أساتذة جامعات أم نشطاء سياسيون؟!
وفاء شعيرة
عمل أساتذة الجامعة بالسياسة أدى إلى مزيد من التوتر داخل الجامعات بصفة عامة، إلا أن قرار رئيس الجمهورية بجعل اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بالتعيين قد يقضى على قضية عمل رؤساء الجامعة بالسياسة.
على مدار الشهور الماضية ومع المظاهرات العنيفة داخل الجامعة المصرية التى نتج عنها اغتيال أرواح من الطلبة ورجال الشرطة وبمشاركة عدد من أساتذة الجامعات فى هذه المظاهرات وحتى الأسبوع الماضى أحال رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر جاد نصار 10 من أساتذة الجامعة للنيابة العامة وقبلها أحال بعض الأساتذة للتحقيق فظهر سؤال كبير داخل عالم السياسة والجامعات عن أحقية أستاذ الجامعة فى العمل بالسياسة داخل وخارج الجامعة!
وهل كان رئيس الجمهورية على حق عندما أصدر قرارا قبل عدة أيام بأن يكون شغل مناصب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بالتعيين وليس الانتخاب.
قبل الإجابة عن هذا السؤال وفى الأسبوع الماضى أقام ستة من أساتذة جامعة القاهرة ست دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة طالبوا فيها بإلغاء قرار رئيس الجامعة بتحويلهم وآخرين للنيابة العامة.
الستة هم: الدكتورة باكينام رشاد الشرقاوى، والدكتور عبدالله شعلة والدكتور سيف عبدالفتاح بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتورة أميمة كامل الأستاذ بقسم الصحة العامة بكلية الطب، والدكتورة نرمين محمد عبدالبارى المدرس بقسم الكيمياء الحيوية بكلية الطب والدكتور ياسر أحمد الصيرفى أستاذ ورئيس قسم القانون المدنى بكلية الحقوق.
جميعهم أكدوا فى دعواهم أن قرار رئيس الجامعة بإحالتهم للنيابة باطل لأنه صدر من سلطة غير مختصة، وذلك طبقا للمادة 105 من قانون 49 لسنة 1972 الخاص بتنظيم الجامعات، التى نظمت كيفية معاقبدة أستاذ الجامعة بأن يتم التحقيق معه من خلال أحد أساتذة كلية الحقوق بالجامعة وبعد الانتهاء من التحقيق يحال الأستاذ بمجلس تأديب والذى يقرر إما حفظ التحقيق أو معاقبة الأستاذ بالتنبيه واللوم.
كما أكد الأساتذة أن إحالتهم للنيابة مخالفة لأحكام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة التى أكدت عدم جواز رد الفعل فى مجال التأديب إلى المجال الجنائى أو الجريمة الجنائية.
لأن ذلك يؤدى إلى الإخلال بمبدأ استقلال الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية.
كما أكدوا بطلان إحالتهم للنيابة لبطلان التحقيق معهم لعدم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم ولوجود خصومة بينهم وبين رئيس الجامعة الدكتور جابر جاد نصار لأنه ذو توجه سياسى معروف.
وعلى الرغم من أن هؤلاء الأساتذة فى دعاواهم أمام المحكمة لم يحددوا ما ارتكبوه حتى يحالوا إلى النيابة إلا أن ملفات جامعة القاهرة حددت أسباب إحالتهم للتحقيق داخل الجامعة، فالدكتور عبدالله شحاتة أحيل للتحقيق لأنه عمل نائبا لوزير المالية السابق بالمخالفة للقانون لأنه عمل دون الحصول على إذن، مما يجعله فى شبهة إهدار للمال العام.
والدكتورة باكينام الشرقاوى مستشارة الرئيس المعزول تم وقفها عن العمل لاتهامها بالتحريض على العنف فى احتفالية عبدالملك عودة بالجامعة.
والدكتور سيف عبدالفتاح مدير مركز الدراسات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أحيل للتحقيق وتم وقفه عن العمل لعمله فى فريق الرئاسة دون إذن الجامعة.
والمعيدة سارة لطفى تم وقفها عن العمل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تمت إحالتها للتحقيق للعمل سكرتيرة خاصة للرئيس المعزول محمد مرسى رغم رفض إدارة الكلية.
والدكتور أحمد حسين صاحب واقعة ضرب ضابط الشرطة الشهيرة بالمهندسين تم فصله من الجامعة لانقطاعه عن العمل.
والدكتور ياسر الصيرفى أستاذ الحقوق تمت إحالته للتحقيق بتهمة التحريض على العنف داخل الجامعة.
