 
                            محمد جمال الدين
تصنع الوعى.. وتقبل التحدى
معارك «روزاليوسف» ضد الإخوان
طوال مائة عام لم تكن هذه المطبوعة مجرد ورق يتضمن خبرًا من هنا أو خبرًا من هناك؛ بل كانت منبرًا حرًا للفكر، يحمل هموم الوطن بين سطور كلماته، منبرًا لم ولن يساوم يومًا بهذه الكلمات، لهذا كانت معركة الوعى والمواجهة والتصدى للأفكار الهدامة، منهجها على الدوام، واليوم تحديدًا وبعد مرور قرن كامل على صدورها، ما زال إرث الفكر والوعى والحرية والمواجهة الذى تبنته مستمرًا وسيستمر إلى أبد الدهر، لتثبت هذه المطبوعة أن الصحافة لم تكن يومًا مجرد خبر؛ بل هى رسالة ومسئولية تاريخية للأجيال الجديدة.
لذلك ولأجله كثير عشقتُ هذا الكيان ولم يخطر بذهنى يومًا أن أعمل فى مكان آخر، تنقلت خلالها بين جميع أقسامها؛ تحقيقات وفن وثقافة وأدب ورياضة ثم ديسك، حتى شرفت بتولى منصب رئيس مجلس إدارة المؤسّسة، التى حلمت يومًا بأن أكون من ضمن العاملين فيها، بحكم كونى من سكان حى السيدة زينب فكثيرًا ما كنت أمر أمام مبناها العريق. (الذى أنجب للصحافة المصرية عمالقة وأساتذة تعلمت منهم أجيال أخرى عديدة مثل محمد التابعى وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وكامل زهيرى وفتحى غانم وصلاح حافظ وغيرهم كثر).
وبالفعل تحقق الحلم وضمتنى جدرانه متدربًا، ثم صحفيًا بفضل أستاذى ومعلمى محمد عبدالمنعم حينما قام بتعيينى، رحلة طويلة مررت بها، ولكن تظل مرحلة رئيس مجلس الإدارة لها الأثر الكبير على نفسى والصدى الأكبر على حياتى المهنية فى هذه الدار العريقة. رغم أننى توليت المنصب فى ظروف صعبة كانت تمر بها مصر. عقب ثورة 25 يناير.
حينها أخذت على نفسى عهدًا وبمشاركة فعالة من صديقى أسامة سلامة رئيس تحرير المجلة، أن نتمسك بإرث ومنهج المجلة الذى كان طريقها الوحيد منذ صدور عددها الأول، فكانت الحقيقة ونشر الوعى والمواجهة والتصدى للأفكار الهدامة والفكر السلفى الذى كان طاغيًا فى هذا الوقت، بخلاف مواجهة أصحاب الفتاوَى الشاذة والمتاجرين بالدين، وأعتقد جازمًا أننا نجحنا وبفضل جميع الزملاء فى المطبوعة فى التصدى لهذا الفكر والأفكار الهدامة التى شاعت فى هذا الوقت، الذى تبنته جماعة الإخوان المحظورة، التى سأختص فى هذه السطور ما تعرضت له مطبوعتنا المحبوبة، رغم أنها كثيرة ومتعددة؛ خصوصًا أننى كنت شاهد عيان شخصيًا وبحكم منصبى لما يحاك لها من قبل هذه الجماعة. التى بذلت جميع جهودها للإساءة إليها والى العاملين فيها. بداية من محاولات استمالتها إلى صفهم، مرورًا بمحاولة أسلمتها مثل أغلب مؤسّسات الدولة بما فيها المؤسّسات الصحفية، وصولا إلى وضع عراقيل متعمدة لإخفات صوتها. وهو ما تصدّت له مطبوعتنا التى نحتفل بمئويتها فى هذا العدد التذكارى؛ حيث أسند دور أسلمة وتأديب وتهذيب المؤسّسات الصحفية، وتحديدًا المتطاولين من أمثالنا فى روزاليوسف، إلى مهندس رى (يدعى فتحى شهاب) ليس له أى علاقة بالصحافة وفنونها، مهندس الرى المذكور تفنن سيادته وأعضاء جماعته، فى وضع معايير وشروط لمن يتولى منصب رئيس تحرير، من ضمنها أن يتقدم بطلبه لمجلس الشورى على أن يجيد المتقدم لهذه الوظيفة الكتابة، وأن يمتلك أرشيفًا صحفيًا مشفوعًا بسيرة ذاتية للحكم على مهنيته، لضمان تنفيذ ما يصبون إليه لتنفيذ مخططهم، وإقالته واجبة حال فشله، وأن يكون لديه حلول للتغلب على خسارة الإصدار فى حالة الخسارة لا سمح الله، وأن يمتلك القدرة على الإدارة الرشيدة، ولأن فاقد الشىء لا يعطيه؛ فوجئت وقتها أن هذا الشهاب(الخافت) يطلب تخفيض الكمية المخصصة للطبع، بحجة أن أعداد المرتجع فى ازدياد، وعندما ناقشته أمام رئيس مجلس الشورى وقتها (الدكتور أحمد فهمى) عن النسبة المقبولة بين المرتجع والمطبوع، لم يجب لأنه لا يعرف أساسًا ما يتحدث عنه، ثم عاد وطلب هو ورئيس مجلس الشورى غلق جريدة روزاليوسف اليومية لأنها تحقق خسائر، قلت لهما ما تطلبانه غير صحيح، وميزانية الجريدة تقول غير ذلك، ولكنهما تمسّكا بمطلبهما، هنا قلت لهما بصفتكما مُلاك المؤسّسات الصحفية القومية أعطونا قرارًا بهذا المعنى لكى يتم تنفيذ مطلبكم، فرفض رئيس الشورى كتابة قرار بذلك، خصوصًا بعد أن قلت له: بأننى لا يمكن أن يكتب فى مسيرتى المهنية وبصفتى الصحفية أن أتسبب فى غلق جريدة، وعاد هذا (الخافت) مرة أخرى واتهم المجلة والقائمين، دون باقى الإصدارات الصحفية، بأنها تهاجم جماعته دون وجه حق أو سند، وأكد هذا الكلام زعيم الأغلبية فى مجلس الشورى (على فتح الباب) فى حواره لجريدة أخبار اليوم حين قال: «إن مجلة روزاليوسف تعد أحادية التوجه ولا تجد فى مصر من تهاجمه سوى جماعة الإخوان ونوابها» ورغم أنه أعلن اعتذاره لـ«روزاليوسف» كمؤسّسة قومية؛ فإنه عاد وقال: «ولكنها تهاجم تيارًا معينًا على طول الخط وتخرج عن الموضوعية وجميع أعمدتها تهاجم الإخوان المسلمين»، وتمنى زعيم الأغلبية أن يرى فى «روزاليوسف» مقالًا واحدًا يؤيد الجماعة ويشيد بها وبإنجازاتها التى قدمتها لمصر.

