الإثنين 8 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الدهان.. والدهان الآخر!

الدهان.. والدهان الآخر!

فى بلاد الخواجات.. ممنوع على أى مواطن تشويه منظر الشارع، فلا يستطيع أن يغلق شرفة أو يفتح بابًا إلا بأمر من البلدية، وفى بعض الشوارع الرئيسية ممنوع على سكان العمارات إضاءة لمبة فى البلكونة.. ومن يخالف ذلك نهاره أزرق وليله كحلى!



ولكن فى بلادنا الأمر يختلف، حيث فن العمارة رهن مزاج المواطنين، تقيم عمارة.. تبنى بيتًا، تعمل عشة، كل واحد حر بفلوسه، وكل واحد حر فى فلوسه.. ولذلك ستجد فى شارع واحد كل فنون العمارة. منذ أول كهف شيده سيدنا آدم، وإلى آخر عمارة بناها الحاج محمد لطفى.. إياه !!

طراز إسلامى إلى جانب فن قوطى إلى جانب عمارة فرعونية، كل شيء ماشى وكل شيء تمام، وإذا أردت أن تدهن بيتك أحمر .. مفيش مانع، تدهنه بنى .. ليه لأ ؟! تدهنه أخضر كل واحد وذوقه. فحرية الدهان عندنا مكفولة، والإدارة المحلية تشجع الدهان والدهان الآخر! ولا حجر فى بلادنا على الألوان، ولا عودة إلى العهد الشمولى الألوانى، خصوصًا والجميع يؤمنون فى الوقت الحاضر بالتعددية فى الأصباغ والبويات!! لذلك سترى فى مدينة كالقاهرة - وفى ظل الانفتاح المعمارى - مئة طراز للعمارة، وألف لون. وفى بعض الأحياء لا تستطيع أن تعرف إذا كنت فى مدينة أم فى مولد أم فى مهرجان أم داخل ديكور صنعه مخرج فى بلاتوه لتصوير فيلم من أفلام المقاولات، فالمبدأ المعمول به: كل واحد على كيفه، وكل مهندس على ذوقه، وكل مواطن حر فى اختيار البيت الذى يسكن فيه! بيوت مثل دار جدی معوض، مرحرحة ومفندقة. وبيوت تصلح للتأديب والتهذيب والإصلاح، عمارات مثل رفيعة هانم، وعمارات كأنها زعازيع قصب، وبعض مناطق القاهرة الآن تحسبها جزءا من جزيرة مانهاتن بنيويورك، ناطحات سحاب على كل لون وشكل، اختفت الفيللات والقصور والحدائق.. وانشقت الأرض عن جبال من الأسمنت، حتى فيللا أم كلثوم لم تنج من المذبحة، مع أنهم لو أبقوها وحافظوا عليها وحولوها إلى متحف للزوار العرب، لأصبحت مثل الفرخة التى تبيض الذهب، ولكن حمى سوق العقارات لا يعوقها عائق، ولا يعترض طريقها حائل، فالمهم هو التشييد والبيع وهبر الأرباح، وجنون سوق العقار أخطر ألف مرة من جنون البقر، خصوصًا إذا صادف ذممًا خربانة، وأيادي غير نظيفة وقوانين حمالة أوجه وحيتانًا تؤمن بأن القرش يشترى القرش، واللى يقدم السبت يلاقى الحد قدامه!

مساكين أهل القاهرة، كيف يستنشقون نسمة هواء منعشة، وسط جبال الأسمنت التى زرعوها فى العاصمة التى اختنقت من عادم السيارات، وحرائق الزبالة، ودخان المصانع، وهيافة برامج التليفزيون!