ورغم احترامى للشريعة فمصر تطبق الشريعة، ولكن من وجهة نظرهم لا تطبقها لأنهم يتعاملون مع الشريعة والنصوص الإسلامية على أنها نصوص جامدة وهذا ليس موضوعنا الآن.
 
 
فالمشروع الخارجى الذى يتبناه السلفيون غير قابل للتطبيق فى مصر لعدة أسباب أهمها عدم وجود آبار النفط  في مصر، فمصر لا تمتلك ثروات طبيعية فثروة مصر في أبنائها وليس في آبار النفط، إن الشعب المصرى الآن يقترب من 90 مليونا.
 
 
وهذا سيخلق كبتاً فى مصر مما سيزيد من انتشار الجرائم والأمراض النفسية فنظراً لطبيعة المجتمع المختلف عن مصر.
 
 
ونظراً لأن السلفيين يحرمون البنوك فإنهم سيتخذون قرارات اقتصادية خاطئة ستؤدى إلى هروب رؤوس الأموال من مصر كإلغاء البنوك فى وقت نحتاج فيه إلى ازدياد الاستثمارات الأجنبية حتى تزيد الصادرات ويتم تقليص الفارق فى الميزان التجارى بين الصادرات والواردات.
 
 
وبإلغاء البنوك ستخرج مصر من السوق العالمية وبالتالى لا صادرات مما سيؤدى إلى خسارة العملة الصعبة فلا صادرات ولا واردات فى وقت نستورد فيه أغلب احتياجاتنا من الطعام والشراب من الخارج مما سيؤدى إلى عواقب وخيمة.
 
 
كما أنهم سيقومون باتخاذ قرارات خاطئة فى مجال السياحة مما سيؤدى إلى تدمير صناعة السياحة فى مصر، وبالتالى خسارة أخرى للعملة الصعبة التى تأتى من الخارج والتى تحتاجها مصر لتعويض الفارق الفادح فى الميزان التجارى.
 
 
وهذا سيؤدى إلى انهيار مخزون النقد الأجنبى فى عدة شهور فقط وستؤدى هذه القرارات الاقتصادية الخاطئة إلى نتائج فادحة على مصر من مجاعة وانتشار للبطالة وبالتالى ازدياد لمعدلات الجريمة وانهيار الأمن والاستقرار وهذا سيؤثر بالسلب على حوالى 70٪ من الشعب المصرى وستكون نتيجة ذلك حدوث ما يسمى بـ«ثورة الجياع» وانهيار تام لنموذج الدولة الدينية فى مصر إلى الأبد.

 
وبالتالى سيصبح عندنا أكثر من 95٪ من الشعب المصرى قد تأثروا سلباً بوصول السلفيين للحكم.