الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
التعليم على الطريقة اليابانية هل يصبح البديل الآمن؟!

التعليم على الطريقة اليابانية هل يصبح البديل الآمن؟!

لم يعد تطوير التعليم فى مصر مجرد خطوة إصلاحية أو إجراء سابق التجهيز، بل أصبح توجهاً وطنياً شاملاً يطرح نفسه بقوة فى لحظة تشهد كثيراً من الجدل حول مستقبل المدرسة ودورها فى تشكيل شخصية الأطفال. فبينما تتصاعد شكاوى الأسر من تجاوزات مقلقة داخل بعض المدارس الدولية، تجاوزات وصلت إلى حد الإهمال والتنمر والعنف النفسى والجسدى وغياب الرقابة، تبرز تجربة المدارس اليابانية كمسار مختلف تماماً، يعتمد على فلسفة تربوية منضبطة تحترم الطفل وتتعامل مع التعليم بوصفه مشروعاً لصناعة إنسان قوى ومسئول قبل أن يكون مجرد منهج أو شهادة.



الاهتمام الذى تبديه الدولة بنموذج التعليم اليابانى لم يأتِ مصادفة، بل انعكس بوضوح فى اللقاء الذى جمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدد من الخبراء اليابانيين لبحث آليات التوسع وتطوير التجربة داخل مصر. كان اللقاء بمثابة رسالة واضحة تؤكد أن الدولة تتعامل مع هذا النموذج باعتباره مشروعاً استراتيجياً يستند إلى العلم والخبرة والانضباط، وليس تجربة تجميلية أو بروتوكولاً عابراً. 

وقد شهدت هذه المناقشات تركيزاً على تقييم التجربة فى سنواتها الأولى، وإعادة صياغة بعض التفاصيل، وتعزيز التدريب، وهى خطوات تعكس جدية الدولة فى جعل التعليم اليابانى جزءاً أصيلاً من رؤية مصر الحديثة.

وتكمن قوة النموذج اليابانى فى فلسفته التى تنظر إلى الطفل باعتباره محور العملية التعليمية، حيث يتم بناء شخصيته من خلال أنشطة تحفّز التعاون واحترام الوقت وتنمية السلوك وممارسة المسؤولية والاعتماد على الذات، فالطفل فى المدرسة اليابانية يبدأ يومه بأنشطة جماعية تزرع داخله قيمة العمل، ويتعلم كيف يحترم الآخر، ويعيش فى بيئة خالية من التمييز والضوضاء والفوضى، وهذه الروح التربوية هى ما يبحث عنه كثير من أولياء الأمور اليوم، بعدما شاهدوا وجهًا آخر داخل بعض المدارس الدولية التى تحولت فى بعض الحالات إلى مؤسسات تجارية تسعى للربح قبل التعليم، وتفتقد إلى الرقابة والإدارة السليمة، ما سمح بظهور ممارسات تنمر وعنف وإهمال أثارت الرأى العام فى الأسابيع الأخيرة.

وفى خضم هذه الفوضى، تبدو المدرسة اليابانية خياراً تربوياً ناضجاً، لأنها توفر تعليماً منظماً ومنضبطاً ومبنيًا على قيم ويقدم جودة حقيقية دون التكلفة الفلكية التى أثقلت كاهل الأسر..لكن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو: هل يمكن للمدارس اليابانية أن تكون بديلاً فعلياً أمام كثير من الأسر الغاضبة من أداء المدارس الدولية؟ ربما لا يمكن اختزال الإجابة فى كلمة واحدة، إلا أن التجربة تثبت أن هذا النموذج قادر بالفعل على أن يقدم مساراً قوياً ومعاصراً وآمناً. فالفلسفة التربوية الواضحة، والانضباط الإداري، والاهتمام ببناء الشخصية، وإعادة الاعتبار للقيم، كلها مقومات تجعل المدرسة اليابانية خياراً قابلاً للمقارنة، وربما المنافسة، مع كثير من المسارات الدولية التى فقدت التوازن بين الربح والهدف التربوي. ومع استمرار التوسع والتدريب ومواءمة “التوكاتسو” مع البيئة المصرية، يمكن لهذا النموذج أن يتحول إلى أحد أهم أعمدة التطوير فى المرحلة المقبلة.

ويبقى الأساس فى أى منظومة تعليم ناجحة هو أن تكون المدرسة مؤسسة لبناء الإنسان، لا مشروعاً تجارياً..فحين تتسرب الفوضى والإهمال إلى بعض المؤسسات، يصبح الخطر أكبر من مجرد حادث، لأنه يهدد القيم وينال من ثقة المجتمع، واليوم تتحرك الدولة بوعى واضح لضبط هذه المنظومة، وتطوير الرقابة، وتقديم بدائل محترمة، واليابانية واحد من أهم هذه البدائل.

إن مستقبل التعليم يبدأ من قدرة النظام على حماية أطفاله وإعدادهم لعالم سريع ومعقد، ولا يمكن تحقيق ذلك دون نموذج تربوى يضع السلوك والقيم والإنسان فى القلب، وفى وقت أصبحت فيه بعض المدارس الدولية مصدر خوف بدلاً من أن تكون مساحة أمان، تبرز المدرسة اليابانية كتجربة تستحق التوسع والتعميق، لأنها تعيد للمدرسة معناها الحقيقي، وتمنح الطفل فرصة أن ينمو فى بيئة تحترم طاقته وتدعمه نفسياً وسلوكياً ومعرفياً، فالتعليم ليس درجات وحقائب ثقيلة ومناهج معقدة، بل هو مشروع لخلق جيل يعرف قيمة العمل والوقت والاحترام… وهى الروح التى جعلت اليابان واحدة من أقوى النماذج التعليمية فى العالم، وقد تكون أحد أهم مسارات إنقاذ التعليم فى مصر اليوم.