الإثنين 8 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
الصعايدة يحمون روزاليوسف من الوفد!

الصعايدة يحمون روزاليوسف من الوفد!

خاضت «روزاليوسف» مع حزب الوفد معارك: المطالبة بعودة دستور 23 ومهاجمة القصر والملك وكشف ألاعيب الإنجليز، ولم يكد يمضى عشر سنوات على ولادة المجلة حتى أصبحت المجلة السياسية الأولى.



كانت معارك «روزاليوسف» ضد الوفد كثيرة هى الأخرى، كانت جميعها بسبب تمسك روزاليوسف بسياستها الثابتة التى لا تتبدل ولا تتغير وموقفها الثابت من الثالوث الرهيب: الدستور والملك والإنجليز.

 

ومعارك روزاليوسف والوفد أصبحت جزءًا من تاريخها وأخذت من صاحبتها أحلى سنوات حياتها، وهى سنوات لا يمكن أن تنسى فى ذكرى عيد ميلادها الستين.

 

وليس هناك أكثر قدرة على أن يحكى وجهة نظر الوفد فى هذه المعارك من فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد.. ولكن حال دون لقائه سفره إلى الخارج فى رحلة علاج استغرقت ثلاثة أسابيع، وانتظرت روزاليوسف حتى موعد قدومه.. ولكنه اعتذر.

 

وكان صعبًا علينا أن نتجاهل ذكرى هذه المعارك فى الميدان السياسى فى ذلك الوقت.. وكان علينا أن نعرض وجهة نظر «روزاليوسف» وحدها ودور السيدة فاطمة اليوسف، فى هذه المعارك بعد أن اعتذر الباشا.

 

بلغ من نجاح - روزاليوسف. المجلة الأولى فى ميدان السياسة أن جريدة السياسة التى كانت تنطق بلسان الأحرار الدستوريين وتناصب الوفد العداء .. أطلقت على الوفد اسم «حزب روزاليوسف» ، ولم يجد مصطفى النحاس فى هذه التسمية غضاضة بل وقف مرة يخطب فى حشد من أنصاره فقال : إنه يفخر بأن يكون الوفد - حزب روزاليوسف - المجلة المجاهدة الشجاعة التى لا تبالى بالاضطهاد. ولكن كان لهذا التأييد ثمنه الباهظ الذى دفعته روز اليوسف من المصادرة والقضايا. ففى السنتين الثالثة والرابعة من عمرها - من أكتوبر 1927 إلى أكتوبر سنة 1929 صدر من روز اليوسف 42 عددًا وصودر منها 62 عددًا أی أن ما صودر منها كان أكبر مما صدر!

 

أول خلاف 

كان أول خلاف وقع بين الوفد وروزاليوسف خلافًا بسيطًا.

فقد كانت سياسة الوفد تقوم- بعد سقوط وزارة صدقي- على مهادنة المندوب السامى الإنجليزى الجديد، استنادًا إلى البوادر التى توحى بأنه سيؤيد إعادة دستور 1923، وعلى العكس من ذلك ظل الوفد على معاداته الشديدة للقصر ومقاطعته للملك فؤاد، وحدث يومًا أن نشرت روزاليوسف خطابًا مفتوحًا إلى الملك فؤاد بالمطالبة بإعادة الدستور، واستدعى مكرم عبيد سكرتير الوفد صاحبة المجلة وقال لها: كيف تكتبين خطابًا مفتوحًا للملك، لقد ظن الناس أننا نريد بذلك مصالحته وهذا غير صحيح، ودارت بينهما مناقشة طويلة أوضحت فيها السيدة روزاليوسف أنها لا تعبر سوى عن رأيها الخاص وعن وجهة نظرها.. وحاولت بعد ذلك أن تقابل النحاس لشرح وجهة نظرها.. ولكنها لم تستطع، فقد كان مكرم عبيد هو المتحكم فی مقابلات النحاس.

 

 

 

ثم اشتدت الأزمة بين الوفد وروزاليوسف.. وازداد تشكك النحاس من المجلة.. إذ شنت حملة عنيفة على وزارة توفيق نسيم.. وكان الوفد فى ذلك الوقت يهادنها ويسندها.

