الإثنين 17 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

نكتة القرن فى البيت الأبيض:

صدق أو لا تصدق الجولانى يكافح الإرهاب!

تستعد العاصمة الأمريكية واشنطن لاستضافة ما يمكن وصفه بـ«مهزلة القرن»؛ زيارة الجولانى للبيت الأبيض يوم الاثنين المقبل للقاء الرئيس ترامب. 



هذه الزيارة، التى تُعَد الأولى لرئيس سورى منذ عام 1946، ليست مجرد حدث دبلوماسى؛ بل هى إعلان رسمى لوفاة قيم مكافحة الإرهاب، وتتويج لعملية «تبييض» قذرة يتم من خلالها تحويل زعيم إرهابى مطلوب دوليًا إلى حليف وشريك، ليتم وضعه فى دور وظيفى بائس يهدف إلى ترسيخ السيطرة «الإسرائيلية- الأمريكية» على الشرق الأوسط.

 > الإرهابى الذى اشترى حَصانة البيت الأبيض

إن أكثر ما يثير الاشمئزاز فى هذه اللحظة هو المفارقة الصارخة بين ماضى الزائر ومستقبله المرسوم أمريكيًا. حتى وقت قريب، كان الجولانى، زعيم جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة فى سوريا)، مطلوبًا لدى واشنطن التى عرضت 10 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات عنه. 

كان هذا الرجل، بعمامته السوداء وسجله الدموى، رمزًا للإرهاب الدولى الذى زعزع استقرار المنطقة وارتكب جرائم مروعة باسم التطرف.

>تغيير الأزياء لا الأيديولوجيا

 لم يتطلب الأمر من الجولانى سوى استبدال عباءته المتشددة ببدلة رسمية غربية، وتغيير لقبه إلى «الرئيس أحمد الشرع»؛ ليمحو عقودًا من الدمار والتكفير.. هذا التغيير ليس تحولاً أيديولوجيًا بالتأكيد؛ بل نفاق سياسى صارخ مدفوع بغريزة البقاء والرغبة فى السلطة تحت أى ثمن.

> بيع الماضى مقابل الشرعية

فى لعبة المصالح الأمريكية، أصبحت الجرائم الماضية مجرد «أوراق مساومة».. لقد نجح الشرع فى إقناع الإدارة الأمريكية بأنه الأداة الأكثر فعالية لمواجهة «الإرهاب الآخر» (داعش) ولطرد النفوذ الإيرانى.. وبالتالى؛ رُفعت المكافأة، وحُذفت صفة «الإرهابى»، وأصبح زعيم القاعدة السابق «شريكًا فى السلام»!

هذه الزيارة هى صفعة مباشرة على وجه كل ضحية سورية فقدت عزيزًا بسبب إرهاب الجولانى وميليشياته.. إنها رسالة وقحة بأن السياسة الدولية مستعدة لـ غض الطرف عن الجرائم الكبرَى وتبييض القتلة، طالما أنهم يخدمون مصالح القوة العظمى.

> تسليم سوريا كـ«جسر آمن» لإسرائيل

الهدف الحقيقى لـ «مهزلة القرن» هذه يتجاوز مجرد إيجاد شريك محلى لمكافحة داعش؛ إنه يكمن فى تثبيت دور لسوريا كـ نقطة ارتكاز إقليمية جديدة تخدم إسرائيل.. واستراتيجية لتأمين الحدائق الخلفية لتل أبيب.

لقد تم تفصيل الشرع ليقوم بوظيفة محددة وقذرة ضمن هندسة «الشرق الأوسط الجديد»، وهى تحويل سوريا من تهديد إلى ضمانة أمنية لإسرائيل.

> ملامح دور العمالة 

 لقد أتى الشرع، بدعم ضمنى من قوَى إقليمية ودولية؛ ليحل محل نظام الأسد الذى كان يُعتبر عمودًا فى «محور المقاومة» الإيرانى.

