الجمعة 31 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!

الفن.. الثقافة.. وحرية التعبير

مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!

قرن من الزمان قد مر على صدور العدد الأول من مجلة «روزاليوسف». والمناخ الذي ولدت فيه المجلة وتنفست أنفاسها الأولى لم يزل كما هو: معاديا للفن والثقافة وخانقاً للفنانين والمفكرين، وبالأخص للفنانات والمفكرات.



 

 

من يطالع العدد الأول من المجلة يمكنه أن يستشفّ بعض أجواء هذا المناخ الذي تضطر فيه السيدة مؤسسة المجلة إلى تخصيص نصف العدد تقريباً لتبرير اقترافها لهذا الفعل الجسيم: إنشاء صحيفة. وإذا كان يمكن فهم ذلك حين ننظر إلى أوضاع الفن والنساء في العالم كله، وليس مصر فقط، في ذلك الوقت.

 

لكن حين ننظر إلى العدد الأول من «روزاليوسف» من منظور الحاضر، يمكن، على العكس، أن نُدهش، من مناخ الحرية والحوار الديموقراطي المفتوح على صفحات المجلة، والذي يسمح باعتراض أحد كبار الكتاب على إنشاء السيدة روز اليوسف للمجلة، واصفا فعلها بـ«النزوة»، بينما تجيبه هي، على بعد صفحات من مقاله، قائلة «فلتكن نزوة»!

 

هذه النزوة التي بلغت اليوم عمر المائة، أثبتت أنها واحدة من أعظم التجارب الصحفية في تاريخ مصر، ومن أكثرها جرأة وتجديدا وتأثيرا. 

 

هذه النزوة التي يصفها الشاعر سعيد عبده في رباعية بمناسبة بلوغ المجلة عيد مولدها السابع عشر، في 1942 مشبها إياها بباريس وسط عواصم العالم:

 

«دنيا الصحافة يا روزا إنتي باريزها 

وإنتي الصبية الحليوة من عواجيزها

غنى القلم يوم ميلادك والورق زغرط

يا مدرسة.. كلنا تلاميذها»

كانت السيدة روزاليوسف ممثلة مسرح شهيرة، في زمن كان ينظر فيه إلى التمثيل، والفنون بشكل عام، نظرة استعلاء واستخفاف. وكان الهدف الأول الذي وضعته المجلة لنفسها هو أن تدافع عن الفن وكبرياء الفنانين، وهو الخط الذي حافظت عليه طوال تاريخها، حتى في أحلك الأوقات ظلمة، حين تمكنت الأفكار الرجعية المتطرفة وكراهية وتحريم الفنون من عقول المصريين، والصحفيين من بينهم، ظلت «روزاليوسف» هي الحصن الأخير والمنيع ضد أعداء التفكير وكارهي الفنون.

 

في السطور الآتية بعض الأمثلة من عهود وأعداد مختلفة، تحمل لمحات سريعة عن مسيرة أجمل النزوات الصحفية ومواقفها من الفن والأدب والفكر على مدار قرن.

 

الفن قبل كل شىء

 

في 1927، أبدى أحد كبار الموظفين في إدارة الأمن العام غضبه من خبر نشرته المجلة، تقول فيه إن أحد أصحاب المعالي من الوزراء قد صعد إلى المسرح، وهنأ السيدة منيرة المهدية والمطرب محمد عبد الوهاب  على أدائهما الرائع في مسرحية «كليوباترة ومارك أنطوان»(كما كان يطلق عليها) وأرسل نسخة من المجلة إلى دائرة المطبوعات لكي تلفت نظر المسئولين عن التحرير إلى أن «نشر هذا الخبر أمر غير لائق»!

 

وعندما علمت السيدة روزاليوسف بأمر «البلاغ الأمني» الذي كتبه الموظف، كتبت مقالا ساخرا ردت فيه على الرجل وعلى من يستهينون بالفن والفنانين قالت فيه:

 

«ألا فليعلم حضرة صاحب السعادة أو صاحب العزة موظف إدارة الأمن العام أن مصر فقط دون كافة الأمم هي التي تخرج عقولاً مثل هذه العقول.. القديمة المحافظة المحترمة! وأما في أوروبا وأمريكا وغيرهما من البلدان التي حرمها الله من عقليات شبيهة بعقلية سعادته أو عزته، فإن مقام الممثل أو الممثلة يساوي أي مقام آخر.. وأن الوزراء والأمراء يتسابقون إلى مصافحة فنانة كبيرة أو فنان كبير، وأنهم يعدونه شرفاً كبيراً يوم تتنازل ممثلة كبيرة فتلبي دعوة أحدهم لتناول العشاء على مائدته». 

