بعد 20 عامـا على الرؤية الأمريكية لـ تمكين الإرهابية:
الإخوان.. يوم أسود فى البيت الأبيض!
رجب المرشدى
بعد نحو قرن من العنف منذ تأسيس تنظيم الإخوان الإرهابى فى عام 1928 لم تمر عليه أيام أسود من هذا الأسبوع الذى بدأ بتصنيف الإخوان ومنظمات تابعة لها كمنظمات إرهابية فى ولاية تكساس، ثم امتد إلى تصنيفها فى الولايات المتحدة على المستوى الفيدرالى تنفيذا لما وعد الرئيس ترامب فى حملته الانتخابية 2024 لتبدأ الخطوات الفعلية فى وضع الجماعة وأنصارها على قوائم الإرهاب.
نشرت روزاليوسف فى عددها الماضى تحقيقًا بعنوان «سيد قطب يحظر الإخوان فى أمريكا» عقب قرار حاكم ولاية تكساس «جريج أبوت» باعتبار جماعة «الإخوان» و«مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية» (كير)، منظمات إرهابية أجنبية ومنظمات إجرامية عابرة للحدود الوطنية. ويسمح بموجب التصنيف «بتشديد الإجراءات» ضد المنظمتين والشركات التابعة لهما ويمنعهما من شراء أو استحواذ الأراضى فى تكساس. وأرجع حاكم تكساس سبب تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية إلى أن أهدافها تقوم على «فرض الشريعة الإسلامية بالقوة» و«ترسيخ سيادة الإسلام على العالم».
لكن الأمر تسارع ككرة اللهب التى تحرق التنظيم حتى امتد على مستوى البلاد ككل.. التحركات الأمريكية الأخيرة كانت ذروتها تصريحًا للرئيس ترامب عن دراسة إدارته تصنيف تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية أعقبه التوقيع على «أمر تنفيذى» بتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية، وإرهابيين عالميين، حسب بيان البيت الأبيض الذى تضمن فى مادته الأولى أن الغرض من القرار التنفيذى هو «إطلاق عملية يُنظر من خلالها فى تصنيف بعض فروع أو تقسيمات جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية، وفقًا لقانون الهجرة والجنسية، وتصنيفها كذلك كإرهابيين عالميين مُحدّدين بصفة خاصة».
وأشار إلى أن «جماعة الإخوان تأسست فى مصر عام 1928 تحولت إلى شبكة عابرة للحدود ذات فروع فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وخارجه وتنخرط فروعها فى لبنان والأردن ومصر فى أعمال عنف أو تسهلها وتدعم حملات لزعزعة الاستقرار، تضرّ بمناطقها نفسها.. وستقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها الإقليميين بالقضاء على قدرات وعمليات الفروع التابعة لجماعة الإخوان» التى تُصنَّف منظمات إرهابية أجنبية وحرمان تلك الفروع من الموارد.

منح الأمر التنفيذى الذى وقعه ترامب مهلة 30 يومًا لوزيرى الخارجية والخزانة، بعد التشاور مع المدعى العام ومدير الاستخبارات الوطنية، لتقديم تقرير مشترك بشأن تصنيف أىٍّ من فروع الإخوان الإرهابية أو تقسيماتها، بما فى ذلك تلك الموجودة فى لبنان والأردن ومصر، كمنظمات إرهابية أجنبية كما منح مهلة 45 يومًا من تقديم التقرير ليتخذ وزير الخارجية أو وزير الخزانة جميع الإجراءات المناسبة بخصوص تصنيف أيٍّ من فروع الإخوان أو تقسيماتها كمنظمات إرهابية أجنبية وإرهابيين عالميين مُحدّدين بصفة خاصة.
هذا ملخص التحركات الأمريكية التى بدأت ولها ما بعدها ليس فقط على مستوى الولايات المتحدة بل على مستوى العالم خاصة على المستوى الأوروبى الذى سيتخذ من هذه الخطوة نقطة انطلاق فعلية لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية بعد الإجراءات التى بدأتها فرنسا وبريطانيا فى دراسة التنظيم وتمويله.
التحركات الأمريكية التى جاءت متأخرة نحو نصف قرن من عنف الجماعة فى حق المصريين بتنفيذ عمليات اغتيالات وتفجيرات واستهداف مفاصل الدولة بل كانت الدول الغربية بمثابة «الحاضنة» التى رعت التنظيم الإرهابى مرة باسم «حرية الرأى والتعبير» وأخرى لاستغلالهم واستخدامهم لتحقيق مصالحها فى استهداف دول المنطقة لتمكينهم من الوصول إلى الحكم.