 وبالتالى تصريحات الجولانى المعادية لطهران ليست مجرد خطاب سياسى؛ بل هى تعهد ضمنى لواشنطن وتل أبيب بتفكيك الوجود الإيرانى وميليشياته على الأراضى السورية، وتحويل سوريا إلى ساحة خالية من أى تهديد استراتيجى للكيان الصهيونى.

> خيانة الجولان ودمج سوريا فى التطبيع

التوقع بعقد الجولة الخامسة من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل بوساطة أمريكية هو الهدف.

 الشرع ليس ذاهبًا لواشنطن للتفاوض على استعادة الجولان؛ بل هو ذاهب للتوقيع على اتفاق أمنى مهين يحوّل الجبهة السورية إلى حدود آمنة ومحمية لإسرائيل.. سوريا، التى كانت تُعرَف بـ«قلب العروبة النابض»، أصبحت مجرد «جسر إسرائيلى» ينقل تل أبيب من حالة الصراع الإقليمى إلى حالة «التطبيع الأمنى الكامل»، وذلك بفضل قائدها الجديد الذى لا يملك من أمره شيئًا.

 توقيع الشرع على اتفاقية انضمام سوريا إلى التحالف الدولى ضد «داعش» يمنحه غطاء دوليًا، لكنه فى الواقع يضع الجيش السورى ومؤسّسات الدولة المنهَكة تحت الوصاية «الأمريكية- الغربية».

 يصبح الشرع بذلك شرطى أمريكا فى المنطقة، مكلفًا بحماية الحدود والممرات الاستراتيجية، بما فى ذلك تلك التى تخدم مشروعات ربط إسرائيل بالخليج والبحر المتوسط.

 > الثمن المدفوع والمستقبل الأسود

إن الثمَن الذى يدفعه الشعب السورى مقابل تثبيت هذا «الرئيس الوظيفى» فى دمشق هو ثمن باهظ؛ حيث ستصبح سوريا دولة فاقدة للقرار المستقل، سيادتها مخترقة، ومستقبلها مرتهن بالرضا الأمريكى والإسرائيلى عن أدائها الأمنى.

 وبدلاً من إعادة بناء الدولة؛ يتم تكريس الضعف الداخلى وتفكيك البنية التحتية العسكرية القادرة على حماية البلاد؛ لضمان بقاء سوريا غير قادرة على تهديد المصالح الإسرائيلية.

مقابل هذا الدور الوظيفى؛ سيحصل الجولانى على رفع للعقوبات وتدفق للاستثمارات، وهى ليست «مكافأة» على نضال؛ بل أجرة عميل تدفع لتأمين مصالح الغير.

تعتبر زيارة «الجولانى» إلى البيت الأبيض تتويجًا لـ خطة شيطانية تم فيها تبييض الإرهاب وتحويله إلى أداة لخدمة الأجندات المعادية لسوريا أولاً.

 لقد تحوّلت سوريا، على يد الجولانى، من دولة تواجه العدوان إلى دولة وظيفية مستسلمة، دورها الوحيد هو أن تكون «الجسر الآمن» الذى تَعبر عليه إسرائيل إلى شرق أوسط جديد خاضع لهيمنتها. 

 لحظة عار تسجل فى صفحات التاريخ، تؤكد أن البراجماتية الغربية لا تعرف حدودًا عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا لتل أبيب..

لذلك؛ من المنطقى جدًا أن يهاجم الجولانى فى لقاء هنا أو كلمة هناك الدور المصرى؛ بل لو حدث غير ذلك ستكون المشكلة.. فمصر تقف شوكة فى حلق مَن يرتبون الشرق الأوسط لصالح تل أبيب.

لكن الأكيد وما سنراه الأيام المقبلة.. أن التنظيمات الإرهابية التى سيكافحها الجولانى برعاية البيت الأبيض.. ستتحد هى لمكافحة الجولانى.. 

فالتصدى للإرهاب بـ«إرهابى» يساوى مزيدًا من الإرهاب.