 

معارك «روزا» السياسية والفكرية قبل ثورة يوليو 1952 معروفة وسجلت في أكثر من مكان، وقد أدت إلى مصادرة عشرات الأعداد والسجن والتهديد بالسجن على مدار كل الحكومات والوزارات. وكانت «روزا» من أكثر الصحف تأييدا لحركة الضباط الأحرار وللجمهورية الوليدة، ورغم ذلك لم يمنع ذلك النظام من اعتقال رئيس تحرير المجلة إحسان عبد القدوس، ولم يردع روز اليوسف عن كتابة خطاب مفتوح لعبد الناصر هو درس في الدفاع عن الحرية وأهميتها لأي مجتمع. هذه أيضاً قصة متداولة، لكن هنا نموذجًا عشوائيًا من بعض أعداد المجلة الصادرة في 1954، عام كتابة اعلان الجمهورية الجديدة وكتابة الدستور. 

 

في العدد الصادر في 12 إبريل هناك خبر عن الدستور الجديد الذي يجرى كتابته بعنوان «26 مادة للحرية» يركز على المواد التي تحمي الحريات في الدستور. وعلى بعد صفحات خبر بعنوان «طالبات دار العلوم يحاربن الرجعية»، عن الفتيات الجامعيات اللواتي رفضن تخصيص مقر لهن خارج الكلية، واقتحمن المدرج الذي يدرس فيه الأولاد، الذين «استغفروا» و»هربوا» و»استنجدوا بالحرس لاخراجهن»، لكن الفتيات أصررن على موقفهن!

 

في العدد التالي الصادر في 19 إبريل 1954، يطالعنا خبر على الصفحة 42 بعنوان «قصة سيدنا يوسف أمام مجلس الدولة»، يفيد بأن الفنان عبدالحليم نصر اشتكى جهاز الرقابة أمام مجلس الدولة مطالبا بتعويض قدره عشرون ألف جنيه، عما تسببت فيه الرقابة من خسارة له بمنع سيناريو عن قصة سيدنا يوسف، في الوقت الذي سمحت فيه بعرض فيلم أمريكي للمخرج ويليام ديريك عن القصة نفسها!

 

وذلك قبل معركة «المهاجر» التي دخلتها «روزاليوسف» تضامنا مع يوسف شاهين بحوالي نصف قرن!

 

استلهاما من شخصية الشيخ «أبو العيون» الذي ظهر في الأربعينيات ودأب على مهاجمة الفنانين على طريقة «الشيخ كشك» وتلاميذه من الذين يتخذون من التكفير والتحريم وملاحقة الفنانين مهنة، ابتكرت روزاليوسف شخصية «الشيخ متلوف» المنافق، الذي يحرم كل شيء بيد، ويرتكب ما يحرمه باليد الأخرى، والذي ظهر في عشرات الرسوم الكاريكاتيرية. بعض هذه الرسوم بالغ الجرأة مثلما نجد في عدد 12 يوليو 1954، والذي يحتوي على كاريكاتير الشيخ متلوف يركع ويصلي على البلاج أمام حسناء عارية الساقين!

 

عن الرقص الرشقي

دون ازدواجية (مألوفة في مجتمعنا) أو نفاق للتيارات الرجعية، تمسكت «روزاليوسف» على مدار تاريخها بالدفاع عن الفنون، ومنها الرقص الشرقي والراقصات. وفيما يلي مثال من العدد 1413 في 1955 تحت عنوان:

 

«عميدة راقصات مصر! هل تدخل تحية كاريوكا الجنة أم النار؟»، يحتوي على بعض أجمل ما كتب عن تحية كاريوكا والرقص الشرقي بقلم مديحة عزت.

 

تستعرض مديحة صفات تحية وشخصيتها وخصوصية وتميز رقصها مع تحليل مقارن لأساليب أشهر الراقصات الأخريات. وفي جزء من المقال/ الحوار تسألها مديحة السؤال الذي حير الأجيال: «وقد سألت تحية مرة: هل الرقص حلال أم حرام؟ وأجابت، وهي تخلع نظارتها من فوق عينيها: - أولا ما هو الحرام وما هو الحلال. إني أعتقد أن الحرام هو أذية الناس. والحلال هو حب الناس..والرقص حلال لأنه ليس أذية، ولأنه فن يجلب السعادة للناس!».