 

واستدعى النحاس السيدة روزاليوسف فى هذه المرة، لمقابلته، وذهبت إليه فى بيت الأمة، ولم يكد يراها حتى لوح بالمجلة فى يده وصاح فى وجهها:

 

إيه القرف اللى انتو كاتبينه؟!

 

ودهشت روزاليوسف لهذه المفاجأة، ووقفت ذاهلة لحظة ثم قالت:

 

- فيه إيه يا باشا؟

 

فصاح:

أنتى بتعارضى وزارة توفيق نسيم ليه؟

 

- وزارة توفيق نسيم جابها الإنجليز والسراى.. وهى التى تؤجل عودة الدستور.. إزاى ماهاجمهاش؟ فقاطعها قائلًا:

 

- لا يا ستى.. أنا ما أحبش تناقشينى فى السياسة.. أنتِ يعنى عايزة محمد محمود وصدقى يرجعوا .. احنا تعبنا.

 

وخرجت السيدة روزاليوسف قبل أن يتم النحاس باشا حديثه.. وكلمة «إحنا تعبنا»، التى تسمعها منه لأول مرة ترن فى أذنيها وتقول : بأنها قد شعرت بأن هناك شيئا يباعد بينها وبين الوفد.

 

وإزاء مقاطعة النحاس للجريدة.. بأت أغلب الوفديين يخافون التردد عليها رغم تأييدهم لها.



 

وكانت الأزمة الكبرى بسبب أحمد نجيب الهلالى.

 

والهلالى لم يكن فى تاريخه القديم وفديا، بل الأصح أن يقال إنه كان من خصوم الوفد، على أنه لم يكد يدخل وزارة نسيم حتى عرف أنه يتقرب من الوفديين، ثم لم يلبث أن أصبح صديقًا لهم، ولمع نجمه وتراقصت الترشيحات من حوله.. بعضها يرشحه لرئاسة الوزراء بعد نسيم وبعضها يرشحه لمنصب وزير فى الوزارة الوفدية القادمة لو عاد الدستور.

 

وشن العقاد فى «روزاليوسف اليومية» حملة هادئة على الهلالى، استمرت أيامًا كثيرة.. ثم حولها العقاد إلى حملة عنيفة، متعقبًا تصرفات الهلالى فى وزارة المعارف.. وفى وزارة التجارة.. وفى السياسة العامة على حد سواء.. ولم تكن تتوقع السيدة روزاليوسف أن تؤدى هذه الحملة على نجيب الهلالى أن يخرج من الوفد.

 

ولم يكن الرأى العام يعرف شيئًا عن حقيقة استمرار الخلاف بين الوفد وروزاليوسف - أو عن التهديد الذى أرسله مكرم عبيد إلى روزاليوسف.. بأنها إذا لم تلتزم بسياسة الوفد، فعليها أن تتحمل نتائج ذلك. ولم يكن مكرم عبيد يتوقع هو الآخر أن السيدة روزاليوسف قررت أن تمضى فى خطتها التى ترى أنها تلتقى مع مصلحة الوطن.. ومضت تهاجم تعطيل الدستور.. ونجيب الهلالى وكل المستشارين الإنجليز.

 

وألقى مكرم عبيد القفاز علنا لأول مرة فى وجه السيدة فاطمة اليوسف فأوعز إلى جريدة «الجهاد» التى تنطق بلسانه.مهاجمة  روزاليوسف، وما كان من روزاليوسف إلا أن ردت عليها الحملة بأحسن منها.

 

ثم حدثت الطامة الكبرى فقد نشرت «الجهاد» كلمة بإمضاء محام اسمه «وليم الدويتي» يقول فيها إنه: رأى السيدة روزاليوسف والدكتور محمود عزمى رئيس التحرير، يجلسان مع أحمد عبود باشا فى فندق ميناهاوس يتهامسان ولم يحدث هذا اللقاء قط، ولكن «الجهاد» أرادت بنشره أن تقول أن «روزاليوسف» تأخذ مالًا من عبود باشا.

