الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من سيدنى إلى ألمانيا والولايات المتحدة

الإرهاب يغزو أسواق أعياد الميلاد الأوروبية

فى الوقت الذى تستعد فيه مدن العالم لاستقبال أعياد الميلاد ورأس السنة بالأضواء والاحتفالات والأسواق المفتوحة، تعود المخاوف الأمنية لتفرض نفسها بقوة.. فمواسم الفرح التى يفترض أن تكون رمزًا للسلام والتلاقى الإنسانى، تحولت فى نظر الجماعات المتطرفة إلى أهداف مثالية لنشر الرعب وتحقيق صدى إعلامى واسع. 



مع تتابع الحوادث والإحباطات الأمنية فى سيدنى وألمانيا والولايات المتحدة وبولندا، يتجدد السؤال: لماذا أصبحت الأعياد هدفًا متكررًا للإرهاب؟

حوادث متفرقة.. والتهديد واحد

خلال الأسابيع الأخيرة، شهد العالم سلسلة من الوقائع التى عكست حجم التهديدات المرتبطة بموسم الأعياد، ففى سيدنى وقع حادث أمنى خطير بالتزامن مع فعاليات احتفالية، ما أعاد إلى الواجهة القلق من استهداف التجمعات العامة فى أوقات الذروة، ورغم اختلاف طبيعة الحادث، إلا أن توقيته ومكانه حملا دلالات واضحة على هشاشة الشعور بالأمان حتى فى أكثر المدن استقرارًا.

وفى ألمانيا، أعلنت السلطات إحباط مخططات إرهابية كانت تستهدف احتفالات رأس السنة وأسواق عيد الميلاد، وهى أماكن سبق أن تعرضت لهجمات دامية فى سنوات سابقة. 

وعلّق بيتر نيومان، أستاذ دراسات الأمن فى كلية كينجز كوليدج بلندن، قائلًا: «أسواق أعياد الميلاد أصبحت رمزًا مزدوجًا؛ فهى تمثل الفرح المجتمعى، لكنها فى الوقت نفسه أهداف سهلة نسبيًا لمن يسعون إلى إحداث صدمة نفسية واسعة بأدوات بسيطة».

أما فى الولايات المتحدة، فقد أعلنت السلطات فى لوس أنجلوس اعتقال أربعة أشخاص يُشتبه فى انتمائهم إلى جماعة متطرفة، كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات منسقة فى ولاية كاليفورنيا خلال ليلة رأس السنة. 

ويرى بروس هوفمان، الخبير الأمريكى فى شئون الإرهاب، أن خطورة تلك القضايا تكمن فى طبيعة التخطيط، مؤكدًا أن الهجمات المتزامنة أو المخططات المنسقة تهدف إلى إنهاك الأجهزة الأمنية، وبث شعور بأن الدولة فقدت السيطرة، حتى لو تم إحباطها فى اللحظات الأخيرة.

وفى بولندا، أحبطت الأجهزة الأمنية هجومًا كان يستهدف سوقًا لعيد الميلاد، مع اعتقال طالب جامعى يُشتبه فى تورطه بالتخطيط للعملية. 

وعلّق ماركوس كيرستن، الباحث فى شئون التطرف العنيف بأحد مراكز الأبحاث الأوروبية، قائلًا: «الأمر المقلق ليس فقط طبيعة الهدف، بل عمر المشتبه به وخلفيته التعليمية، ما يشير إلى أن التطرف لم يعد محصورًا فى بيئات مهمشة تقليديًا».

 لماذا الأعياد ؟

يرى خبراء أمنيون أن استهداف الأعياد ليس عشوائيًا، بل قائم على حسابات دقيقة. فالتجمعات الكبيرة فى أماكن مفتوحة، والرمزية الدينية والاجتماعية للمناسبة، والتغطية الإعلامية الواسعة، كلها عوامل تجعل من الأعياد فرصة مغرية للتنظيمات المتطرفة أو الأفراد المتأثرين بخطاب الكراهية.

وتقول جيسيكا ستيرن، الباحثة الأمريكية المتخصصة فى دراسة الجماعات المتطرفة: «الإرهاب فى مواسم الأعياد لا يستهدف الضحايا فقط، بل يستهدف فكرة الفرح ذاتها، ومحاولة تحويل الطقوس الجماعية إلى مصدر دائم للخوف».

