الإثنين 29 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

25 فيلمـا أعادت للشاشة دورها:

سينما 2025... العالم يشاهد نفسه

لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا فى تاريخ السينما العالمية، بل مثل لحظة استعادة واضحة لدور الشاشة الكبيرة بوصفها مساحة تفكير واشتباك مع الواقع، لا مجرد وسيلة ترفيه مؤقت.. فبعد سنوات من القلق حول مستقبل الصناعة، وهيمنة المنصات الرقمية، وتراجع التجربة الجماعية داخل قاعات العرض، قدمت سينما 2025 موسمًا بدا فيه واضحًا أن الأفلام عادت لتقاس بقدرتها على التأثير. 



فشهد العام تنوعًا لافتًا بين إنتاجات كبرى ذات طموح فنى واضح، وأعمال مستقلة جريئة كسرت القوالب السائدة. لكن، اللافت أن عددًا كبيرًا من هذه الأعمال لم يسع إلى تقديم إجابات جاهزة، بل انشغل بطرح أسئلة أخلاقية وتاريخية شائكة، واستدعاء الذاكرة لبعض القضايا، ومساءلة السلطة بأشكالها المختلفة سواء السياسية أو الاجتماعية أو حتى الثقافية. 

 حضور فلسطينى

كان أكثر ما ميز 2025، هو بروز الحضور الفلسطينى القوى داخل المشهد السينمائى العالمى، لا كقضية هامشية أو موضوع موسمى، بل كجزء مركزى من النقاش السينمائى والسياسى فى آن واحد.

كان فيلم (صوت هند رجب) واحدًا من أكثر الأعمال السينمائية إيلامًا وتأثيرًا فى عام 2025. فالفيلم، الذى كتبته وأخرجته التونسية «كوثر بن هنية»، مثّل المأساة فى «غزة» أثناء العدوان الإسرائيلى اعتمادًا على مادتها الخام. فيستند العمل إلى تسجيلات صوتية حقيقية لآخر مكالمة جرت بين الطفلة الفلسطينية «هند رجب»، البالغة من العمر 5 سنوات، ومسعفى جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى، وذلك أثناء محاصرة الطفلة داخل سيارة، وسط نيران جيش الاحتلال الإسرائيلى. 

تعود قوة الفيلم وجماله الأخلاقى لعدم تجسيد الطفلة بصريًا، أو إعادة تمثيل لحظاتها الأخيرة؛ بل اعتمد على صوتها فقط. ومن زاوية تاريخية أوسع، جاء فيلم (فلسطين 36)، من إخراج «آن مارى جاسر»، الذى اختير- أيضًا- لتمثيل «فلسطين» فى سباق أوسكار 2026. يتناول الفيلم مرحلة الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامى 1936 و1939 ضد الانتداب البريطانى، كاشفًا الجذور السياسية والعسكرية للمأساة الفلسطينية المعاصرة. لتعود أهمية (فلسطين 36) على قدرته على ربط الحاضر بالماضى، وتقديم قراءة تاريخية تُعيد السياق لما يعيشه الفلسطينى اليوم.

أما فيلم (كل ما تبقى منك)، من إخراج «شيرين دعيبس»، فقدم معالجة مكملة للسرد الفلسطينى، لكنها تنتقل من التاريخ السياسى إلى التاريخ العائلى بوصفه مرآة للوطن.. حيث روى الفيلم حكاية عائلة فلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم، عبر دراما متعددة الأجيال ترصد التحولات، والانكسارات، والاستمرارية. 

 سياسة الحاضر بلا شعارات

ضمن عدد من الأفلام السياسية التى عرضت عام 2025، نُظر إلى فيلم (One Battle After Another) بوصفه العمل الأكثر طموحًا فى سينما هذا العام.. فالفيلم أعاد المخرج «بول توماس أندرسون» إلى قلب النقاش حول علاقة السينما باللحظة السياسية الراهنة.

الفيلم المستوحى من رواية «Vineland» يمزج بين الكوميديا السياسية، والدراما العائلية، وأجواء التشويق، دون أن يسمح لأى منها بالهيمنة على الآخر. 

