الإثنين 15 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

نتنياهو بين مطرقة القضاء وسندان السياسة

جدل العفو الرئاسى يشعل تل أبيب من جديد

دخل المشهد السياسى الإسرائيلى مرحلة جديدة من التوتر، بعدما تقدّم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بطلب رسمى للحصول على عفو رئاسى ينهى محاكمته الممتدة فى قضايا الفساد.  الطلب، الذى وُصف بأنه «استثنائى وغير مسبوق»، فجّر نقاشًا واسعًا داخل إسرائيل، بين من يرى الخطوة محاولة لحماية «استقرار الدولة»، ومن يعتبرها التفافًا خطيرًا على القانون وشرعية القضاء. وبين الضغوط السياسية الداخلية، والتدخلات الدولية المفاجئة، يقف الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج، أمام واحدة من أعقد القرارات التى قد تواجهه منذ توليه المنصب.



تظاهرات احتجاجية 

 انطلقت تظاهرات أمام منزل الرئيس الإسرائيلى هرتسوج فى تل أبيب، احتجاجاً على احتمال منح العفو لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

 وأطلق المتظاهرون صيحات منددة، لاحتمال صدور القرار، مشددين على أنه لا يستحق البراءة، فى إشارة إلى نتنياهو.

ويواجه نتنياهو ثلاث قضايا فساد مدوية تتعلق بالرشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة. 

ومنذ بدء التحقيقات، حافظ على رواية واحدة: القضايا «مؤامرة سياسية» تستهدف إسقاطه من الحكم. ومع مرور الوقت، تحوّلت جلسات محاكمته إلى حدث سياسى بامتياز، تتداخل فيه الحسابات الانتخابية مع الصراع على قيادة الدولة.

 

 

 

 رشوة واحتيال 

وُجهت إلى نتنياهو فى 2019 تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بدأت المحاكمة فى 2020، وتضمنت 3 قضايا جنائية، وينفى نتنياهو هذه التهم ويدفع ببراءته.

يقول ممثلو الادعاء، إن نتنياهو منح مزايا تنظيمية قيمتها 1.8 مليار شيكل (نحو 500 مليون دولار)، لشركة بيزك الإسرائيلية للاتصالات.

واتُهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة، للاشتباه بأنه وزوجته تلقيا دون سند قانونى ما يقارب 700 ألف شيكل (210 آلاف دولار)، فى شكل هدايا من أرنون ميلشان، وهو مواطن إسرائيلى ومنتج فى هوليوود، ومن رجل الأعمال الأسترالى الملياردير جيمس باكر.

وقال ممثلو الادعاء، إن الهدايا شملت زجاجات شمبانيا، وأنواعًا من السيجار الفاخر، وذلك مقابل مساعدة نتنياهو لميلشان فى تحقيق مصالح تجارية، فيما لا يواجه باكر وميلشان أى اتهامات.

صفقة أرنون

 قال ممثلو الادعاء أيضًا، إن نتنياهو تفاوض على صفقة مع أرنون موزيس مالك صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، تقدم الصحيفة بموجبها تغطية إيجابية عنه فى مقابل تشريع لإضعاف صحيفة منافسة.

خطوة محسوبة أم هروب؟

الطلب الذى قدمه نتنياهو إلى الرئيس هرتسوج جاء بصياغة قانونية محكمة، لكنه حمل فى طياته رسائل سياسية واضحة ، الملفت أن نتنياهو لم يعترف بالذنب، ولم يُبدِ ندمًا، بل قدّم نفسه ضحية «استهداف سياسي» يعرقل قدرة الحكومة على إدارة ملفات أمنية حساسة.

وجاءت مبررات نتنياهو للتقدم بالعفو ، أن استمرار المحاكمة يشغل منصب رئيس الوزراء، ويفتح الباب لمزيد من الانقسام الداخلى، وأن “المصلحة الوطنية” تقتضى إنهاء القضية لصالح الاستقرار، وأخيرا أن الدولة تواجه تهديدات إقليمية وداخلية تتطلب قيادة «غير منشغلة».

