د. وليد جاب الله
2025 عام التثبيت والاستعداد للانطلاق الاقتصادى
انطلقَ الاقتصاد المصرى فى مسار إصلاحى مُنذ نوفبر 2016، وقد نجح البرنامج الأول لهذا المسار فى تحقيق نتائج واضحة خلال سنواته الثلاث؛ حيث شهدت نهاية عام 2019 تحقيق تحسن كبير فى كافة المؤشرات، وكان من المُنتظر أن يشهد الاقتصاد انطلاقة كبيرة مع دخول عام 2020، ولكن العالم بالكامل شهد كارثة اقتصادية تمثلت فى تداعيات جائحة كورنا، وما ارتبط بها من إجراءات غلق استنزفت نتائج برنامج الإصلاح المصرى؛ حيث تحمّلت الدولة فاتورة تداعيات كورونا بالكامل نيابة عن المواطن، باعتبار تحسن الأحوال خلال المدى القصير، وهو ما لم يتحقق؛ حيث توالت الأزمات مع اندلاع الحرب الأوكرانية وما ارتبط بها من عقوبات دولية عصفت بسلاسل الإمداد، ثم اشتعلت الحرب فى غزة لتكون بمثابة مزيد من الوقود الذى يُصَب على النار المُشتعلة، وفى ظل صراع جيوسياسى عالمى، استمرت مُعانات الاقتصاد المصرى، وبدا واضحًا أن المدى الزمنى المُستمر لاضطرابات الاقتصاد العالمى لم يُعد يُجدى معه سياسة المُسكنات، لتشهد نهاية فبراير 2024 وتوقيع صفقة رأس الحكمة التى ضخت نحو 35 مليار دولار فى جسد الاقتصاد المصرى مكنت الحكومة من عودة امتلاكها لزمام المُبادرة الاقتصادية، لتقوم بعدد من الإجراءات الإصلاحية كان أهمها العودة لسياسة صرف مرن للعملة الوطنية، والانطلاق فى مسار الإصلاح الهيكلى فى برنامج مُتكامل بالتعاون مع صندوق النقد الدولى، وإذا كان عام 2024 شهد صدمة إصلاحات تصحيح المسار؛ فإن عام 2025 قد شهد عملية تثبيت واستعداد للانطلاق من جديد.
فقد نحجت الدولة المصرية خلال عام 2025 أن تُحافظ على ما اتخذته من تبنّى سياسة سعر صرف مرن، كان من نتاجه أن عادت تحويلات المصريين بالخارج للجهاز المصرفى لتُسجل نحو 33.9 مليار دولار خلال أول عشرة أشهر من عام 2025 بزيادة نحو 42.8 % عن نفس الفترة من عام 2024، وهو ما ارتبط بالتحسن التدريجى فى قيمة الاحتياطى النقدى المصرى من العملات الأجنبية والذى بلغ نحو 50,22 مليار دولار لأول مرة فى تاريخ مصر، وكان لتحسن الإيرادات المصرية من العملات الأجنبية أن مكنتها من الوفاء بالتزاماتها الدولية، ورفع الثقة فى قدرتها الاقتصادية مما انعكس إيجابًا على حجم الاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية التى قادت الاقتصاد لتحقيق زيادة تدريجية فى مُعدلات النمو التى ارتفعت من نحو 2.4 % خلال العام المالى 2023/2024 إلى نحو 4.4 % خلال العام المالى 2024/2025، ليسجل الربع الأول من العام المالى 2025/2026 معدل نمو بلغ 5.3 % وهو ما دعّم المسار المصرى فى احتواء التضخم؛ حيث انخفض مُعدل التضخم السنوى من نحو 38 % عام 2023 إلى ما بين 28-33 % عام 2024 ليصل إلى نحو 12.3 % فى نوفمبر 2025 وهو ما ساعد فى تعزيز قدرة البنك المركزى فى تبنّى سياسة التيسير النقدى؛ حيث قام بخفض أسعار الفائدة أربعة تخفيضات مُتتالية