ويبتعد الممثل «ليوناردو دى كابريو» فى هذا الفيلم عن البطولة التقليدية، مقدمًا شخصية مرتبكة، وساخرة، ومشحونة بالقلق. وترجع أهمية الفيلم لقدرته على التقاط شعور اللايقين الذى يطغى على الحاضر الأمريكى، دون خطاب مباشر أو شعارات.

وبعيدًا عن «الولايات المتحدة»، قدم المخرج «جعفر بناهى»- الذى لا يزال يُعتقل ويُسجن، ويُعانى من حظر صناعة الأفلام- واحدًا من أكثر أفلامه قوة (It Was Just an Accident)، والذى تبدأ فيه الحكاية حين يتعرف ميكانيكى على صوت رجل يعتقد أنه السجّان الذى عذبه سابقًا فى السجن السياسى. وبدلًا من الانتقام، تنطلق رحلة عبثية عبر شوارع «طهران»، بمساعدة سجناء سياسيين سابقين، فى محاولة للتأكد من الحقيقة. ومن هذه الفكرة البسيطة، يبنى «بناهى» كوميديا أخطاء تتحول تدريجيًا إلى تأمل عميق فى العدالة، والذاكرة، واستحالة الشفاء الكامل.. فاز الفيلم بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان الأخير. 

أما فيلم (The Secret Agent) من إخراج «كليبر ميندونسا فيليو»، فيأخذ المشاهدين إلى «البرازيل» خلال زمن وصف بالديكتاتورية، عبر فيلم تشويق هادئ يرفض الخطاب المباشر. 

العائلة والذكريات.. مادة سينمائية لا تنتهى

داخل هذا الإطار.. يأتى فيلم (Hamnet) كأحد أكثر أفلام 2025 حساسية وهدوءًا فى تناوله لمشاعر الفقدان.. فيتخيل الفيلم أثر وفاة «هامنت»، ابن «ويليام شكسبير»، على والديه، ويربط بين الفقد الشخصى وولادة أحد أعظم نصوص الأدب، «هاملت».

الفيلم من إخراج «كلوى تشاو» التى تنقل رواية «ماجى أوفاريل» بنفس الاسم، والصادرة عام 2020 إلى الشاشة من دون ميلودراما، متجنبة السرد العاطفى المباشر.. تدور أهمية الفيلم حول لغته البصرية الأخاذة، وإلى طريقته فى التعامل مع القرن 16 كعالم حى ملىء بالتفاصيل الحسية، لا كزخرفة تاريخية.

فى سياق مشابه، يواصل المخرج «يواكيم ترير» فى (Sentimental Value) النرويجى حماسه الدقيق فيما يخص العلاقات العائلية بوصفها مساحات هشة، ومشحونة بالمشاعر غير المحسومة. فيدور الفيلم داخل عائلة يتقاطع فيها الفن مع الأبوة، ويصبح الماضى عبئًا حاضرًا لا يمكن تجاوزه بسهولة.

اعتبر النقاد أن هدوء الفيلم ورفضه لأى تصعيد درامى مفتعل جعلاه واحدًا من أكثر أفلام 2025 نضجًا وصدقًا فى عرض تلك المشاعر العائلية. 

أما فيلم (Father Mother Sister Brother)، فقدم المخرج «جيم جارموش» 3 حكايات منفصلة، تجمعها فكرة العائلة، وتفصل بينها مسافات عاطفية واسعة؛ كما قدم صورة للعائلة بوصفها كيانًا غير مكتمل، مليئًا بسوء الفهم، لكنه قابل للترميم.

واعتمد الفيلم على الصمت بوصفه عنصرًا أساسيًا فى السرد، حيث تصبح اللحظات العابرة والنظرات أهم من الحبكة التقليدية. وعليه، رأى النقاد أن العمل بدا أقرب لقصيدة سينمائية بطيئة، تترك أثرها بالتراكم لا بالصدمة.

الدراما الأسرية لم تتوقف عند المجتمعات الغربية فحسب، بل امتدت لتشمل الأسر الإفريقية فى فيلم ( Becoming a Guinea Fowl On ) من إخراج «رونجانو نيونى»، حيث تناولت القصة وفاة عم شخصية رئيسية وتأثيرها على الأسرة والمجتمع. فيكشف الفيلم التوتر بين الحفاظ على التقاليد ومواجهة الظلم العائلى والاجتماعى، ما دفع النقاد للإشادة ببراعة «نيونى» فى بناء عالم عاطفى غريب لكنه واقعى.