 

وتواصل مديحة بسؤال أكثر حساسية، وأتحدى أن يكون هناك فنانة أو فنان الآن يستطيع أن يعيد الإجابة الصريحة البريئة التي ردت بها كاريوكا: 

 

«قلت لها: يعني تفتكري أنك حتخشي الجنة؟ قالت بابتسامة طيبة: - أنا ما عملتش حاجة علشان أدخل النار.. إلا إذا كان أصدقائي سيدخلون النار فسأدخل معهم حبا فيهم..!! وسكتت تحية قليلا ثم قالت: - مفيش حاجة محيراني إلا موضوع الجنة والنار ده!!»

 

يظل موضوع الرقص الشرقي بين الحلال والحرام والمنع والإباحة شاغل الصحافة المصرية على مدار عقود، وغالبا ما يكون موقف هذه الصحف ضد الرقص، ولكن «روزاليوسف» منذ البداية وموقفها واحد من العشرينيات وحتى القرن الجديد. من الصعب حصر كل ما كتب عن هذا الموضوع، ولكن يكفي أن أحيل إلى الملف الذي أعدته المجلة في عددها الصادر في يونيو 1998 بعنوان «المؤامرة على الرقص الشرقي» والذي يضم عدداً كبيراً من الموضوعات تتناول تاريخ الرقص الشرقي وحاضره وما فعلته هجمات التكفير والتحريم به، شغلت أكثر من 25 صفحة من المجلة. 

 

قضية فاتن وعمر

 

خلال عامي 1954 و1955 تابعت «روزاليوسف» أهم قصة فنية شغلت المجتمع المصري وهي طلاق فاتن حمامة من عز الدين ذو الفقار وزواجها من عمر الشريف. كانت «روزا» أول من نشر أخباراً عن القصة منذ بدايتها، رغم أن فاتن ظلت تنفي أولا أنها ستطلق، ثم أنها على علاقة بعمر ثم انها ستتزوجه. متابعة «روزاليوسف» لهذه القضية تثبت أولا قدر المهنية الصحفية في معرفة «كواليس» القصة منذ بدايتها واحترام حق القارئ في المعرفة، وفي الوقت نفسه احترام الحرية الشخصية للمواطنين في الحب والزواج والطلاق دون إهانات أو اتهامات.

 

 

في 12 إبريل 1954 تنشر المجلة تقريرا بعنوان «قلب فاتن حمامة لا يزال خالياً رغم الإشاعات!» مكتوبًا بذكاء ورشاقة أسلوب المجلة المعتاد يبدأ كالتالي:

 

 

«لا يريد الناس أن تنتهي قصة طلاق فاتن حمامة وعز الدين ذو الفقار.. وتذهب الشائعات هنا وهناك ترشح زيد أو عمر للعش الجديد..

 

أما فاتن نفسها فمتعبة ثائرة.. إنها قد تركت عز الدين لأن هذا كان أمرا يجب أن يحدث..».

 

وتؤكد فاتن: «..لا يريد الناس أن يؤمنوا أنني لم أترك عز الدين لأنني أحب شخصا آخر، وبرغم كل الظروف التي تحيط بطلاقي فأنني أرجو أن يؤمن الناس معي بأن قلبي أنظف من الصيني بعد غسيله.. وأن تلك الشائعات التي تتناثر هنا وهناك ويشارك فيها أهل الفن من الأصدقاء والمعارف هي التي ستصنع المشاكل وسوء التفاهم بيني وبين زوجي السابق..».

 

بعدها بأسابيع قليلة، في 31 مايو، تنشر المجلة خبرا تحت عنوان «فاتن تفضل تربية ابنتها» يقول:

 

 «عادت فاتن حمامة تؤكد أن شائعة زواجها من أي إنسان خبر لا أساس له من الصحة..وقالت فاتن وهي تخفي انفعالاتها: إنني قد قررت أن أكرس حياتي لتربية ابنتي نادية..فإن هذا هو العهد الذي قطعته على نفسي يوم قررت الانفصال عن زوجي عز الدين ذو الفقار.. وإن عز الدين يعلم تمام العلم أنني قد اتخذت هذا القرار عن يقين، لذلك فإن علاقة الصداقة لا تزال تربطني به بالرغم من كل ما يقال حول هذا المعنى. وأعود فأقول مرة ثانية إنني أفضل تربية ابنتي على كل زوج في العالم مهما كان..».

