طارق مرسي
13 عامــا على غياب غواص بحر الإبداع
عمار الشريعى عميد الأدب الغنائى
فى أكتوبر 1973 غيَّب القدر ابن مغاغة بمحافظة المنيا «عميد الأدب العربى» طه حسين ، وبعد عدة أشهر عوضنا القدر بأنفجار موهبة «عميد الأدب الغنائى» عمار الشريعى ابن سمالوط التابعة لنفس المحافظة..
ويشاء القدر أن يكون تتر مسلسل «الأيام» عن قصة حياة عميد الأدب العربى هى نقطة الانطلاقة لانفجار موهبة عمار الأصيلة والعظيمة فى عالم الموسيقى والغناء وتربعه على عرش التيترات الدرامية والألحان العاطفية والموسيقى التصويرية فى السينما منذ ذلك الحين وحتى قبل وفاته وكعميد للأدب الغنائى فى الموسيقى المصرية والعربية رغم تخرجه من كلية الآداب ودراسته للأدب الإنجليزى.
أقوى من الزمان
بعد نجاحه المدوى فى مسلسل «الأيام» تبنت المطربة الراحلة شادية موهبته ليقدم لها تيتر مسلسل «الشك ياحبيبى» فى الإذاعة ثم يضع الموسيقى التصويرية لنفس المسلسل فى السينما لتعلن عن انطلاقته فى الفن السابع واضعا بصمته بين عباقرة الموسيقى التصويرية لأهم وأبرز ما أنتجته السينما المصرية بدايةً من فيلم «كتيبة الإعدام» والذى ختمه بأغنية «حبيبتى من ضافيرها طل القمر» لتكون مع رائعة «أقوى من الزمان» لشادية من أقوى الأعمال الوطنية فى هذه الفترة بجانب موسيقاه فى أفلام «حب فى الزنزانة» و«البرىء» وهنا يمكن القول بأن عمار الشريعى أكبر المحافظين على الأغنية والموسيقى الشرقية فى الدراما والسينما بعد هجمة الأغانى الغربية وسيادة الأغنيات القصيرة لمطربى جيل الثمانينيات والتسعينيات والتى واجهها أيضًا بتكوين فرقة الأصدقاء بقيادة منى عبدالغنى وحنان وعلاء عبدالخالق لتقديم مجموعة أغنيات هادفة تجمع بين الأصالة والمعاصرة كتبت الميلاد الغنائى للثلاثى «منى وحنان وعلاء».
حيوا طه حسين والماء والهوا
فى أوائل الثمانينيات عاد عمار الشريعى ليكرم على طريقته الدكتور طه حسين فى أغنية «الجامعة» التى غنتها ياسمين الخيام فى مقطع من تأليف صلاح چاهين «حيوا طه حسين والماء والهوا.. حيوا ثورة يوليو حيوا الانتما» وهى من الألحان المُلهمة فى كتالوج «عمار» الإبداعى قسم المناسبات القومية، منها أعماله الوطنية الخالدة على مدار 14 عاما فى احتفالات نصر أكتوبر المجيد والليالى المحمدية السنوية .
• مدرسة عمار للموسيقى «مستوى رفيع»
عمار الشريعى ليس ملحنا عاديا بل هو مفكر موسيقى فذ وآخر فروع شجرة المبدعين فى مصر والذى أحيا عشاقه ومحبوه ذكرى رحيله الـ13 فى 7 ديسمبر الماضى وتجلت عبقرية «عمار» فى تنوع وأصالة كتالوجه الموسيقى ما بين الغناء الشعبى والعاطفى والوطنى والموسيقى التصويرية والذى جمع فيها بين عظمة عبد الوهاب وعبقرية بليغ وأصالة الموجى والطويل كل هذه الأسماء شكلت معالم مدرسته الغنائية التى ليس لها مثيل والفريدة من نوعها بعد هضم واستيعاب هؤلاء القمم لتكوين عالمه الموسيقى الساحر والملهم.
بوابة الحلوانى «الوفاء العظيم»
عمار ليس هو تعويض القدر عن غياب طه حسين ابن المنيا تلك المحافظة الصعيدية المحببة لكل المصريين بل أيضا يمثل امتدادا لعبقرية بليغ حمدى ومكملا لمسيرته وهنا سجل التاريخ لقطة خالدة لا ينساها الوسط الدرامى والفنى عندما رحل بليغ قبل أن يسجل ألحان المسلسل الشهير «بوابة الحلوانى» واستكملها عمار الشريعى رافضا أن يكتب اسمه عليها تخليدا لأستاذه بليغ حمدى،وكأن التاريخ يعيد نفسه مع العظماء، فعندما رحل الموسيقار فريد الأطرش قبل إتمام لحن أغنية كلمة عتاب للمطربة وردة استكمله بليغ واضعا موسيقى مقدمة الأغنية توليفة من أشهر موسيقات فريد الأطرش ورفض كتابة اسمه عليها تقديرًا لمدرسة الأطرش فى أغنية تاريخية تكتب معانى الوفاء العظيم لأكابر الموسيقى والغناء.
