محمد جمال الدين
حتى فى الرياضة..هناك معايير مزدوجة
فى سبعينيات القرن الماضى، رفع مجلس جنوب أفريقيا للرياضة آنذاك شعار: (لا وجود لرياضة طبيعية فى مجتمع غير طبيعى)، أثناء فترة التمييز العنصرى والجرائم التي ارتكبت فى حق الشعب الجنوب أفريقى والتي شملت الرياضة أيضا. وخلال تلك الحقبة ومع انقسام الرياضة فى جنوب أفريقيا وممارستها على أسس عنصرية، ارتفعت حدة حملات المقاطعة والاحتجاجات وباتت واقعًا، حتى بلغت ذروتها فى نهاية المطاف بعزل البلاد عن الرياضة الدولية، حين منعت اللجنة الأولمبية الدولية رياضيى جنوب أفريقيا من المشاركة فى أولمبياد طوكيو 1964 وحتى أولمبياد برشلونة 1992، وشملت العقوبات الأخرى طرد اللجنة الأولمبية الجنوب أفريقية عام 1970، والذي جاء بعد 11 عامًا من قرار الفيفا بطرد جنوب أفريقيا من منافسات كرة القدم الدولية التي يشرف عليها فى عام 1961.
مواقف وقرارات محترمة من مؤسسات ومنظمات وهيئات دولية، لا يسعنا سوى احترامها ودعمها والوقوف بجانبها على الدوام، حال تطبيقها على جميع الدول الأعضاء.. لهذا أتعجب بل أعلن عدم احترامها وافتقاد مثل هذه الهيئات للإرادة السياسية لتفعيل نفس القرارات التي اتخذتها مع قضايا الفصل العنصرى والتمييز الرياضى فى جنوب أفريقيا، إذا تعلق الأمر بما ترتكبه دولة الكيان العنصرى إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى. رغم أنه حال تطبيق نفس المعايير قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية فى باريس، لكان هناك عدل ومساواة، إلا أن اللجنة بررت استبعادها لجنوب أفريقيا بناءً على عقوبات الأمم المتحدة، وأن هناك فصلاً عنصريًا يمارس فى الرياضة أيضًا، فى حين أنها لن تتخذ قرارًا باستبعاد الرياضيين الإسرائيليين من المنافسات الدولية على غرار ما حدث مع الرياضيين الروس، وهذا تحديدًا ما جعل دولة جنوب أفريقيا تتقدم بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية فى ديسمبر 2023، متهمةً إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية فى غزة، كما أن جنوب أفريقيا وضعت قضيتها فى سياقٍ أوسع يتضمن نظام الفصل العنصرى الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين منذ 75 عامًا، ومع تفجر الصراع الحالى، دعا الرياضيون والنشطاء الفلسطينيون أيضًا اللجنة الأولمبية الدولية إلى تطبيق المعايير نفسها على إسرائيل واستبعاد رياضييها من دورة باريس 2024، إلا أن أعضاء اللجنة الموقرة غير المحايدة ردت على ما صدر عن المحكمة الدولية ببيان مخزٍ أوضحت فيه (أن اللجنة الأولمبية الإسرائيلية ملتزمة بالميثاق الأولمبى، وأن الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى عاشا فى أجواء سلمية داخل القرية الأولمبية فى باريس خلال منافسات الدورة) علما بأن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان سبق أن أرسلت رسالة مفتوحة إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك توماس باخ قبل إقامة الدورة، تطالب فيها اللجنة بأن تلتزم بمبادئ المساواة وحقوق الإنسان وعدم التمييز، من خلال التعامل مع الوضع الحالى بنفس القدر من الحزم والحيادية الذي أظهرته سابقًا، وبالمثل أرسلت بعثت اللجنة الأولمبية الفلسطينية برسالة إلى باخ تطالبه فيها بحظر إسرائيل من المشاركة، مشيرةً إلى القصف المستمر الذي يتعرض له قطاع غزة المحاصر يعد خرقًا للميثاق الأولمبى، كما أشارت الرسالة إلى معاناة الرياضيين الفلسطينيين، بما فى ذلك مقتل نحو 400 رياضى فلسطينى وتدمير المنشآت الرياضية، ولكن لم يستجب أحد، ما يؤكد أن هناك أطرافًا أو جهات لها مصلحة وثقل وتأثير فى عدم استبعاد إسرائيل، على أصحاب القرار فى تلك الجهات الدولية الرياضية، وإلا نالهم العقاب والويل والوعيد والتهديد، الذي نال من قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وبهذا سقطت عنهم صفة الحياد والعدل، التي تستخدم فقط عند اللزوم، مثلما حدث مع الرياضيين الروس الممنوعين من المشاركة فى المناسبات الرياضية الدولية تحت حجج ومزاعم واهية، فرضت على الرياضة من قبل قادة دول لهم مصالح وأهداف لا يعرفها سواهم.
بالمناسبة نفس الحال ينطبق على الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الأوروبى لكرة القدم (اليويفا)، لم يجرؤ مسؤول فيهما عن إصدار قرار باستبعاد رياضيى الدولة المجرمة إسرائيل من منافساتهما، وهذا ما جعل نجم منتخب فرنسا السابق ونادى مانشستر يونايتد (إيريك كانتونا) يقول خلال حفل افتتاح بطولة ويمبلى للتنس: (كرة القدم الدولية هى أكثر من مجرد رياضة، إنها تعنى الثقافة والسياسة.. إنها القوة الناعمة التي تمثل بها الدولة نفسها على المسرح العالمى. لقد حان الوقت لتعليق هذا الامتياز لإسرائيل) ثم عاد وأضاف قائلاً: (بعد أربعة أيام من بدء روسيا الحرب فى أوكرانيا، أوقفت الفيفا واليويفا مشاركة روسيا فى المسابقات الدولية. لقد مضى الآن 716 يوماً على ما وصفته منظمة العفو الدولية بالإبادة الجماعية ومع ذلك لا يزال يسمح لإسرائيل بالمشاركة. لماذا هذه الازدواجية فى المعايير؟ يجب على الفيفا واليويفا تعليق عضوية إسرائيل).
بالفعل هى المعايير المزدوجة، التي جعلت بعض الدول مثل إسبانيا تراجع قرار مشاركتها فى بطولة كأس العالم القادمة، حال مشاركة إسرائيل، وجعلت مدرب منتخب إيطاليا (جينارو جاتوزو) يقول عقب مباراة بلاده مع دولة الكيان: (أنا رجل أؤمن بالسلام، ما يحدث للمدنيين، خاصة الأطفال، فى مناطق النزاع أمر مؤلم للغاية، لا يمكننا تجاهل الجانب الإنسانى، حتى ونحن نمارس كرة القدم) معايير أصبحت تحكم جميع قرارات المنظمات الدولية سواء سياسية أو قضائية أو اقتصادية، وأخيرًا طالت الشأن الرياضى حين يتعلق الأمر بدولة الكيان المجرمة.