وبحسب تحليلات مراكز أبحاث دولية، فإن طبيعة التهديد الإرهابى فى الغرب تشهد تحولًا واضحًا، فبدلًا من العمليات الضخمة التى تنفذها تنظيمات مركزية، أصبح الاعتماد أكبر على الذئاب المنفردة أو الخلايا الصغيرة، التى تتلقى أفكارها وتحريضها عبر الإنترنت.

ويحذر ريتشارد باريت، المنسق السابق لفريق مراقبة تنظيم «داعش» فى الأمم المتحدة، من هذا التحول قائلًا: «أكبر تحدٍّ أمام أجهزة الأمن اليوم هو الأفراد الذين لا يتركون أثرًا تنظيميًا واضحًا، لكنهم يمتلكون الدافع والأدوات لتنفيذ هجمات مدمرة».

ورغم النجاحات الأمنية فى إحباط العديد من المخططات، إلا أن هذه الوقائع تضع الحكومات أمام معادلة صعبة: كيف يمكن حماية الفعاليات العامة دون تحويل المدن إلى ثكنات عسكرية؟ ففى كثير من الدول، أصبح انتشار الشرطة المسلحة والحواجز الأمنية جزءًا من مشهد الأعياد.

ويؤكد توماس هيجهامر، أستاذ دراسات الإرهاب فى جامعة أوسلو، أن الحل الأمنى وحده غير كافٍ، موضحًا: «الإجراءات الأمنية ضرورية، لكنها لا تمنع التطرف من جذوره. المواجهة الحقيقية تبدأ من تفكيك خطاب الكراهية ومعالجة أسباب الاستقطاب المجتمعى».

 تأمين الفاعليات

وفى مواجهة تنامى التهديدات الإرهابية، كثّف العديد من الدول إجراءات تأمين الفعاليات المرتبطة بأعياد الميلاد ورأس السنة، خاصة تلك المقامة فى الساحات العامة والأسواق المفتوحة. وتشمل تلك الإجراءات نشر قوات إضافية من الشرطة، واستخدام حواجز خرسانية لمنع هجمات الدهس، وتوسيع نطاق المراقبة بالكاميرات والطائرات المُسيّرة، إلى جانب الاعتماد على تقنيات تحليل البيانات لرصد أى سلوكيات مريبة قبل وقوعها.

ويشير خبراء أمنيون إلى أن تلك التدابير تعكس تحولًا فى فلسفة التأمين من ردّ الفعل إلى الوقاية الاستباقية. 

ويقول بروس هوفمان، الخبير الأمريكى فى شئون الإرهاب: «تأمين الفعاليات الكبرى لم يعد يعتمد فقط على الوجود الأمنى المكثف، بل على العمل الاستخباراتى المسبق، وتبادل المعلومات بين الدول، والقدرة على التدخل السريع قبل أن يتحول التهديد إلى هجوم فعلى».

ورغم تلك الجهود، تواجه الحكومات تحديًا مستمرًا فى تحقيق التوازن بين حماية المواطنين والحفاظ على الطابع المفتوح للاحتفالات. 

وتوضح جيسيكا ستيرن، الباحثة فى شئون التطرف العنيف، أن: «الإفراط فى الإجراءات الأمنية قد يمنح شعورًا بالحماية، لكنه فى الوقت نفسه قد يعمّق الإحساس بالخوف، وهو ما تسعى الجماعات الإرهابية إلى تحقيقه أساسًا».

وتبقى المعادلة الصعبة – الأمن مقابل الحرية – أحد أبرز التحديات التى تواجه الدول فى زمن تتغير فيه طبيعة الإرهاب، وتزداد فيه الحاجة إلى استراتيجيات مرنة تضمن سلامة الفعاليات دون خنق الحياة العامة.

وما بين سيدنى وبرلين ولوس أنجلوس وبولندا، تتكرر الرسالة ذاتها: الإرهاب لا يزال حاضرًا، ويتعمد اختيار أكثر اللحظات إنسانية ليضربها، ومع ذلك، تصر المجتمعات على الاحتفال، فى رسالة مقاومة للخوف.

لكن هذا الإصرار، كما يرى الخبراء، لا بد أن يواكبه وعى جماعى، وتعاون أمنى دولى، واستثمار حقيقى فى الوقاية الفكرية والاجتماعية، حتى لا تبقى أعياد الميلاد ورأس السنة مواسم فرح تحت الحراسة، بل مناسبات آمنة تعكس معناها الأصلى: السلام والبدايات الجديدة.