 

بعد سبعة أشهر تقريبا، في بداية 1955، وعلى صفحات العدد رقم 1391، تنشر «روزاليوسف» صفحة كاملة عن قصة حب وزواج فاتن وعمر تحت عنوان: «متى أحبت فاتن حمامة؟ ومتى تزوجت؟» يتبين من خلالها أن المجلة كان لديها كل تفاصيل قصة الحب، ليس فقط بين عمر وفاتن، لكن أيضا حب يوسف شاهين لفاتن من طرف واحد، الذي سبق عمر في حبها بعام كامل لكنه لم يجرؤ على الاعتراف لها بذلك الحب. وبعد ستة أشهر أخرى، في العدد 1416 تنشر المجلة تحقيقاً بعنوان «روزاليوسف كانت وراء الزيجات الفنية التي تمت هذا الموسم» يستعرض كاتب التحقيق أحمد ماهر قصص زواج نجاح سلام ومحمد سلمان وليلى مراد وفطين عبد الوهاب وشكري سرحان والراقصة هيرمين، وقبلهم بالطبع زواج فاتن وعمر، حيث يروي تفاصيل جديدة عن أيام الحب السري بين الاثنين، والرحلة التي قطعها هذا الحب حتى يتحول إلى حقيقة.

 

الستينيات ومعاركها الفكرية

 

شهدت الحياة الأدبية والفكرية الكثير من السجالات والمعارك خلال الستينيات كانت «روزاليوسف» حاضرة أو طرفا في كل منها. وقد حظيت المجلة بمشاركات عدد من الصحفيين المثقفين والأدباء الصحفيين ما جعل تغطية هذه المعارك أكثر عمقا والكتابة عنها أكثر بلاغة وفصاحة. من هؤلاء الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي (أطال الله عمره)، الذي كان يكتب بشكل شبه أسبوعي في المجلة.

 

من المعروف أن حجازي مع بعض رفاقه من كتاب القصيدة الجديدة كانوا قد تعرضوا لهجوم شرس من الكاتب عباس محمود العقاد وبادلوه الهجوم في واحدة من أشرس المعارك الأدبية في تلك الفترة. لكن العقاد تعرض لهجوم غير مبرر من الصحفي والأديب متواضع الموهبة إبراهيم الورداني اتسم بكثير من الوقاحة والافتراءات على الرجل. فما كان من عبد المعطي حجازي إلا أن كتب مقالاً كبيراً في العدد الصادر في 23 سبتمبر 1963 بعنوان «ليس دفاعاً عن العقاد» هو نموذج لاحترام الخلاف وحتى الخصومة في الرأي، ولكن مع الاعتراف بأقدار الناس وإنجازاتهم، وقد فند حجازي افتراءات الورداني وأثبت أن بعضها، مثل اتهام العقاد بعدم إجادة اللغة العربية (!) تنطبق على الورداني نفسه، الذي يستخدم اللغة بطريقة إنشائية ركيكة ومليئة بالأخطاء!

 

 

هذا المقال لم يمنع حجازي من كتابة مقال آخر في عدد 10 فبراير 1964 بعنوان «العقاد ظلم طه حسين» ينتقد فيه العقاد هذه المرة ويفند آراءه السلبية في طه حسين، مدافعا عن عميد الأدب العربي ومعددا إنجازاته وإمكانياته.

 

تطلعت إلى مشاهدة أعداد 1968 مترقباً، لأعرف موقف «روزاليوسف» من الثورة العالمية التي حدثت في المجتمعات والفنون. وها هي «روزا» تتابع ما يجرى فترصد على مدار العام حركة السينما في العالم وما يصل منها إلى مصر من أعمال جريئة مثل «فهرنهايت451» لفرانسوا تروفو، الذي عرض في مصر بعد حوالي عام من عرضه العالمي، والذي يدور كما نعلم عن بلد مستقبلي خيالي تم فيه تحريم الكتب وقراءتها. كذلك نجد أخبارا عن فيلم «تكبير الصورة» أو «انفجار» للمخرج الايطالي مايكلانجلو أنطونيوني، والذي أثار ضجة هائلة بسبب مشاهده الجريئة. 1968 هو أيضا عام تصاعد ثورة الأمريكيين الأفارقة للمطالبة بالمساواة، واغتيال زعيم الحركة مارتن لوثر كينج. يتصدر رسم لكينج بريشة عبد السميع غلاف العدد الصادر في 15 إبريل، يحمل «شعلة الحرية السوداء التي أحرقت أمريكا!» كما يقول تعليق الرسم، ويحتوي العدد على ملف عن الجريمة وما يجري في الولايات المتحدة عقب اغتيال كينج.