رائعة رأفت الهجان
عمار بعد رائعة مسلسل «الأيام» وإبداعاته الفذة فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة» بطولة عادل إمام ومسلسل «رأفت الهجان» وعظمة بصماته فى مسلسل «بوابة الحلوانى» توج نفسه ملكا للتيترات الدرامية على مستوى الموسيقى والغناء. راجعوا موسيقى مسلسلات «أبنائى الأعزاء شكرًا والشهد والدموع وأرابيسك وزيزينيا وحديث الصباح والمساء» ومعهم مسلسل «لا يا ابنتى العزيزة» بطولة عبد المنعم مدبولى وهدى سلطان التى قدم فيها واحدة من أجمل أغنيات الأطفال فى التاريخ الحديث بدويتو «توت توت» بصوت مدبولى وهدى سلطان، فضلا عن موسيقى تيتر مسلسل أم كلثوم بطولة صابرين والذى أجمع خبراء الموسيقى بأنه من الفلتات الموسيقية التى جمعت أشهر أغنيات كوكب الشرق فى مقدمة موسيقية، ثم عاد وكرر بنفس البراعة موسيقى فيلم «حليم» بطولة أحمد زكى، ومن فلتات خالد الذكر عمار الشريعى إقناعه لكبار نجوم السينما عمر الشريف ومحمود ياسين، وشريهان، أحمد زكى،وأيضا فؤاد المهندس بعد تجربته المبهرة مع نجم الكوميديا عبدالمنعم مدبولى فى مسلسلى «أبنائى الأعزاء شكرًا» ومسلسل « لا يا ابنتى العزيزة» وهما من روائع العصر الذهبى للدراما.
•غواص فى بحر الإبداع
لم يكتف عمار بإبداعاته التى تستحق التأمل والدراسة بل قدم بعد منتصف الثمانينيات وتحديدا عام 1988 برنامجا إذاعيا فريدا من نوعه ويعد من كنوز البرامج الموسيقية الغنائية بعنوان «غواص فى بحر النغم» ويبحر خلاله بين أشهر الأعمال الموسيقية والغنائية مستعرضا جماليات الأعمال من حيث اللحن والكلمة والأداء وعظمة صناعها مفسرا مقاماتها الموسيقية وإيقاعاتها المختلفة وقيمة كل منها فى تاريخ الغناء،والبرنامج كان عبارة عن دورس مجانية فى جماليات الأعمال ولم يسبقه أحد فيها من حيث الشرح والتفسير.
بلد الحبايب
عمار الشريعى «أبو مراد» ملك الأغنيات القصيرة فاجأ الجميع بتقديم آخر روائع الأغنيات الطويلة للمطربة وردة بعنوان «قبل النهارده» وهى أغنية تُدرس على مستوى الكلمة والفكر الموسيقى والأداء، ومعها قدم فى حفل واحد رائعة وطنية بعنوان «بلد الحبايب» - والعملين تأليف المبدع عبدالرحمن الأبنودى - و«بلد الحبايب» أجمل امتداد لكتالوجه الوطنى الذى بدأ بأغنية «أقوى من الزمان» لمصطفى الضمرانى (لكن يا مصـر أنتى.. يا حبيبتى زى ما أنتى جميلة زى ما أنتى.. وأصيلة زى ما أنتى وأن خدعتنى الأمانى.. أو ضاع حبى فى ثواني.. أرجعلك أنت تانى.. تانى يا صحبة المكان .. يا أقوى من الزمان»، وأغنية «حبيبتى من ضافيرها طل القمر» لسيد حجاب وتقول:
يا حلوة يا بلدنا يا نيل سلسبيل.. بحبك انتِ رفعنا راسنا لفوق.. لو الزمن ليّل ما يرهبنا ليل.. الحلوة قلب كبير يضم الولادوزاد وزوادة وضِلة وسبيل..الموت والاستشهاد عشانها ميلاد.. وكلنا عشّاق ترابها النبيل».. رحم الله الموسيقار المعجزة عمار الشريعى أحد أهم أولياء مصر المبدعين .