استهداف أذرع الإخوان
القرار الأمريكى سيواجه صعوبة كبيرة فى تنفيذه خاصة مع عدم وجود «كيانات رسمية» تابعة للتنظيم الإرهابى بل هى مسميات غير معترف بها سواء « التنظيم الدولى للإخوان» أو حتى الجمعيات المسجلة فى الولايات المتحدة.. فالتنظيم الدولى يعمل بطريقة لا مركزية، وفروعه تختلف من حيث البنية القانونية والدور السياسى. هذا يُعقد أى محاولة لفرض تصنيف شامل قد يكون قابلا للطعن فى القضاء الأمريكى، خاصة إذا لم تستطع الإدارة تقديم دليل واضح يربط كل الفروع بدعم الإرهاب وقد يؤدى القرار إلى فرض رقابة مشددة على المنظمات الإسلامية فى الولايات المتحدة، خصوصًا تلك التى تُصنَّف بوصفها ذات “خلفية فكرية” قريبة من الإخوان وهذا سيخلق جدلًا كبيرًا حول الحريات الدينية وحرية التنظيم، الأمر الذى قد يفتح الباب أمام تحديات قانونية داخلية.
منظمات الإخوان فى الولايات المتحدة
لا يوجد فرع رسمى للإخوان داخل الولايات المتحدة. لكن هناك شبكة من المنظمات الإسلامية ذات الخلفيات المتقاربة فكريًا أو تاريخيًا مع الإخوان، تأسس بعضها على يد أعضاء سابقين أو متأثرين بالفكر الإخوانى. من أبرز هذه المنظمات:
Islamic Circle of North America (ICNA)
Muslim American Society (MAS)
المعهد الدولى للفكر الإسلامى (IIIT)
Muslim Student Association (MSA)
هذه الكيانات لا تعمل كأذرع تنظيمية مباشرة للإخوان، لكنها ترتبط بالجماعة من خلال التاريخ الشخصى لمؤسسيها، والأسلوب التنظيمى، والمنهج التربوى، وبعض الأدبيات الفكرية لكن رغم ذلك هناك غياب أدلة على علاقة تنظيمية مباشرة بين الإخوان فى الشرق الأوسط وهذه المنظمات الأمريكية، العلاقة توصف بأنها «شبكية»، وليست عملياتية أو تمويلية.
التصنيف الأمريكى للإخوان سيمنع تدفق الأموال إلى أى نشاط مرتبط بالجماعة، كما سيحظر دخول أعضائها إلى الولايات المتحدة، ويركّز على مواجهة أى تهديدات ترتبط بالعنف أو الترهيب بعد أن فشلت عملية التصنيف الإرهابى للإخوان والتى كانت مطروحة سابقًا خلال إدارة ترامب الأولى عام 2019، لكن الجماعة نفت حينها الاتهامات، مؤكدة التزامها بالعمل السياسى السلمى.
الخطة الإخوانية للسيطرة على الولايات المتحدة ذاتها بدأت منذ عام 1991 حيث وضعت جماعة الإخوان استراتيجيتها طويلة الأمد لغزو أمريكا الشمالية من خلال ما أسمته «عملية حضارية جهادية» تهدف إلى «تخريب» و«القضاء على الحضارة الغربية وتدميرها من الداخل».
الوثيقة التى حملت عنوان «مذكرة تفسيرية.. الهدف الاستراتيجى العام للجماعة فى أمريكا الشمالية» المكونة من 18 صفحة ظهرت فى عام 2007 أثناء محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة – وهى أكبر قضية تمويل للإرهاب فى تاريخ الولايات المتحدة.. المذكرة التوضيحية كتبها محمد أكرم العدلونى، الذى كان أحد قادة الإخوان الرئيسيين فى الولايات المتحدة وتتكون من ست مراحل:
تأسيس حركة إسلامية فاعلة ومستقرة بقيادة الإخوان.
تبنى قضايا المسلمين فى الداخل والعالم.
توسيع قاعدة المسلمين الملتزمين.
توحيد جهود المسلمين وتوجيهها.
تقديم الإسلام كبديل حضاري.
دعم قيام الدولة الإسلامية العالمية أينما كانت.
ويوضح أكرم بالضبط تفاصيل «الجهاد» الذى تتطلبه هذه الاستراتيجية: «على الإخوان أن يفهموا أن عملهم فى أمريكا هو نوع من الجهاد العظيم فى سبيل القضاء على الحضارة الغربية وتدميرها من الداخل و”تخريب” بيتها البائس بأيديهم وأيدى المؤمنين، حتى يتم اجتثاثها وينتصر دين الله على سائر الأديان».
كما يسرد أكرم مراحل النشاط الإخوانى فى الولايات المتحدة: التى تبدأ بمرحلة البحث عن الذات وتحديد الهوية تليها مرحلة البناء الداخلى للتنظيم الحركى ومرحلة المساجد والمراكز الإسلامية ومرحلة بناء المنظمات الإسلامية والمدارس الإسلامية وغيرها من المراحل للسيطرة على الدولة الأمريكية.