 

لم تكن المجلة بعيدا أيضا عن حركات الشباب في أوروبا وأشهرها ظاهرة «الهيبيز» التي نشرت المجلة واحداً من أوائل التحقيقات عنها في عدد 7 أكتوبر تحت عنوان «الهيبز ألغاز تمشي في الشوارع» يحتوي على رسومات بديعة لرءوف.

 

سبعينيات التحرر والتزمت

 

خلال السبعينيات حافظت المجلة على خطها الليبرالي التثقيفي، مدافعة عن الأفلام والمسرحيات التي تمنعها الرقابة سواء المصرية أو الأجنبية. على سبيل المثال نجد في العدد 2296 الصادر في 13 مايو 1974، مقالًا يدافع عن الفيلم الفرنسي السياسي «اغتيال» إخراج إيف بواسيه الذي منعته الرقابة، وفي العدد نفسه حوار مع الكاتب المسرحي محمود دياب الذي يمنع إنتاج مسرحياته لأسباب «غير مفهومة». وفي العدد التالي مقال ينتقد موقف الرقابة من فيلم «زائر الفجر» للمخرج محمود شكري، الذي منعته الرقابة لشهور طويلة جدا ما أدى إلى مرض مخرجه ووفاته، والذي تنعاه المجلة بالفعل بعد أسبوعين، في عددها الصادر في 2 يونيو. وقبل أن ينتهي العام كانت المجلة تتصدى مرة أخرى للدفاع عن فيلم «العصفور» ليوسف شاهين ضد الحملة التي شنها عليه البعض بتحريض من وزير الثقافة آنذاك يوسف السباعي، الذي ألغى جائزة الدولة بعد حصول الفيلم عليها، في إطار حربه «الماكارثية» ضد اليسار. وبعد عدة أسابيع في عدد 2 أكتوبر أجرت المجلة حواراً مع مخرج «العصفور» يوضح فيه موقفه مما حدثمع فيلمه.

 

 

 

محاكمة العقل العربي

 

على مدار الأعداد التالية تخصص «روزاليوسف» حملة فكرية تحت عنوان «محاكمة العقل العربي» يشارك فيها زكي نجيب محمود، فؤاد زكريا ويوسف إدريس، يطرح كل منهم وجهة نظره وانتقاداته للعقل العربي، تعد من أوائل وأهم الحملات الفلسفية التي تجريها مجلة أسبوعية شاملة.

 

وكعادة المجلة في الاستعانة بكبار الأدباء والنقاد يمكن أن تجد أسماء أدباء مثل إدوار الخراط وصلاح عبد الصبور وعلي الراعي، والناقد السينمائي رفيق الصبان، اللذين بدآ في كتابة مقالات للمجلة بشكل شبه منتظم.

 

على مدار أربعة أعداد من شهر سبتمبر قام صلاح حافظ باجراء حوار طويل مع وزير الثقافة تحت عنوان «يوسف السباعي يتكلم لمدة شهر» (!)، فيه أقوى مواجهة ونقاش حول الثقافة والفنون بأنواعها، وهو حوار يمكن تدريسه لمن يرغبون في تعلم فن الحوار والمواجهة الصحفية.

 

كان النصف الثاني من السبعينيات أليماً على الاقتصاد والسياسة والثقافة في مصر. وقد تعرضت «روزاليوسف» لضربة قوية على أثر انتفاضة 1977 وموقفها الراسخ بأنها كانت اعتراض شعب جائع وليس انتفاضة حرامية، مما دفع السادات إلى الإطاحة بقيادات المجلة عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح حافظ وفتحي غانم. ولكن مع بداية الثمانينيات وانكشاف الوجه القبيح والعنيف للجماعات «الإسلامية» المتطرفة، وتوغلهم في الحياة المصرية وعقول المصريين بدأت بوادر المواجهة الدامية بين «روزاليوسف» و«الإسلامجية».