 النجاح وتفكيك أسطورة الوصول

واحدة من أبرز قضايا العصر التى برزت خلال 2025، هى تداعيات الوصول للنجاح.. وفى هذا الصدد قدم فيلم (Marty Supreme) واحدة من أكثر الدراسات السينمائية صخبًا للطموح.. حيث يقوم الممثل «تيموثى شالاميه» بدور شخصية مهووسة بالنجاح، لا ترى فى العالم سوى حلبة منافسة مفتوحة. 

واستطاع أسلوب المخرج «جوش سافدى»- المعروف بإيقاعه السريع، والكاميرا المتوترة- بأن يجعل المشاهد شريكًا فى هذا الجنون المتصاعد. 

النقطة الأهم فى الفيلم، هو عدم سعيه لتبرير سلوك بطله، أو إدانته صراحة، بل ترك الشخصية تنكشف تدريجيًا مع كل قرار أنانى، وكل خطوة إضافية نحو القمة. لهذا، اعتُبر الفيلم من أكثر أعمال العام قسوة وصدقًا فى تشريح فكرة (الوصول). 

فى اتجاه مكمل، لكن بنبرة أكثر هدوءًا، يأتى فيلم (Materialists) للمخرجة «سيلين سونج»، الذى تناول العلاقات العاطفية فى عالم تحكمه الحسابات، حيث يتداخل الحب مع الطموح، والمال، والمكانة الاجتماعية. وقد اعتبر النقاد الفيلم أن أهميته تكمن فى كونه واحدًا من أكثر الأفلام المعاصرة قدرة على التقاط روح العلاقات الحديثة، دون أحكام جاهزة، أو وعظ أخلاقى.

القضايا الاجتماعية المعاصرة

تطرقت أفلام 2025 لعدد من القضايا، ومن بينها فيلم (Lurker)، الذى يفكك العلاقة المعقدة بين الشخص المشهور، ومعجبيه فى عصر السوشيال ميديا. 

فيسلط الضوء على القضية من البدء من مساحة الإعجاب، للوصول تدريجيًا نحو التوتر والخطر، كاشفًا هشاشة الحدود بين المتابعة والتطفل. 

أما فيلم (Sorry, Baby)، فرغم أنه عمل صغير فى حجمه، إلا أنه كبير فى أثره.. حيث تناول تجربة صادمة، لكن بلهجة هادئة وإنسانية، ترفض الاستغلال أو المبالغة، حيث اعتمدت المخرجة «إيفا فيكتور» على تفاصيل يومية ولحظات تبدو عابرة، لكنها تحمل ثقلًا عاطفيًا هائلًا. لهذا، اعتُبر النقاد الفيلم إعلانًا عن صوت سينمائى جديد قادر على تناول موضوعات حساسة بإنسانية صافية.

كما يضاف إلى تلك الفئة، فيلم (Souleymane’s Story) من إخراج «بوريس لوجكين»، الذى يدور حول مشقة الهجرة، من خلال حياة شاب من «غينيا» يعمل فى توصيل الطعام بباريس؛ موضحًا قسوة الحياة اليومية، والضغط الاقتصادى، مع أداء مذهل من بطل الفيلم «أبُو سانجارى».

هذا بالإضافة إلى (No Other Choice) المقتبس عن رواية «دونالد إيه. ويستليك» الصادرة عام 1997، ومن إخراج «بارك تشان- ووك»، الذى يحكى قصة مدير فى شركة أوراق فى «سول»، يؤدى دوره «لى بيونج- هون»، يجد نفسه فجأة بلا عمل، ليبدأ حياة متدهورة وسط ضغوط الحياة البرجوازية الحديثة.

وبالنسبة لفيلم (Eddington) للمخرج «آرى أستر» فيعد واحدًا من أكثر أفلام العام إثارة للانقسام والجدل.  فالفيلم، الذى تدور أحداثه خلال ذروة جائحة (كوفيد- 19) فى مايو 2020، لا يتعامل مع الوباء بوصفه أزمة صحية فقط، بل كحالة ذهنية جماعية كشفت هشاشة المجتمعات الحديثة، فلا يسخر الفيلم من شخصياته بقدر ما يكشف عجزها؛ فالجميع يحمل هاتفًا فى يده طوال الوقت، يوجه الكاميرا نحو الآخر كما لو كانت مسدسًا فى مواجهة من أفلام الغرب الأمريكى.. وصف النقاد الفيلم بأنه تشريح مرعب وذكى لما سُمّى لاحقًا بـ(عقلية الجائحة).