بإجمالى نسبة خفض بلغت 6.25 % لتصل أسعار الفائدة فى نوفمبر 2025 نحو 21 % للإيداع لليلة واحدة، و22 % للإقراض لليلة واحدة، و21.5 % على العملية الرئيسة، ومن مؤشرات النجاح أن هذا الخفض لم يؤثر بالسلب على سعر صرف الجنيه المصرى؛ بل على العكس فقد تحسنت قيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكى من نحو 50.85 فى ديسمبر 2024 إلى نحو 47.35 فى ديسمبر 2025 مما عزز الثقة فى السوق المصرية حفز مُجتمع الأعمال على زيادة حجم نشاطه، وهو ما انعكس بالإيجاب على مُعدلات البطالة التى انخفضت إلى نحو 6.4 % وهو ما يُمثل أدنى مستوى لها من عدة سنوات.. لقد شهد عام 2025 الدفع بقطاعات الصناعة والسياحة لقيادة النمو مع الحفاظ على مُعدلات نمو مُرتفعة فى قطاعات الخدمات، والتشييد والبناء، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فى ظل تراجُع لقطاع قناة السويس تأثرًا بالحرب فى غزة وهجمات الحوثيين بمَدخل البحر الأحمر.
ولكن مع دخول مصر لعام 2026 تبرز التوقعات بأن تُعوّض قناة السويس جانبًا كبيرًا من خسائرها، وتنطلق لتحقيق مُعدلات نمو كبيرة، فضلاً عن توقعات باستمرار حالة الزخم السياحى التى حدثت مع افتتاح المتحف المصرى الكبير لينطلق قطاع السياحة لتحقيق نتائج غير مسبوقة، بالإضافة إلى تحقيق قطاع الصناعات التحويلية لمُعدلات نمو ناتجة عن التحفيز الهائل الذى تقوم به الحكومة لهذا القطاع، فضلاً عن استمرار قطاعات الخدمات والتشييد والبناء لمُعدلات نمو مُرتفعة، كما أنه من المتوقع عودة قطاع البترول والغاز لتحقيق نتائج كبيرة مع التقدم فى سداد مُستحقات الشركات الأجنبية، مما يؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على تحقيق مُعدلات نمو تتجاوز توقعات المؤسّسات الدولية لعام 2026 والتى قُدّرت ما بين 4.5-4.7 % لتتمكن مصر من تجاوز حاجز الـ 5 % معدل نمو خلال عام 2026 الذى من المُتوقع أن يشهد مزيدًا من الانخفاض فى مُعدلات التخضم لتُسجل رقمًا فرديًا أقل من 10 % بنهاية العام؛ حيث إنه من المُتوقع أن تزيد نسبة زيادة الأجور على نسبة التضخم خلال موازنة العام المالى المقبل 2026/2027 بما ينعكس بالإيجاب على حياة المواطن ويبدأ فى الشعور بتحسن حقيقى فى مستوى معيشته.
والمؤكد أن ما تحقق من نجاح اقتصادى خلال 2025 لم يحدث بصورة تلقائية، ولم يتم فى ظروف طبيعية؛ وإنما أتى بجهد كبير وفى ظل ظرف عالمى بالغ الصعوبة، وكما أن التوقعات بتحقيق نتائج أفضل لعام 2026 تحتاج لمزيد من الجهد، ولسرعة أكبر فى تنفيذ إجراءات المسار الإصلاحى، بما فيها تطوير برامج التوزيع لتصل ثمار التنمية إلى مُستحقيها وفقًا لنموذج إصلاح هيكلى يتوافق مع المعايير الدولية، ويُراعى الخصوصية المحلية؛ مُستمرًا على اكتشاف عناصر القوة الداخلية، ومُنفتحًا على المُحيط الإقليمى والعالمى، بإدارة اقتصادية قادرة على التوقع واستباق الأحداث، واتخاذ القرار المُناسب فى الوقت المُناسب.