والسؤال الآن: هل من حق أساتذة الجامعة العمل بالسياسة؟
د. رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستورى بحقوق عين شمس قال لنا: من حق الأستاذ الجامعى العمل بالسياسة ويتكلم فيها وأن يترأس أحزابا، لأنه قدوة فى المجتمع فليس هناك قيود عليه وذلك طبقا لقانون تنظيم الجامعات والدستور المصرى.
ويضيف بطيخ: لا يجب أن ننظر لأستاذ الجامعة كنظرتنا للقاضى أو ضابط الشرطة أو الجيش المفروض عليهم قيودا بالعمل بالسياسة.
الأستاذ الجامعى داخل محاضرته عليه الالتزام بموضوع المحاضرة ولا يتكلم فى السياسة، ويجوز له بعد المحاضرة أن يتكلم فى السياسة كما يشاء وذلك طبقا لقانون الجامعات وذلك حتى لا يحيد عن الموضوع الذى يلقيه.
ومن حق الأستاذ الجامعى أن يتكلم فى السياسة فى حال ما إذا كانت المادة التى يدرسها للطلبة متعلقة بالسياسة مثل العلوم السياسية والجغرافيا السياسية ونظم السياسة، وإذا كان رئيس جامعة القا هرة أحال عددا من الأساتذة إلى النيابة فقد يكون السبب متعلقا بالتحريض على العنف من جانبهم أو أمر غير قانونى.
بطيخ كشف لنا أن أساتذة كليات الطب فى الجامعات المصرية هم الأكثر عملا بالسياسة والتكلم فيها والتحدث فى القانون بين جميع الأساتذة، وهذا شىء غريب رغم أن المفروض أن يكون أساتذة كلية الحقوق هم الأكثر تحدثا فى السياسة لطبيعة دراستهم.
وأرجع الدكتور بطيخ السبب إلى أن أستاذ الحقوق متشبع بالسياسة والقانون وفاهم كل شىء بينما أساتذة الطب يحاولون المشاركة فى العمل السياسى والبعض منهم لديهم نظريات سياسية.
بينما يرى الدكتور محمد شعبان أستاذ القانون بجامعة القاهرة والمحامى بالنقض أنه ليس من حق رئيس الجامعة أن يحيل أى أستاذ جامعى للنيابة لأن من له هذا الحق وزير التعليم العالى وحده وتتم إحالة الأستاذ للنيابة فى حال ما إذا ارتكب إحدى الجرائم الجنائية أو مخالفات مالية داخل الجامعة.
وأكد شعبان أن الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة فى أزمة حاليا لأنه أحال عددا من الأساتذة للنيابة وليس له هذا الحق ومن له هذا الحق هو وزير التعليم، وأيضا أحال بعضهم وهناك آخرون يعملون بالسياسة لم يحلهم.
ولعل أزمة رئيس جامعة القاهرة مع أساتذته وربط البعض إحالته لهم للنيابة لعملهم بالسياسة دون النظر إلى المخالفات التى ارتكبوها جعل الدكتور ماهر مصباح رئيس جامعة السويس يؤكد أن قراره الصادر فى نهاية الشهر الماضى يونيو بإنهاء خدمة خمسة من أساتذة الجامعة صدر لانقطاعهم عن العمل ولا يرتبط بالاتجاهات السياسية وأن هؤلاء الأساتذة امتنعوا وتغيبوا عن العمل فجأة.
وبسبب أزمة الأستاذ وعمله بالسياسة يتردد داخل مكاتب أساتذة القانون بجامعة القاهرة قيام عدد من الأساتذة بالجامعة بالاستعداد لرفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد رئيس الجامعة ردا على إحالته لعدد من الأساتذة للنيابة.
وتطالب هذه الدعوى رئيس جامعة القاهرة بالاختيار بين رئاسته للجامعة وبين عمله الخاص كمحام، وذلك طبقا للقرار الجمهورى رقم 106 لسنة 2013 الذى يخير المسئولين بين العمل الخاص والعمل كمسئول، وهذا القرار صادر فى شأن تعارض مصالح المسئولين بالدولة وينص على أنه فى حال التعارض المطلق يتعين على المسئول الحكومى إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة، وإذا كان التعارض نسبيا يتعين على المسئول الحكومى الإفصاح عن هذا التعارض واتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع ضرر للمصلحة العامة طبقا لهذا القرار فإنه على رئيس جامعة القاهرة الاختيار بين المحاماة ورئاسة الجامعة، لأنه من الجائز والوارد أن تأتى إليه إحدى القضايا فى مكتب المحاماة الخاص به لها علاقة مباشرة بجامعة القاهرة مما يسبب تعارضا للمصالح.