 الرعب كظاهرة اجتماعية

ظاهرة مثيرة للإعجاب تناولتها بعض أفلام الرعب لهذا العام، حيث لم تدُر حول الأشباح المخيفة، أو الأرواح الشريرة، بل تحويل بعض الظواهر الاجتماعية لحالة من الرعب، ومن بينها فيلم (Sinners) حيث يعود «رايان كوجلر» إلى التاريخ الأمريكى من بوابة غير متوقعة، يمزج فيه بين الرعب، والموسيقى، والأسطورة.تدور الأحداث فى الجنوب الأمريكى خلال ثلاثينيات القرن الماضى، حيث يتحول البلوز من مجرد موسيقى إلى لغة نجاة ومقاومة روحية فى مواجهة القمع والعنصرية.. الرعب فى الفيلم لا يتمثل فى وحوش تقليدية، بل فى تاريخ حى يطارد الشخصيات ويذكرها بأن الماضى لم ينته.

أما فيلم (Weapons)، فاستخدم «زاك كريجر» الرعب الجماعى كأداة لتشريح المجتمع الأمريكى، عبر اختفاء 17 طفلًا فى منتصف الليل فى بلدة صغيرة، ما يتحول من لغز بوليسى إلى كابوس أخلاقى، يكشف هشاشة العلاقات، وفشل البالغين، وتفكك الثقة.

أما (Bring Her Back)، فيبتعد عن الصدمات المفاجئة، ويقدم رعبًا نفسيًا وعاطفيًا يعتمد على الإيقاع البطيء، وبناء الحالة النفسية للشخصيات، إذ تدور الأحداث حول شخصية تفقد أحد أحبائها، ويتعامل الفيلم مع مشاعر الفقد، القلق، وعدم الأمان بطريقة تجعل المشاهد يشعر بالرعب النفسى الداخلى أكثر من الرعب الخارجى.

 الجريمة.. عندما تفيد

فى تلك الفئة، يتألق فيلم (Wake Up Dead Man) كجزء جديد من عالم فيلم

‏ (Knives Out) الذى عرض عام 2019، لكنه أكثر قتامة وسخرية من الأجزاء السابقة.. حيث استخدم المخرج «رايان جونسون» لغز الجريمة ليس فقط كلعبة ذكية، بل كأداة لكشف التناقضات الأخلاقية فى مجتمع يختلط فيه الدين بالسياسة، والسلطة بالنفاق؛ محافظًا على توازن واضح بين المتعة والذكاء.

أما فيلم (The Mastermind)، من إخراج «كيلى رايشاردت»، فتدور قصته حول رجل مغرور يحاول سرقة متحف لكنه يدمر نفسه بنفسه.. ووصف النقاد الفيلم بأنه حاد وساخر، يعكس ضعف الذات الإنسانية، ويقدم دراسة ذكية فى غرور الإنسان والفساد الذاتى. 

 التجربة المستقلة

شهد هذا العام- أيضًا- بروز أعمال مستقلة وتجريبية متألقة بنفسها، مثل فيلم (Nouvelle Vague)، من إخراج «ريتشارد لينكلايتر»، الذى يروى قصة صناعة فيلم (Breathless) لأسطورة السينما الفرنسية «جان- لوك جودار»، احتفاء بالسينما كفن وبهجة.

أما فيلم (Sirat)، من إخراج «أوليفر لاكس»، فهو رحلة سينمائية تجريبية روحية وفلسفية، تجمع بين التراجيديا والموسيقى الإلكترونية. 

وبالنسبة لفيلم (Train dreams)، المقتبس من رواية «دِينيس جونسون»، ومن إخراج «كلينت بنتلى»، فيروى حياة عامل يومى فى «أمريكا الشمالية» بأوائل القرن العشرين، ويبرز الفيلم الوحدة والتاريخ الشخصى ضمن سياق واقعى دقيق، ما يخلق شعورًا عميقًا بالزمن والتغيرات الإنسانية.