«إخوان الولايات المتحدة»
تعود العلاقات بين الولايات الأمريكية وجماعة الإخوان لخمسينيات القرن الماضى، حيث التقى الرئيس الأمريكى أيزنهاور مع كبار قادة الحركة الإسلامية حول العالم، وكان من ضمنهم سعيد رمضان صهر حسن البنا، ووالد الداعية الإخوانى طارق رمضان، واحتضنت الولايات المتحدة أنشطة سعيد رمضان فى أوروبا فى الخمسينيات والستينيات، واعتبرت الإخوان أداة متقدمة ورأس حربة فى الشرق الأوسط لمواجهة الشيوعية والمد السوفيتى، وبحسب وثائق الإخوان الخاصة، فى عام 1962، تم تأسس «اتحاد الطلاب المسلمين» وفى العام التالى، تم إنشاء هيكل تنظيمى أكثر رسمية من قبل اثنين من أعضاء الإخوان، أحمد توتونجى وجمال برزنجى، اللذين ساعدا على تأسيس «رابطة الطلاب المسلمين» فى جامعة إلينوى فى سنواته الأولى، وزع اتحاد الطلاب المسلمين فى اجتماعات فروعه ترجمات إنجليزية لكتابات حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من المنظرين الإسلاميين.
وحسب المركز العربى لدراسات التطرف قاد برزنجى وتوتونجى وزميل ثالث من جماعة الإخوان يدعى هشام الطالب جهود تأسيس «الاتحاد الإسلامى الدولى للمنظمات الطلابية» فى عام 1969 حيث لعب الثلاثة دورًا حاسمًا فى تأسيس جماعة الإخوان فى الولايات المتحدة على مدار عقود، وتطوير الروابط بين الجماعة الأمريكية وشبكات الإخوان الدولية الأخرى.
فى عام 1973، وفى إطار سعيهما لتوسيع نفوذهما خارج نطاق المدارس والجامعات، ساعد برزنجى والطالب أيضًا على إنشاء الصندوق الإسلامى لأمريكا الشمالية. وفقًا لوثائق تأسيسه، كان الغرض من الصندوق هو «خدمة مصلحة الإسلام ورابطة الطلاب المسلمين فى الولايات المتحدة وكندا» من خلال إنشاء شركة غير ربحية معفاة من الضرائب (تُعرف باللغة العربية باسم الوقف). وقد تلقى الصندوق مبالغ كبيرة من المال – خاصة من بعض الدول الخليجية – مما سمح له بتشكيل مجموعة متنوعة من الجمعيات المهنية الإسلامية وكذلك بناء المدارس والمراكز الإسلامية ودور النشر.
عاكف يؤسس تنظيمًا إخوانيًا فى إلينوي
والمفاجأة الأكبر ان مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف قد شارك فى 1993 تأسيس «الجمعية الإسلامية الأمريكية» فى ولاية إلينوى مع كلٍّ من جمال بدوى وعمر الصوبانى وأحمد القاضى لتكون بمثابة الوجه العام الفعلى لجماعة الإخوان فى الولايات المتحدة. واستطاع عاكف بعد خروجه من السجن فى السبعينيات من القرن الماضى أن يكون مسئولا عن مخيمات الشباب الإسلامى التى نظمت فى عدة دول من بينها الأردن وماليزيا وبنجلاديش وتركيا وأستراليا ومالى وكينيا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
الشخصية الثانية المثيرة للجدل فى الجمعيات الإخوانية بالولايات المتحدة يبرز اسم «أحمد القاضى» وهو طبيب وعضو فى جماعة الإخوان فى مصر وأصبح أمين صندوق جماعة الإخوان فى الولايات المتحدة فى عام 1970 وانتخب رئيسًا فى عام 1984.
وبدأ ظهور اعضاء الإخوان إلى العلن وتغلغلوا فى المجتمع الأمريكى حتى أصبح عبد الرحمن العمودى مستشارًا للرئيس بيل كلينتون، والسيدة الأولى آنذاك هيلارى كلينتون كما اختار أوباما التواصل مع الجماعة والشركات التابعة لها للحصول على المشورة والتدريب، ومنهم كان «رشاد حسين» مبعوث إدارة أوباما لمنظمة المؤتمر الإسلامى وساعد فى كتابة خطاب أوباما فى القاهرة سنة 2009م، والذى أعلن فيه عن نهج جديد للتعامل مع العالم الإسلامى.
كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلارى إن اتصال الإدارة الأمريكية بالإخوان هو جزء من سياسة بدأت فى 2006م واستمر أعضاء الحزب الجمهورى فى دعم الإخوان على مختلف الإدارات المتعاقبة وكان أبرزهم باراك أوباما الذى كان يسعى لمساعدة الإخوان ليصلوا إلى الحكم.
الأمر التنفيذى الذى وقعه ترامب يشمل فى مرحلته الأولى دراسة تصنيف الإخوان فى مصر والأردن ولبنان كمرحلة أولى رغم أن التنظيم مصنف كمنظمة إرهابية فى مصر والأردن إلا أن خطورة التحركات الأمريكية ستكون فى تصنيف باقى فروع الجماعة فى تركيا وقطر وسوريا وهى أحد المصادر القوية حاليا فى دعم بقايا التنظيم بعد القضاء عليه فى مصر فى ثورة 2013.
حاليا تعد الدول الثلاث هى الممول الرئيسى للتنظيم وأحد الملاذات الآمنة لقيادته الهاربة من مصر، فضلا عن مواصلة استثمار أمواله بأشكال غير قانونية وغير موثقة ليستمر تمويل التنظيم.







