الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ليست مجرد قناة بل شريان نضال

ليست مجرد قناة بل شريان نضال
ليست مجرد قناة بل شريان نضال


 
ليست مجرد «شريان مائى» مهم.. اختصر الجغرافيا.. لكنها شريان «نضال وطنى».
 
إن الدرس الذى يحمل الكثير من الأمل.. ونحن نحتفل بمرور 155 عاماً على حفر «قناة السويس» فى عام .1859 هو أن الشعب المصرى الذى بنى الهرم.. وحفر «قناة السويس».. وبنى «السد العالى».. أثبت بثورتى 25 يناير و 30 يونية.. أنه لا يمكن أن يعيش طويلاً فى شرنقة «العجز».. ولا يمكن أن يستسلم لحالة الانسحاب والانسحاق.. لأنه دوماً عملاق مسالم.. قد يمنح الظالمين.. الفرصة تلو الفرصة للتراجع.. وعندما لا يرتدع هؤلاء الغاصبون.. ينتفض الشعب المصرى.. ليسترد الحق.. ويقيم العدل.
 
كان مشروع حفر «قناة السويس» حلماً على مر العصور والأجيال.. وقد استطاعت بعض الأجيال أن تحقق جزءاً من هذا الحلم.. بداية من قناة «سنوسرت» فى العصر الفرعونى.. الذى إستطاع حفر أول قناة لتوصيل البحرين «المتوسط والأحمر».. وبعدها توالت القنوات التى تم حفرها فى العصر الإغريقى ثم الرومانى.. ثم قناة «أمير المؤمنين».. التى حفرها «عمرو بن العاص» بعد الفتح الإسلامى لمصر.
 
وظلت كل هذه القنوات مجرد جزءاً من الحلم الكبير .. بحفر قناة تصل مباشرة ما بين البحرين «المتوسط والأحمر».. حتى جاء «نابليون بونابرت» على رأس الحملة الفرنسية على مصر «1798 - 1801».. وأراد علماؤها تحويل الحلم إلى واقع.. إلا أن الحملة فشلت.. بعد أن تصدى لها الشعب المصرى بقوة وجسارة .. لتعود الجيوش الفرنسية وعلماؤها إلى فرنسا.
 
وتوقف الحلم.. حتى استطاع «فرديناند ديليسبس» أن يسطو بطرق ملتوية على دراسات حفر قناة.. تربط بين البحرين.. واستطاع بالفعل أن يقنع الوالى «سعيد - حاكم مصر» بحفر هذه القناة.. بل استطاع أن يخدعه بكتابة عقد.. تتحمل مصر فيه كل شىء تقريباً.
 
وبدأ الحلم المستحيل يتحول إلى واقع.. مع أول ضربة فأس.. بيد فلاح مصرى بسيط.. من عشرات الآلاف من الفلاحين.. الذين أخذوهم من القرى والنجوع.. ليعملوا بالسخرة.. فى مشروع «قناة السويس».. التى حفرت بأرواح وجماجم ودماء 120 ألف عامل منهم.. ورغم كل حياة الظلم والقهر والبؤس التى عاشها الفلاحون المصريون البسطاء.. إلا أنهم نجحوا فى شق قناة «السويس».. بطول 170 كيلو متراً من السويس جنوباً وحتى بور سعيد شمالاً.
وفى عام 1869 أقام الخديوى «إسماعيل» حفلاً أسطورياً لافتتاح القناة.. ومنذ ذلك الحين تحولت القناة إلى «دينامو» يولد إشعاعاته.. فى أفق العمران.. والنضال الوطنى.. والثقافة.. وشريك فاعل فى السياسة العالمية.. ورقم أساسياً فى الاقتصاد المصرى.. ومورد مهم لجلب العملات الصعبة.
 
وتمثل قناة السويس «الأب الشرعى» لمدن القناة الثلاثة «بور سعيد.. الإسماعيلية.. السويس».. فبور سعيد التى كانت مجرد 3 مدن قديمة ومتناثرة على شاطئ البحر.. تقلصت قبل الحفر فى قرية صغيرة للصيادين.. تحولت مع حفر القناة إلى مدينة رائعة.. ذات طابع خاص.. وإلى واحد من أهم رموز «التحرر الوطنى» فى العالم كله.. خاصة بعد تأميم «قناة السويس».. وفشل العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 .. وتدمير الفدائيين لتمثال «ديليسبس» رمز الإستعمار والنصب والاحتيال.
 
ولم تكن مدينة «الإسماعيلية» إلا بعض أكواخ وبيوت فقيرة للصيادين على بحيرة «التمساح».. ومع حفر قناة «السويس».. تحولت إلى مدينة جميلة ورائعة.. وساهمت بطولاتها فى كل مراحل «النضال الوطنى».
 
 أما مدينة «السويس» التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى.. الذى يتدله فى عشقها.. كانت مدينة مهمة فى كل العصور الفرعونية والإغريقية والرومانية.. ومع الفتح الإسلامى.. أصبحت محطة «الحج» الرسمية لكل الحجاج المسافرين إلى الأراضى الحجازية.. وبعد حفر «قناة السويس».. أصبحت تمثل شريان الحياة للعالم كله.
 
ومنذ بداية حفر «قناة السويس».. تحولت إلى «بؤرة صراع» نشط ومتجدد.. بين مختلف القوى فى العالم.. فعندما استطاعت «فرنسا» من خلال «ديليسبس» أن تسيطر على «قناة السويس».. وأن يصبح لها دولة شبه مستقلة داخل الدولة المصرية.. سعت إنجلترا إلى الإحتلال الإنجليزى لمصر عام ,.1882 وبعد 13 عاماً فقط من افتتاح «قناة السويس».
 