ولعل أزمة أساتذة الجامعات وراء إصدار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى قرارا بقانون ينص على تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار من رئيس الجمهورية بعد أن كان اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب.
ونص القرار الذى أدخل تعديلات على بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 على أن يعين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالى وذلك من بين ثلاثة أساتذة ترشحهم لجنة متخصصة فى ضوء مشروع لتطوير الجامعة فى جميع المجالات يتقدم به طالب الترشيح، كما ينص القرار على تشكيل اللجنة السابقة المشار إليها وتنظيم عملها وضوابط إجراءات وشروط الترشيح ومعايير المفاضلة قرار من وزير التعليم العالى بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات.
ويكون تعيين رئيس الجامعة لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد ويجوز إقالة رئيس الجامعة من منصبه قبل نهاية مدة تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية بناء على طلب المجلس الأعلى للجامعات، وذلك إذا أخل بواجباته الجامعية أو بمقتضيات مسئولياته الرئاسية.
الدكتور جمال سلامة الذى انتخب عميدا لكلية التجارة جامعة السويس ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة السويس قال لنا:
هناك فرق بين أن تعمل بالسياسة وأن تكون ممثلا لتيار تخريبى أو تآمرى فأستاذ الجامعة عندما يعمل بالسياسة ويتحدث فى الشأن العام والقضايا التى تشغل المجتمع ليست مشكلة حتى طالب الجامعة عندما يعمل بالسياسة ليست هناك مشكلة.
ولكن أن يحمل الطالب «مطواة» ويضرب الأستاذ ويخرب منشآت الجامعة فهذه ليست سياسة.
أضاف سلامة: أنا مع قرار رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات رغم أننى جئت بالانتخاب، الذى أفسد العلاقة بين الأساتذة فى الجامعات وتسبب فى الانفصال بينهم بمجرد انتهاء العملية الانتخابية سواء لرئيس الجامعة أو عميد الكلية، وأصبح هناك تحزب وجماعات وتيارات داخل أساتذة الجامعات يخدم كل أستاذ فريقه.
وأشار د. سلامة إلى أن فى جميع جامعات العالم ليس هناك انتخاب لرؤساء الجامعات فى مصر جاء العظماء لرئاسة الجامعات بالتعيين مثل لطفى السيد وطه حسين لرئاسة جامعة القاهرة.
سألنا الدكتور سلامة: أليس تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات يعنى أن الأساتذة ليس لهم القدرة على الاختيار الحسن؟
قال لنا: الأستاذ الجامعى بشر له طموحاته وشهواته وأحقاده فهو ليس قديسا، فإنه قد يختار رئيسا للجامعة أو عميدا لكلية مجاملة أو لأنه من نفس التيار أو الحزب أو الفكر أو مجاملة لزملاء آخرين أو لأنه وعد بالحصول على منصب عند اختيار رئيس معين للجامعة أو عميد بعينه لكليته، وهو الأمر الذى ظهر لنا فى انتخابات رؤساء الجامعات وعمداء الكليات العديد من التيار التخريبى.
ويؤكد سلامة: أنا مع التعيين على أن تكون هناك معايير لاختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وهى الكفاءة والخبرة ومهارات شخصية يستطيع القيادة والإدارة إلى الكفاءة العلمية.
ولا يوجد مانع أن يكون له انتماءات سياسية شرط ألا يكون منتميا لتنظيم إرهابى أو تخريبى.
وأكد الدكتور سلامة أن تجربة مصر خلال السنوات الثلاث الماضية تجعلنا لا نمارس سياسة داخل الجامعة.
فالطالب من حقه أن يعمل بالسياسة خارج الجامعة وعلى أستاذ الجامعة أيضا ألا يمارس السياسة داخل الجامعة، وإن أراد العمل بالسياسة يكون خارج أسوار الجامعة، وعلينا أن نفصل بين مكان العمل والوظيفة وممارسة السياسة وهذا ما يحدث فى جميع الوظائف الحكومية والمؤسسات العامة، فهناك فصل بين العمل بالسياسة والوظيفة.
حتى أساتذة العلوم السياسية فى الجامعات يجب ألا يمارسوا السياسة داخل الجامعة فالنظريات ومناهج علم السياسة واحدة فى جميع العالم وإن كنا فى المحاضرات نصف هذه النظريات والمناهج على دول العالم وحتى على مصر والدول العربية وإنما بمفهوم الدراسة وليس العمل بالسياسة.