الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

أردوغان.. سلطان الباب «الـــواطـى»

أردوغان..   سلطان الباب «الـــواطـى»
أردوغان.. سلطان الباب «الـــواطـى»


لم ينتظر رجب طيب أردوغان، الذى لايزال يتعلم تقاليد وبروتوكولات رئاسة الجمهورية، طويلا، حتى يأمر بنفى ما تردد عن طلب أنقرة عقد لقاء بين وزيرى الخارجية المصرى والتركى فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الغريب أن الرئاسة التركية سارعت إلى نفى أخبار لم تنشر أصلا عن طلب أردوغان لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى حين لم تنف الخارجية التركية صحة ما ذكره المتحدث باسم الخارجية المصرية عن طلب أنقرة عقد لقاء لوزيرى الخارجية.

موقف جديد يكشف عن ازدواجية تركيا فى العديد من السياسات والمواقف الآن، ومنها العلاقات مع مصر، التى صنع أردوغان منها معضلة تواجه الدبلوماسيين الأتراك بسبب تصرفه الأحمق فى دعمه لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية عقب عزل محمد مرسى فى 3 يوليو من العام الماضى.
ولأنه يتصرف وكأنه لا يوجد رجل غيره فى تركيا، ولا يقيم أى اعتبار أو وزن لأية مؤسسة فى بلاده سواء مجلس الوزراء أو وزارة الخارجية، فلم يتورع عن إحراج حكومته وواصل بذاءاته ضد مصر فى كلمته أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة متهما الأمم المتحدة بدعم من أسماهم بالانقلابيين، وبالترحيب بشخص استولى على الحكم فى مصر، فى إشارة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، مواصلا أكاذيبه، التى يروجها هو والتنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى ينتسب إليه، بأن هناك الآلاف يقتلون فى شوارع مصر، وهو ما دفع الخارجية المصرية إلى إعلان إلغاء اللقاء بين وزير الخارجية سامح شكرى ونظيره التركى ردا على بذاءات أردوغان.
∎ تخبط طبيعى
صار من الطبيعى الآن فى تركيا أن تفعل الحكومة شيئا وتقول الرئاسة شيئا آخر مناقضا تماما، كما حدث من قبل عندما بعث الرئيس التركى السابق عبدالله جول ببرقية تهنئة للرئيس عبدالفتاح السيسى لفوزه بانتخابات الرئاسة فى مصر، فخرج أردوغان ليصب عليه جام غضبه، ويؤكد عدم اعترافه بالانتخابات فى مصر لأنه لا يزال يتمسك بشرعية مرسى.
الأمر نفسه تكرر عندما طلبت الحكومة التركية التى يقودها الآن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذى كان من قبل وزيرا للخارجية، عقد لقاء فى نيويورك، بين وزير الخارجية التركى الجديد مولود تشاوش أوغلو ووزير الخارجية المصرى سامح شكرى لمراجعة مسار العلاقات بين البلدين.
وبداية ربما يكون هذا الطلب خرج من أنقرة دون موافقة أردوغان، الذى سارع على لسان كبير المستشارين الإعلاميين فى رئاسة الجمهورية التركية لطف الله جوكطاش إلى القول بأن ما تردد فى بعض وسائل الإعلام المصرية عن طلب أردوغان عقد لقاء مع السيسى غير صحيح.
وقال جوكطاش فى تصريح لوكالة أنباء الأناضول الرسمية إن موقف الرئيس أردوغان من السيسى فى غاية الوضوح، وإن كل الادعاءات فى هذا الصدد هى محض افتراء، ولم نطلب مطلقا لقاء الوفد المصرى فى نيويورك، ولم نفكر بشىء كهذا.
∎ أردوغان المنسحب
البعض قد يتساءل عن هذه الازدواجية وأسبابها، لكن تفسيرها هو أمر طبيعى جدا، وهو أن أردوغان يتسم بالعناد، ويرى أنه لو تراجع بعد كل هذه الضجة التى أحدثها خلال الأشهر السابقة إظهارا للدعم الشديد للإخوان المسلمين تنفيذا لخطة التنظيم الدولى فى دعم الإخوان فى مصر، سيتعرض لهجوم كاسح من جانب الصحف ووسائل الإعلام وأحزاب المعارضة، التى لطالما انتقدت موقفه من التطورات فى مصر واعتبرته يضر بمصالح تركيا.
والمعنى، كما أكده مسئولون من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه، أن أردوغان يريد أن يحدث تراجعا عن الموقف الحاد تجاه مصر، لكنه لايريد أن يكون ذلك من خلاله حفظا لماء الوجه.