وساهم «ديليسبس» بدور مشبوه فى إتمام الاحتلال الإنجليزى لمصر.. حينما خدع «عرابى».. ورفض غلق القناة فى وجه السفن الإنجليزية.. مدعياً أن الجيش الفرنسى.. سيمنع الإنجليز من عبور القناة.. ثم تركهم يعبرون.. ليحصد رسوم العبور على السفن الإنجليزية الغازية.. وليتم الاحتلال فى سهولة ويسر.. ما كان لهما أن يحدثا.. لو تم الغزو من الإسكندرية.. مروراً بالقرى والنجوع فى محافظات الدلتا.. والتى تمثل «شبكة عنكبوتية».. تعمل على إعاقة أى غزو مهما كانت قوته.
 
وبعد ثورة يوليو 1952 .. كان لابد للزعيم «جمال عبدالناصر» أن يتخلص من الدولتين اللتين تملكان كل خيوط الحكم الحقيقية فى مصر.. واستطاع من خلال المفاوضات والأعمال الفدائية فى القناة.. أن يصل إلى اتفاقية إنهاء الاحتلال الإنجليزى لمصر.. بعد أكثر من 70 سنة.. ثم كانت ضربته القاضية.. حينما جاءت ساعة الصفر.. الثامنة والنصف من مساء يوم 26 يوليو 1956 .. ومن ميدان «المنشية» بالإسكندرية.. خرج صوته.. ليسمع الملايين من إذاعة القاهرة.. تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية - شركة مساهمة مصرية - ليعود الحق إلى أصحابه.. بعد رحلة اغتصاب.. استمرت ما يقرب من المائة عام .
 
وهكذا تحول التاريخ العاشق إلى حكم نبيل.. يوزع مراحل «النضال الوطنى» بعدالة.. على مدن القناة الثلاث .. التى شاركت بشكل مؤثر فى ثورة 1919 .. وبعد معاهدة 36 التى أبرمها «النحاس باشا» مع الإنجليز.. انسحبت القوات الإنجليزية من كل مصر .. لتتمركز فى منطقة «قناة السويس».. وخاصة فى مدن «الإسماعيلية.. السويس.. فايد.. أبوسلطان».. لتبدأ مناوشات حركة الفدائيين ضد المحتل الغاصب.. والتى تحولت إلى حرب تحرير وطنية بعد نكبة ,.1948 واستيلاء الصهيونية على فلسطين.. مما أدى إلى ظهور تنظيم الضباط الأحرار بقيادة «جمال عبدالناصر».. والذى استطاع إحداث حالة من التنسيق العالى مع حركة الفدائيين فى منطقة القناة.
 
وكان لابد لهذا «الهارمونى الوطنى» أن يؤدى إلى ميلاد الثورة المصرية فى يوليو ,.1952 لتتواصل بعدها حركة الفدائيين.. للضغط على الإنجليز الجـــــــــــــــــــــلاء عن مصر.. والذى تم فى يونيو 56 ,.19 وإذا كانت «الإسماعيلية» قد أخذت دور البطولة المطلقة فى حرب التحرير الوطنية.. فإن «بورسعيد» قد أخذت نفس الدور أثناء العدوان الثلاثى على مصر.. حيث استطاعت هذه المدينة الباسلة أن تفتدى مصر والإنسانية كلها.. واستطاع الفدائيون من أبناء المدينة.. أن يتصدوا بكل الجسارة للجيوش الإنجليزية والفرنسية.
 
وبعد حرب 1967 جاء الدور على مدينة «السويس».. لتأخذ البطولة المطلقة خلال حرب الاستنزاف العظيمة.. تلك الحرب التى كانت «المصل» الذى حقن كل المصريين والعرب.. بالرغبة فى الثأر والانتصار.. واستطاع أبناء «السويس» أن يكسروا أنف العدو الصهيونى.. من خلال العشرات من العمليات الفدائية الرائعة طوال حرب الاستنزاف.. وتوجوا هذا «النضال الوطنى» الرائع .. بكسر كبرياء العدو الصهيونى يوم 24 أكتوبر 1973 .. حينما حاول العدو احتلال مدينة «السويس».. ولكن أبطال «منظمة سيناء العربية» استطاعوا قهر هذا العدو.. وتحطيم كبريائه.. وهكذا ظلت «قناة السويس» منذ حفرها وحتى الآن.. «شريان النضال الوطنى».
 
وكانت - ومازالت - «قناة السويس» الكيان الملهم.. الذى يعمل طوال الوقت.. على شحن عقول ووجدان الأدباء والفنانين.. وخاصة فى مراحل «النضال الوطنى» المهمة التى ارتبطت بها.. مما أنتج العديد من الأعمال الأدبية والفنية الرائعة.
 
ولأن منذ بداية حفر «قناة السويس».. والتى تحولت إلى شريان من دماء المصريين .. بعد الآلاف الذين استشهدوا عند حفرها.. والآلاف غيرهم الذين استشهدوا فى الحروب التى دارت على ضفافها.. طمعاً فيها وفى مصر كلها.. ولأن كل مصرى.. لابد وأن يكون حفيداً لشهيد أستشهد فى حفر القناة.. أو أستشهد فى أحد المعارك التى دارت بسببها.. أو على ضفافها.. كان علينا أن نحتفل مع مصر كلها.. بواحد من أهم أيامها التاريخية المجيدة.. وهو مرور 155 عاماً على حفر «قناة السويس» فى عام .1859 لنتعرف على بعض أسرار هذا العملاق العظيم.. الذى صنع من هذه القناة «ملحمة شعب.. وتاريخ أمة».