لكن هذا الطرح أثار غضبًا واسعًا، خاصة أن العفو عادة ما يصدر بعد إدانة أو اعتراف رسمى، وليس قبل انتهاء المحاكمة.

نتنياهو رغم دفاع فريقه القانونى عن إنجازاته فى مجالات الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد، لا يستطيع الانفصال عن المسئولية السياسية المرتبطة بما جرى فى السابع من أكتوبر، سواء قبل الهجوم أو بعده، خصوصًا أنه كان يدير شئون الدولة بينما كانت محاكمته جارية بالتوازي.

معارضة مستنفرة

أما عن ردود الفعل حول طلب العفو الرئاسى عنه، فقد جاءت غاضبة وسريعة، إذ اعتبرت شخصيات معارضة أن نتنياهو يحاول استخدام منصبه ونفوذه للهروب من المساءلة. 

وقالت المعارضة إن «العفو غير المشروط يعنى دفن العدالة»، كما أن شخصيات قانونية أكدت أن قبول العفو قبل صدور حكم يمثّل سابقة خطيرة فى تاريخ القضاء الإسرائيلي.

بجانب ذلك، رأى نشطاء المجتمع المدنى أن الخطوة تفقد المواطنين ما تبقى من ثقة فى المؤسسات القانونية، ووصف بعض القضاة السابقين الطلب بأنه «ضربة قاسية لمبدأ الفصل بين السلطات».

تدخل ترامب 

 تضاعفت حالة الجدل فى الشارع الإسرائيلى، بعدما تبيّن أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعث برسالة للرئيس هرتسوج يحثه فيها على منح نتنياهو عفوًا، معتبرًا أنه «تعرض لمحاكمة سياسية شبيهة بما تعرض له هو شخصيًا».

هذا التدخّل أثار عاصفة من الانتقادات داخل إسرائيل حيث اعتبره البعض ضغطًا خارجيًا غير مقبول على مؤسسة الرئاسة، فيما رأى آخرون أن المشهد يُظهر إسرائيل كدولة تخضع لحسابات حلفاء سياسيين، لا لقواعدها الدستورية.

وبينما رحّب فريق نتنياهو بالرسالة باعتبارها «دعمًا عالميًا»، اعتبرتها المعارضة «تشويهًا لصورة الدولة».

فرصة قوية 

فى الأخير، يمكن القول أنه إذا حصل نتنياهو على العفو، فسيخرج من الأزمة بلا محاكمة، وبلا إدانة، وبلا اعتراف، ما يمنحه فرصة قوية لإعادة تصدّر المشهد السياسى بلا قيود، لكن الثمن سيكون ضخمًا خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمة ثقة فى القضاء،وتعميق الانقسام الاجتماعى، وشعور لدى المعارضين بأن السلطة باتت فوق القانون واحتمال تحركات احتجاجية واسعة.

أما فى حال رُفض الطلب، سيستمر المسار القضائى، وقد يؤثر ذلك على توازنات الحكومة وموقع نتنياهو نفسه، خصوصًا قبل أى استحقاق انتخابى قادم.

طلب العفو الذى تقدم به نتنياهو ليس مجرد إجراء قانونى، بل هو حدث سياسى من العيار الثقيل يعكس الصراع العميق داخل إسرائيل بين الدولة ومؤسساتها من جهة، وبين زعيم يملك نفوذًا واسعًا وقاعدة شعبية كبيرة من جهة أخرى. وبين القانون والسياسة، يقف الإسرائيليون أمام سؤال مصيري: هل تُحسم القضايا الكبرى بالمحاكم أم بالصفقات السياسية؟

القرار المنتظر للرئيس هرتسوج لن يحدد مصير نتنياهو فقط، بل سيحدد شكل العلاقة بين السلطة والقضاء، وقد يرسم مستقبل الحياة السياسية الإسرائيلية لسنوات طويلة مقبلة.