 

الثمانينيات .. بداية المواجهة

 

ظل موقف المجلة من حرية التعبير ثابتا رغم التغيرات الكبيرة التي حدثت في إدارة المجلة («التخلص» من المحررين المتهمين بالانتماء لليسار وتعيين عدد  من أهل «اليمين» المحافظين والمطبلين)، إلا أن المجلة استطاعت، رغم كل شيء، أن تصبغ القادمين بطابعها.

 

مع بداية الثمانينات بدأت حرب الجماعات المتطرفة ضد الفنون والثقافة، ومن بين أساليبهم التسلل إلى صفوف القضاة ورفع الدعاوى القضائية ضد الأفلام. وكان من ضحايا هذه القضايا عادل إمام وفيلم «الأفوكاتو» ورأفت الميهي وفريق عمل فيلمه «للحب قصة أخيرة». تصدت المجلة بشكل موازٍ لتضييق الحريات من قبل الدولة، كما حدث خلال أزمة قانون النقابات 103 واعتصام الفنانين في نقابة الصحفيين في 1987.

 

موقف «روزاليوسف» الواضح والشجاع ضد أعداء الفن والحرية تجلى كأفضل ما يكون في الرحلة التي خاضتها المجلة مع النجم عادل إمام إلى أسيوط (معقل الحركات المتطرفة في ذلك الوقت) لعرض إحدى مسرحياته هناك على مسرح الثقافة الجماهيرية. وقد نشرت المجلة في عددها الصادر في 6 يونيو 1988 تغطية للزيارة، أعقبتها في العدد التالي بتغطية أشمل وحوار مع عادل إمام، وتصدر غلاف المجلة رسم كاريكاتيري لعادل إمام يحطم الأغلال (في إشارة إلى استخدام الجماعات المتطرفة للجنازير في هجومها على المسارح ودور العرض) مع عنوان بالبنط العريض: «المواجهة». وهو العنوان الذي استخدمته الدولة بعد ذلك لاصدار سلسلة من الكتب التنويرية المهمة.

 

التسعينيات الدامية

 

 

 مع دخول مصر إلى التسعينيات محملة بتوابع احتلال العراق للكويت وحرب الخليج الثانية وتصاعد عنف الحركات المتطرفة والأفكار المتخلفة واصلت المجلة، وحيدة تقريبا، معركة الحرية والإبداع. وكان من الأعمال التي دافعت عنها المجلة بجسارة  فيلم «القاهرة منورة بأهلها» ليوسف شاهين، الذي كان يتعرض لحملة هجوم شرسة شنت ضد الفيلم وصاحبه من قبل الرجعيين والمحافظين والوسطيين عقب عرضه الأول في مهرجان «كان» وشارك في هذه الحملة، للأسف، وسائل الإعلام القومية وكتاب ونقاد كبار كانوا لا يزالون يغازلون تيارات الإسلام السياسي، وإن كان ذلك سيتغير لاحقا، عندما أدركوا مدى عنف وخطورة هذه التيارات، وسيبدأن في السير على نهج «روزاليوسف». بداية من 1991 دأبت المجلة على إصدار عدد سنوي خاص عن السينما. هذه الأعداد وثائق تاريخية عن الفن في التسعينيات وأيضاً عن موقف «روزاليوسف» الثابت في الدفاع عن حرية التعبير والتجارب الفنية الجديدة والسينمائيين أصحاب الرؤى والأسلوب، وعن الفن بشكل عام الذي كان يتعرض لأشرس حملة تحريم في تاريخه.

 

يحمل غلاف عدد السينما الصادر في 9 ديسمبر 1991 صورة من فيلم «يا مهلبية يا» لشريف عرفة، وعنوان شامل يقول: «المعارضة بالسينما! حب.. حرية.. مهلبية».

 

ويحتوي العدد على حوارات وتحقيقات عن جيل الثمانينات وأفلامهم. ومقال عن ضرورة المغامرة (بقلم رءوف توفيق) وآخر عن أهمية الاعتماد على الأدب (فتحي غانم) وثالث عن ضرورة أن تحطم السينما المصرية قيود الرقابة والخوف (عادل حمودة)، كما يحتوي على تغطية شاملة لفعاليات مهرجان القاهرة السينمائي يغلب عليها النقد لسلبيات المهرجان.