هؤلاء المسئولون ومصادر من داخل الحزب أكدت أنه كانت هناك خلافات منذ البداية بشأن التعامل مع الأحداث فى مصر، وأن من وافقوا أردوغان فى الرأى كانوا مجموعة من مستشاريه، الذين حاولوا تأكيد ولائهم له من خلال مسايرته فى كل ما يريد، لكن فريقا آخر ومنهم الجناح الدبلوماسى، الذى يمثله الرئيس السابق عبدالله جول ورئيس الوزراء الحالى أحمد داود أوغلو، وقطاع من القاعدة فى حزب العدالة والتنمية لم يبدوا أى اتفاق مع ما يفعله أردوغان والمقربون منه.
وقد ظهر هذا بوضوح فى أول اختبار حقيقى فى ملف الإخوان المسلمين، إذ بعد طرد سبع قيادات من قطر، كان أردوغان يزور قطر فى اليوم التالى، وفى طريق عودته أكد ترحيب تركيا باستقبال القيادات المطرودة، لكن الخارجية التركية قالت كلاما مختلفا إذ قالت إن طلبات هؤلاء لدخول تركيا ستفحص أولا، وإذا لم يكن هناك مايحول دون دخولهم سنسمح لهم بدخول تركيا، وهو ما عاد وأكد عليه أردوغان بالصيغة نفسها، وهو مؤشر جديد على محاولة انسحابه من الموقف دون أن يخسر أمام مؤيديه، الذين إذا قال لهم إن الشىء الأسود أبيض وليس أسود صدقوه.
∎ تباينات سياسية
 التباينات بين رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان فى معالجة القضايا والملفات المهمة، لا تقتصر على الملف المصرى، فلم يحقق رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ما كان منتظرا منه، وما كان مخططا له أن يفعل، فقد كان مطلوبا منه أن يكون نشيطا وحيويا، ولكن ليس بهذا القدر، لأن المفروض عليه أن يكون متأخرا بخطوة عن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، بحسب ما قال الكاتب بصحيفة «ميلليت» التركية اليومية محمد تازكان، الذى تحدث عن وجود علامات تلوح فى الأفق، تشير إلى حدوث خلل وتناقضات بين رئيس الجمهورية أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو.
وذكر الكاتب أن داود أوغلو توجه عقب انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية مباشرة فى زيارة إلى جمهورية شمال قبرص، ومن بعدها إلى العاصمة الأذربيجانية باكو مستخدما طائرة الرئيس الجديد، ولم يكتف بذلك فحسب، بل وجه للقبارصة اليونانيين دعوة للصلح مفادها أن عهدا جديدا قد بدأ، مشيرا إلى أن داود أوغلو بهذا التصرف تجاوز الحدود المسموح له بها، وتجاوز الرئيس أردوغان.
وقياسا على ذلك بدا أن هناك تدخلات من الحكومة الجديدة للتخفيف من أثر الكثير من المواقف والتصريحات الأخيرة لأردوغان داخليا وخارجيا.
∎ الملف المصرى
أما فى الملف المصرى فيبدو الأمر مختلفا إلى حد ما، فبالإضافة إلى أن هناك معارضة داخلية لتدمير العلاقات مع مصر، إدراكا لأهمية العلاقات بين البلدين، هناك أيضا خسائر كبيرة تعرضت لها تركيا نتيجة توتر العلاقات مع مصر، منها ماهو مباشر مثل العزلة التى وجدت تركيا نفسها فيها فى المنطقة، وكذلك التأثيرات الاقتصادية السلبية، ومنها ما هو غير مباشر، والذى انعكس فى توتر علاقات تركيا مع دول كبرى فى المنطقة وفى الخليج العربى مثل المملكة العربية السعودية، وكذلك الإمارات العربية المتحدة، والدول التى دعمت ثورة 30 يونيو، ووصول علاقات تركيا مع جميع دول الخليج تقريبا باستثناء قطر إلى مرحلة الجمود.
يضاف إلى ذلك تغير الموقف الأمريكى وضغوطه على تركيا لإنهاء خلافاتها مع دول المنطقة المؤثرة، فى ظل التوجه لمكافحة الإرهاب، وفى ضوء الاتهامات الموجهة لتركيا بدعم التنظيمات الإرهابية فى المنطقة مثل داعش والنصرة والإخوان المسلمين.
جميع هذه العوامل ضغطت على أردوغان لإعطاء الضوء الأخضر لحكومته للتحرك باتجاه إزالة التوتر فى العلاقات مع مصر، بشرط ألا يظهر هو فى الصورة حتى يظل محتفظا بصورته أمام الرأى العام التركى، وحتى لا تثور التساؤلات حول التحول المفاجئ من النقيض إلى النقيض فى موقفه من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والرئيس عبدالفتاح السيسى.