 

وفى اليوم التالي- العدد 201- كتب محمود عزمى مقالًا طويلًا عنيفًا بعنوان «وليم الكذاب» شن فيه حملة على «وليم الدويني» صاحب النبأ الملفق.. ولكن مكرم عبيد ثار ثورة عارمة، ورأى أن الهدف من المقال هو النيل من شخصه.. إذ كان مكرم يحمل قبل ثورة 1919 اسم «وليم» ثم تنازل عنه حين نشبت الثورة.. وثارت لثورة مكرم الدوائر الوفدية كلها.. إذ كيف تطعن مجلة روزاليوسف سكرتير الوفد أو تعرض به على هذا النحو؟!

 

 

 

وذهب مكرم إلى النحاس يضع قضيته بين يديه، ويقف موقف المعتدى عليه، ويطلب من النحاس أن ينصفه من «روزاليوسف» ومحمود عزمى والعقاد.. وصمم النحاس على أن تفصل «روزاليوسف» عن الوفد. وركب النحاس ومكرم القطار من الإسكندرية عائدين إلى القاهرة خصيصًا لإصدار قرار الفصل.

 

 

 

وفى طريق عودة النحاس من الإسكندرية تجمعت الجماهير لتحييه، وفى طنطا وقف النحاس من نافذة القطار ليخطب فى الجماهير، ورأى أحد المستقبلين يحمل «روزاليوسف» فصاح فيه: ارم هذا الكلام القذر!!

 

وكانت هذه أول إشارة رسمية إلى فصل «روزاليوسف» واستمر اجتماع الوفد من الساعة الحادية عشرة صباحًا حتى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر.. أربع ساعات ونصف اشتدت فيها المناقشات وانجلت عن قرار الفصل فى 28 سبتمبر عام 1935.



 

وبصدور قرار الفصل، سارت مظاهرة ضخمة فى شوارع القاهرة تهتف يحيا النحاس، وسقوط روزاليوسف، ولم تكد تمضى أيام، إلا ويرسل الوفد مظاهرة من جماهيره يهتفون ضد الجريدة، ويقذفونها بالحجارة تحت سمع الحكومة وبصرها، بل تشجيعها.

 

وكثيرًا ما تعرضت حياتنا للخطر- هكذا تقول السيدة روزاليوسف فى كتابها «ذكريات»- حتى اضطررنا إلى استئجار عدد من الرجال الصعايدة الأشداء يتولون الدفاع عن إدارة الجريدة.. فلما وجدت المظاهرات أن هناك مقاومة جدية انقطعت عن الحضور.

 

 

الفصل الأخير

 

وبينما تهاجم «روزاليوسف اليومية» توفيق نسيم لأنه يؤخر إعادة الدستور، وتهاجم الوفد لأنه يهادن الوزارة والإنجليز.. وقع حادث أكد للجميع أن «روزاليوسف» على حق، فقد وقف «السير صمويل» وهو وزير الخارجية الإنجليزية فى مجلس العموم يقول: إن حكومته لا توافق على إعادة دستور 1923 فى مصر، لأن العمل قد أثبت عدم صلاحيته للتطبيق.

 

كان هذا التصريح كافيًا ليؤكد ما سبق أن قالته «روزاليوسف» من أن التلكؤ فى إعادة الدستور مؤامرة أحد أطرافها الإنجليز، وأن مهادنة الوفد لن تؤدى لإعادته بأى شكل.

 

انفجرت المظاهرات من الجامعة والمدارس تهتف بسقوط نسيم وبإعادة الدستور وبانت الدعوة إلى إسقاط نسيم وإعادة الدستور صيحة على كل فم، وخفقة كل قلب.

 

وأفسحت «روزاليوسف» صفحاتها لهذه الثورة الشعبية التى أعادت إلى الأذهان ذكرى أيام 1919 وأصدرت الأحزاب بيانات باستنكار تصريح الوزير الإنجليزى، وتبلورت الدعوة إلى ضرورة ائتلاف الزعماء جميعًا فى جبهة وطنية واحدة تطالب بإعادة الدستور وتواجه الإنجليز صفًا واحدًا.

 

وتحقق ما دعت إليه «روزاليوسف» وما احتملت من أجله الشتائم والاتهامات والرجم بالطوب.

وأقلع الوفد عن مهادنة نسيم.

واتحد الزعماء فى جبهة وطنية.

ولم تستطع وزارة نسيم أن تصعد أكثر من ذلك فسقطت.

 

نشر في العدد 2999 بتاريخ  2/12/1985