ما قيل وقتها فى حق مطبوعتنا، جعلنا نرد على زعيم الأغلبية وعلى الخافت إياه وعلى كل من يدور فى فلكهما، قائلين لهما ولغيرهما لن تروا يومًا فى «روزاليوسف» مقالًا يبشّر أو يدعو لجماعة الإخوان المسلمين ما دامت الجماعة تدعو للدولة الدينية، كما أن سياستهم وأقوالهم تكشف عن كراهيتهم البالغة لفكرة الدولة المدنية التى تدعو لسيادة القانون والمواطنة التى يؤمن بها العاملون فى هذه المجلة والتى يؤمن بها غالبية المصريين. وتكرّر نفس الهجوم ولكن بطريقة أخرى، عندما جاء صحفى من نفس الفصيل (هارب الآن خارج مصر) يدعى (قطب العربى) يطلب إيجار مبنى القصر ليصبح مقرًا للمجلس الأعلى للصحافة وقتها، عارضًا مبلغًا زهيدًا لإيجاره، وعندما رفضت، أخبرنى بأنهم يستطيعون الحصول عليه مجانًا، بصفتهم المالكين للمؤسّسات الصحفية، فما كان منّى سوى تهديده بإخبار العاملين فى المؤسّسة عما يضمرون لها من نوايا خبيثة، قائلاً له بأنه غير مرحب به فى هذه المؤسّسة.
ونفس الحال تكرّر مع أصحاب الفكر السلفى والفتاوى الشاذة ومن يشعلون الفتن بين أبناء الوطن الواحد، تصدت لهم المجلة بجميع عناصرها، إيمانًا من دورها فى نشر الوعى ومواجهة جل ما يسىء لديننا الإسلامى الحنيف، ويشهد تاريخ هذه المجلة وعلى مر تاريخها، أن صفحاتها لم تهادن قَط مثل هذه التيارات المجرمة فى حق هذا الوطن.
بالطبع هذه المعارك والمواجهات الدائمة ونجاحنا التام فى التصدى لجل ما يسىء للوطن، أثر بشكل مباشر على مؤسّستنا وعلى إصدارها الرئيسى، فى تلك الفترة التى توليت فيها منصب رئيس مجلس الإدارة، لنحتل عن جدارة واستحقاق المركز الأول على جميع المؤسّسات القومية التى تحصل على (أقل) دعم مالى من مجلس الشورى المالك الفعلى للمؤسّسات القومية. لإعاقة مسيرتنا، مثلما سبق أن تعرضت المجلة لأزمات وضغوط مالية فى الماضى. ناهيك عن مصادرة العديد من أعدادها، ومع هذا لن تلين إرادتنا ولن نهادن أو نسير مع الموجة، سواء فى السابق أو الحاضر أو حتى فى المستقبل؛ بل استمرت المجلة فى أداء دورها المنوط وفق منهجها الذى يحمل هموم الوطن وأوجاعه نصب أعين القائمين عليها منذ انطلقت شرارة عددها الأول. ساهم فى هذا الحب والألفة وروح التعاون التى تجمع بين جميع أعضاء هذه الكتيبة صحفيون وعمال وإداريون، جميعهم يعشقون جدران هذا المبنى، الإخلاص فى العمل وبذل الجهد طريقهم، والحب والمودة شعارهم، لا فرق بين أكبر مسئول أو أصغر عامل، بتلك الروح تخطت مجلة «روزاليوسف» أغلب العقبات التى واجهتها، أثناء الفترة التى توليت فيها منصبى، وبالمناسبة هذا هو النهج نفسه الذى تسير عليه منظومة العمل سواء سابقًا أو لاحقًا.
الاحتفال بمئوية مجلتنا الحبيبة يُعَد بمثابة شهادة معتمدة وموثقة، على أن الصحافة الجادة، بمقدورها البقاء والتأثير مَهما تبدلت الظروف.
 
  
                                    
 
                        

 
                        







