الإثنين 8 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
نداء أول إلى رئيس الوزراء

نداء أول إلى رئيس الوزراء

هذا نداء أول للسيد رئيس مجلس الوزراء بصفته.. وقد كتبت هنا على مدار شهر كامل حول أهمية أن تقود الحكومة المصرية جهودًا موحدة ومُنظمة سعيًا لاسترداد آثارنا المُستَلبة بالخارج.. قلت: إن المهمة بالغة الصعوبة وتتطلب صبرًا على مفاوضات «النَفَس الطويل» ونتائجها ليست مضمونة، لكنها أولًا وأخيرًا  مسئولية تاريخية يجب ألا تتخلف عنها أى حكومة..



 وقد كان إيجابيًا ما صرح به  وزير الخارجية فى أعقاب افتتاح المتحف المصرى الكبير عن  «التزام الدولة الراسخ بحماية تراثها وصون ممتلكاتها الحضارية واسترداد آثارها التى خرجت بطرق غير شرعية»، لكنى حذرت من فخ الحماس اللحظى الذى يتبعه فتور، وهو ما نقع فيه على المستويين الرسمى والشعبى فى قضايا كثيرة حين ننتفض بقوة سواء تحت تأثير حالة زهو عام أو صدمة تهز الرأى العام، وتدريجيًا يتراجع كل ذلك ويدخل فى دائرة النسيان أو الأداء الروتينى أو الأولويات الأقل أهمية.

وفى قضية الآثار المُستَلبة تحديدًا فإن تصريحات الوزير اليقظ د. بدر عبدالعاطى لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبق أن أكد الوزير سامح شكرى «اهتمام الدولة الكبير باستعادة آثارها المهربة إلى الخارج، وشدد على حق مصر التاريخى فى استعادة كنوزها».. والواضح أن الدولة مُدركة بالقطع أهمية القضية ومُدركة أنها مرتبطة بمفاوضات شاقة وطويلة المدى، وتعلم أن الشق القانونى هو العنصر الحاكم والأهم.

ولكن تبقى هنا ملاحظات مهمة لكى تؤتى أى جهود نتائجها المُستهدفة:

أولًا: كل قطعنا الأثرية المُستَلبة والمسروقة مهمة.. لكن دون استرداد القطع الأيقونية وفى مقدمتها رأس نفرتيتى وحجر رشيد وبرج دندرة لن تتحقق الأمانى الوطنية.

ثانيًا: لابد أن تتوحد الجهود الحكومية والشعبية فى مسارات متسقة ومنظمة، لكل منها أهدافه التى يمكن أن يحققها عمليًا وفق أدواته المتاحة سواء سياسيًا أو إعلاميًا أو قانونيًا، علمًا بأنها حرب لا نخوضها على أرضنا، وبالتالى فالمُخاطَب بها هو رأى عام وحكومات أجنبية تحتاج أدوات ضغط تؤثر فيها ولغة تَخاطُب تناسبها وتقنعها.

ثالثًا: الهدف والجهود المبذولة لابد أن تكون مُعلَنة وواضحة تفصيليًا، ويتم تسويقها للرأى العام المصرى بحيث يمكنه متابعتها خطوة بخطوة، لأن الحفاظ على إجماع شعبى (وهو موجود بالفعل) وراء ذلك الهدف، ضرورى ومهم كورقة ضغط غير مباشرة فضلًا عن كونه يخلق التفافًا عامًا وروحًا إيجابية حول هدف وطنى لا خلاف عليه، وهو ما يشبه (والتشبيه هنا مع الفارق) الروح الوطنية التى ظلت مُتقدة فى حربنا ضد الاحتلال الإنجليزى، فشبح الاستعمار القديم ماثل خلف تلك القضية، حيث إن جميع آثارنا الأيقونية استُلبَت أو أُخرجَت فى الحقبة الاستعمارية.

رابعًا- فى سياق أن تشكيل فريق قانونى رفيع المستوى قوى الخبرات فى ذلك التخصص هو النقطة الأولى والأهم، فإننى لا أعلم إذا كان ذلك قائمًا أم لا، لكن فى حدود علمى -وربما أكون مخطئًا- فهو على الأقل غير مُعلَن، وإن كنت أثق أننا نمتلك خبرات مهمة قانونيًا يمكن بامتزاجها مع الخبرات العلمية التى نملكها بالقطع أن تقودنا إلى الاتجاه الصحيح.

وهنا يمكننى الإشارة -مثلًا- إلى المستشار أشرف العشماوى القاضى والروائى المرموق الذى بذل جهدًا تاريخيًا وتوثيقيًا بالغ الأهمية استفاد فيه من فترة عمله مستشارًا قانونيًا بالمجلس الأعلى للآثار وكانت النتيجة كتابه الممتاز «سرقات مشروعة» التى صدرت طبعته الأولى 2012 وتناول فيه تفصيليًا وبالمستندات والوقائع الموثقة ملفات سرقة آثار مصرية ومحاولات استردادها والأخطاء والعوائق التى حالت دون ذلك، بدءًا من عصر محمد على ووصولًا إلى سرقة المتحف المصرى وحريق المجمع العلمى 2011.. متضمنًا ملفات «حجر رشيد» و«رأس نفرتيتى» و«جداريات اللوفر» وغيرها.

ولا أرى هنا ختامًا أفضل مما قاله المستشار العشماوى من أن «سرقة التراث ستظل دائمًا فى نظر التاريخ جريمة كبرى».. وأن الدفاع عن تلك القضية «سيظل صامدًا أمام اللصوص وتجار الآثار والمهربين وبعض الدول الأجنبية التى تتعنت فى إعادة تراث حضارى مملوك لنا ونشأ على أرضنا... ومهما طال الزمن سيعود يومًا ليُعرض فى متاحفنا». >