احمد باشا
2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة
مع انبلاج فجر عام جديد، لا يبدو التقويم مجرد أوراق تُطوى، بقدر ما يبدو دفتر حساب مفتوحا،تُراجع فيه الدول ما أنجزت، وتعيد ترتيب أولوياتها، وتختبر فيه الشعوب قدرتها على الصبر والأمل معا.
مصر، التى عبرت سنوات ثقيلة من البناء وإعادة التأسيس، تدخل العام المقبل محملة بتوقعات مشروعة، وأسئلة كبيرة، وأحلام لا تزال تنتظر لحظة القطاف.
سياسيا، يفتتح العام أولى محطاته بانعقاد الفصل التشريعى الأول للبرلمان الجديد، من مقره الحديث فى العاصمة الإدارية الجديدة، فى مشهد رمزى لا يخلو من دلالات، برلمان يُفترض أن يعكس روح الجمهورية الجديدة، لا فى هندسة القاعة وحدها، بل فى طبيعة الأداء، ونوعية التشريعات، وحدود الجرأة فى ممارسة الدور الدستورى الأصيل.
أجندة البرلمان مزدحمة بقوانين تمس حياة المواطنين اليومية، من التشريعات الاقتصادية والاجتماعية، إلى ملفات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وصولًا إلى إعادة ضبط العلاقة بين الدولة والسوق، وبين السلطة التنفيذية والرقابة البرلمانية. والرهان الحقيقى ليس فى عدد القوانين، بل فى فلسفتها، وفى قدرة النواب على انتزاع كامل صلاحياتهم الدستورية فى المتابعة والمساءلة، دون صدام، ودون تواطؤ، وإنما بشراكة واعية تحترم التوازن بين السلطات.
وفى الممر الموازي، تتردد بقوة أنباء عن حكومة جديدة، أو على الأقل تعديل وزارى واسع، يضخ دماء جديدة فى شرايين الجهاز التنفيذى للدولة. حكومة يُنتظر منها أن تنتقل من منطق «إدارة الأزمة» إلى منطقة «إدارة الأمل»، وأن تضع الإصلاح الاقتصادى والسياسى فى صدارة أولوياتها، لا كشعارات، بل كبرامج قابلة للقياس والمحاسبة.
فبعد سنوات من القرارات الاقتصادية الصعبة، التى تحملها المواطن المصرى بصبر لافت، بدعوى إنقاذ الدولة وبناء الأساس، يأتى هذا العام محملًا بتوقع مشروع أن يشعر الناس بتخفيف الأعباء، وأن يلمسوا تحسنا حقيقيا فى أوضاعهم المعيشية، وأن تبدأ ثمار الإصلاح فى الوصول إلى موائد البيوت، لا أن تبقى حبيسة المؤشرات والتقارير.
الاقتصاد، هنا، ليس أرقاما مجردة، بل حياة يومية.. سعر سلعة، وفرصة عمل، واستقرار أسرة. والسياسة، ليست بيانات رسمية، بل إحساس المواطن بأن صوته مسموع، وأن المؤسسات تعمل لصالحه، لا فوق رأسه.
اجتماعيًا، يدخل المصريون عامًا جديدًا بقلوب مثقلة، لكنها لم تفقد قدرتها على الحلم. عاما يتمنونه بداية حقيقية لجنى الثمار، لا مجرد استمرار لمرحلة «التحمل». عاما يستعيد فيه المجال العام بعض عافيته، وتُفتح فيه نوافذ الحوار، ويُعاد الاعتبار لفكرة المشاركة، لا بوصفها ترفًا، بل ضرورة للاستقرار طويل الأمد.
وحتى فى الرياضة، التى تبدو للوهلة الأولى هامشا، لكنها فى وجدان المصريين متنفسًا ومرآة للروح الوطنية، يعلق الناس آمالا بسيطة وعميقة فى آن واحد. أن يحمل لهم العام المقبل أول فوز حقيقى فى المونديال، وأن يتجاوز المنتخب حدود المشاركة المشرفة إلى آفاق أرحب، وأن نكسر عقدة دور المجموعات، لا كإنجاز رياضى فحسب، بل كرسالة رمزية تقول إن المصرى قادر على العبور، متى توافرت الإرادة والتنظيم.
هو عام جديد، إذن، ليس عامًا للمعجزات، بل عام للاختبار. اختبار جدية الدولة فى ترجمة وعودها، وقدرة المؤسسات على تجديد دمائها، وصبر شعب يستحق أن يرى ضوء النفق، لا أن يُطلب منه فقط الإيمان بوجوده.
عام محمل بالآمال، نعم.لكن الأمل فى حساب الدول لا يكفى وحده. ما يكفى هو العمل، والشفافية، والقدرة على الاعتراف، ثم التصحيح.
وذلك، وحده، ما يجعل من العام الجديد بداية حقيقية، لا مجرد رقم جديد فى رزنامة الزمن.







