الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

نكشف خطة إسرائيل لاختراق الوعى العربى عبر التكنولوجيا

التطبيع الناعم

لم تعد إسرائيل تراهن فقط على الدبابة والطائرة لتثبيت وجودها فى المنطقة، بل باتت تخوض معركة أكثر هدوءًا ودهاءً داخل العقول والضمائر، فبدعم أمريكى مباشر، تتحرك تل أبيب فى مسار موازٍ للصراع السياسى والعسكرى، مسار يُعرف بـ«التطبيع الناعم».



 حيث تُعاد صياغة صورة الاحتلال لا كقوة قمعية، بل كـ«شريك إنسانى» يحمل حلولًا تكنولوجية رحيمة لمشكلات مزمنة فى المجتمعات العربية.

من بوابة ذوى الهمم، مرورًا برواد الأعمال والمجتمع المدنى، وصولًا إلى الأكاديميين والنخب الفكرية، تسعى هذه الاستراتيجية إلى تجاوز الذاكرة الجمعية المثقلة بالحروب والاحتلال، وتفكيك الحواجز النفسية التى ظلت لعقود خط الدفاع الأخير أمام قبول إسرائيل كجزء طبيعى من النسيج الإقليمى. وفى هذا السياق، لم يكن المؤتمر الذى استضافه مقر الرئيس الإسرائيلى مجرد فعالية اقتصادية عابرة، بل حلقة جديدة فى مشروع متكامل لإعادة هندسة الوعى العربى من الأسفل إلى الأعلى.

تسعى إسرائيل وبدعم مباشر من الولايات المتحدة إلى تنفيذ مخططات التطبيع الناعم لإعادة تشكيل صورتها فى الوعى الجمعى العربى ليس كقوة عسكرية منبوذة أو ككيان محتل بل كمصدر للتكنولوجيا الرحيمة التى تقدم حلولًا مبتكرة لاحتياجات الناس وهذه الخطط تتعمد التوجه مباشرة إلى الشعوب العربية مستهدفة ذوى الهمم والنخب الفكرية والمجتمعات المدنية ورواد الأعمال والأكاديميين فى محاولة لتجاوز الحواجز النفسية والتاريخية والحروب والاحتلال الذى يقف حصنًا منيعًا أمام قبول إسرائيل كجزء من النسيج الإقليمى.

 مؤتمر مشبوه 

استضاف مقر الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوغ الأسبوع الماضى فعالية وصفت بأنها أول مؤتمر لريادة الأعمال فى الشرق الأوسط ونشرت صحيفة زمان إسرائيل أن المؤتمر شارك فيه نحو 200 شخصية من رواد الأعمال والمستثمرين والخبراء من إسرائيل ودول عربية فى محاولة لبناء شبكات تواصل وتعاون عابرة للحدود بعيدًا عن الاعتبارات السياسية التقليدية.

ادعت وسائل إعلام إسرائيلية بأن المؤتمر الذى عقد مؤخرًا فى مقر الرئيس الإسرائيلى والذى حضره بنفسه شهد حضورًا عربيًا لافتًا من مختلف دول المنطقة فى مؤشر كاذب على تنامى الاهتمام الشعبى بالتعاون الاقتصادى والتكنولوجى مع إسرائيل بعيدًا عن الاعتبارات السياسية التقليدية ومن بين المشاركين البارزين العرب برز اسم رجل أعمال فلسطينى من رهط يدعى عمر الكريناوى مؤسس شبكة تدريب القطاع العربى الذى تحدث عن التحولات الجارية فى المزاج العام لدى رواد الأعمال العرب وقال إن رواد الأعمال الذين يتحدث معهم اليوم يعربون عن اهتمامهم بالتعاون مع إسرائيل وتجاوز الحساسيات السياسية وبرهن على ذلك بأن الحظر التجارى بين إسرائيل وتركيا الذى جرى بعد العدوان الغاشم على غزة هو فى جوهره إجراء سياسى أكثر منه اقتصاديًا فعليًا وأضاف أنه لم يتوقف التبادل التجارى بين البلدين يومًا واحدًا وما ينشر فى الإعلام لا يعكس الواقع على الأرض فالمصانع الإسرائيلية لا تزال تعمل فى تركيا والسفن التى تنقل البضائع تتوقف فى اليونان أو قبرص قبل أن تتابع طريقها إلى إسرائيل حتى الملابس الحرارية التى يرتديها الجنود الإسرائيليون تصنع فى تركيا وتشحن إلى إسرائيل. 

وأكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هدف المؤتمر هو تصدير مشاريع ريادية ناجحة إلى دول الجوار مع التركيز على المبادرات ذات الطابع الاجتماعى والتنموى مثل التكنولوجيا المساعدة والتعليم الرقمى والطاقة المتجددة والعمل على إنشاء منصة تبادل إقليمى مقرها إسرائيل تهدف إلى ربط رواد الأعمال والمبتكرين من مختلف دول الشرق الأوسط وتسهيل التعاون فى مشاريع ذات أثر اجتماعى ملموس والرؤية الأوسع لهذا التوجه تتمثل فى تحويل إسرائيل إلى مركز إقليمى للابتكار وريادة الأعمال أو ما يعرف بوادى سيليكون شرق أوسطى بحيث تصبح نقطة جذب للمواهب والاستثمارات والمشاريع التكنولوجية فى المنطقة لا يمكن الاستغناء عنها حتى من طرف جيرانها العرب أو أعدائها المحتملين.

 استهداف ذوى الهمم

فى إطار الاستراتيجية الإسرائيلية لتوسيع نطاق التطبيع الناعم بشكل قسرى مع المجتمعات العربية اختارت إسرائيل التركيز على قطاع التكنولوجيا الموجهة لذوى الهمم باعتباره من أكثر المجالات إلحاحًا واحتياجًا فى المنطقة هذا التوجه لا يقتصر على البعد الإنسانى أو التقنى فحسب بل يوظف كأداة لاختراق المجتمعات من بوابة التعاطف والتعاون بعيدًا عن الحساسيات السياسية المباشرة وتسعى إسرائيل من خلال هذا المسار إلى تقديم نفسها كمصدر لحلول تكنولوجية مبتكرة تعالج تحديات حقيقية يواجهها ملايين الأشخاص من ذوى الإعاقة فى العالم العربى مستغلة بذلك الفجوة الكبيرة فى الخدمات والتقنيات المخصصة لهذه الفئة وينظر إلى هذه المبادرات كجزء من مشروع أوسع لتحويل إسرائيل إلى مركز إقليمى للابتكار الاجتماعى وتعزيز اتفاقيات إبراهيم من القاعدة الشعبية ومن بين الشركات الإسرائيلية التى اختيرت فى المؤتمر للعب دور محورى فى هذا المخطط شركة 6degrees التى طورت تكنولوجيا تعتمد على نظارات الواقع الافتراضى لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من بتر أو ضعف فى الأطراف العلوية على التحكم فى الأجهزة الذكية والتفاعل مع العالم الرقمى دون الحاجة إلى استخدام اليدين التقنية وتتيح للمستخدمين أداء مهام يومية مثل تصفح الهاتف أو العمل على الحاسوب من خلال حركات الرأس أو إشارات بسيطةركزت إسرائيل بشكل خاص على تطوير ونشر التكنولوجيا الموجهة لذوى الهمم مستفيدة من تجارب سابقة نفذتها فى عدد من الدول العربية حيث وجدت فى هذا المجال مدخلًا إنسانيًا فعّالًا.

 مشاريع صامتة

أطلقت إسرائيل مشروعًا مشتركًا مع وزارة الخارجية الأمريكية عبر سفارتها فى تل أبيب بالتعاون مع معهد ميتفيم الإسرائيلى للسياسات الخارجية الإقليمية يهدف إلى اختراق المجتمع المدنى عبر بناء شبكة إقليمية جديدة من المفكرين والمثقفين وخبراء السياسات فى العالم العربى تقوم على التعاون فى مجالات الفكر الاستراتيجى وصياغة السياسات وتنظيم الموائد المستديرة والندوات التدريبية والغاية المعلنة من المشروع هى تفكيك الحواجز النفسية والسياسية التى طالما فصلت بين إسرائيل والجهات الفاعلة فى العالمين العربى والإسلامى من خلال تأسيس جيل جديد من مراكز الفكر والخبراء الذين يتعاملون مع إسرائيل كشريك إقليمى طبيعى وقد اتخذ المشروع خطوات عملية فعلية تمثلت فى إطلاق برامج تبادل معرفى والإعلان عن بدء تأسيس شبكة من معاهد البحوث ومراكز الفكر فى المنطقة بهدف دعم عمليات السلام . 

ولكن المشروع واجه اختبارًا حقيقيًا فى 7 أكتوبر 2023 حين شنت حركة حماس عملية طوفان الأقصى التى أعقبها عدوان إسرائيلى واسع النطاق على قطاع غزة هز المنطقة وأعاد تأجيج التوترات ورغم ذلك لم يتوقف المشروع بل اتخذ منعطفًا تكتيكيًا جديدًا تمثل فى التحول من العمل مع المؤسسات الرسمية إلى بناء علاقات مباشرة مع الأفراد خاصة الأكاديميين والمثقفين العرب الذين يتمتعون بهامش أكبر من الحرية فى التواصل مقارنة بالمؤسسات المقيدة بالسياسات الرسمية.