 

 

في 26 نوفمبر 1992 يصدر عدد السينما بغلاف يحمل صورة يسرا من فيلم «الإرهاب والكباب» وعنوان شامل يقول: «65 سنة سينما. حكام يمثلون ونجوم يحكمون». ويتصدر الملف كاريكاتير بديع للفنان بهجت عثمان على صفحة كاملة عبارة عن برواز على الحائط يحمل صفحة بيضاء مكتوبًا عليها زبيبة. حاجب. عين. مناخير. بق. دقن طويلة. وتحتها تعليق يقول: «صورة أمير دولة الإرهاب الديني (لأن التصوير حرام).

 

هذه المرة المواجهة مع الجماعات المتطرفة أكثر مباشرة وحدة. يحتوي العدد على موضوعات عن شرائط دعاة التكفير التي تحرض على قتل الفنانين والمفكرين، وعن الحرب ضد السينما في محافظات التطرف، كما يحتوي على حوارين مع المخرجين توفيق صالح وشريف عرفة، واحتفاء بنجوم العام عادل إمام ويسرا وموضوعات عن مشاكل صناعة السينما والفنانين الكبار الذين تعثرت مشاريعهم بسبب الانتاج وظروف السوق.

 

هكذا تواصل «روزاليوسف» دفاعها الثابت عن الفن والحرية خلال السنوات التالية. في نوفمبر 1995 يصدر العدد الخاص بعنوان «سينما المحرمات.. فساد وجنس وعفاريت». في العام التالي واحتفالاً بمئوية السينما المصرية يصدر العدد الخاص تحت عنوان «ما لن ينشره غيرنا..نجوم 100 سنة سينما»، معظمه احتفاء بكبار نجوم السينما المصرية وأهم أفلامها على مدار قرن.

 

تميزت فترة التسعينيات بالأعداد الخاصة في مختلف المجالات، خاصة الفنية والثقافية، وهي أعداد حققت مبيعات هائلة، حيث كانت المجلة تختفي من الأسواق بعد ساعات من صدورها، وأعتقد أن الكثيرين يحتفظون بهذه الأعداد حتى الآن. من بين هذه الأعداد  الخاصة «النصوص المحرمة» (الصادر في 17 يناير 1994) الذي قررت فيه المجلة أن تتحدى ظاهرة منع وحرق الكتب بنشر فصول من هذه الكتب الممنوعة مثل «ألف ليلة وليلة» و«آيات شيطانية» و«أولاد حارتنا» ومقال لفرج فودة (الذي اغتالته يد الإرهاب قبل عامين) وقصائد كانت ممنوعة لنزار قباني وأحمد فؤاد نجم، من بين نصوص أخرى.

 

بعد حوالي شهرين وفي العدد الصادر في 21 مارس، تنشر المجلة الفقرات المحذوفة من مسلسل «العائلة» الذي كتبه وحيد حامد، وكان من أوائل الأعمال (بعد «الأفيال» لفتحي غانم، والذي تعرض أيضاً لمجزرة رقابية) التي تعرضت للتطرف الديني في التسعينيات.

 

عهد جديد وعهد قديم

 

تعرضت المجلة لضربة أليمة أخرى في 1998، مع الإطاحة بقيادات المجلة، مرة أخرى، وتعيين إدارة محافظة موالية، ولكن مرة أخرى أثبتت «روزاليوسف» قدرتها على صبغ أي وافد إليها بطبيعتها المتحررة وواصلت المجلة مع دخول الألفية الجديدة دفاعها عن الفن والثقافة وحرية التعبير محافظة على العهد الذي قطعته السيدة فاطمة اليوسف مع قراء عددها الأول. ومن المعارك الشرسة التي خاضتها المجلة معركة وزير الثقافة فاروق حسني والحجاب في 2006، وفي الوقت الذي خذلت فيه مؤسسات الدولة نفسها (ممثلة في مجلس الشعب والحكومة) فاروق حسني، كانت «روزاليوسف» الوحيدة التي دافعت عن الرجل وموقفه. وهذه مجرد مواقف معدودة من عشرات المعارك الفنية والثقافية التي خاضتها المجلة على مدار قرن، والتي تحتاج إلى مجلد ضخم أو موسوعة يمكنها أن تسجل وقائع هذا التاريخ الذي يشرف اسم كل واحد ينضم إلى كتيبة هذه المجلة، وفي الوقت نفسه يضع عليه مسئولية وعبء الحفاظ على قيم ومبادئ روزاليوسف: الحرية، الثقافة، الفن، هم أساس بناء أي أمة سوية وسليمة.