اللواء نصر سالم: معاهدة السلام ليست خطيئة

آلاء البدرى
استعرض اللواء أ. ح. نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والخبير العسكرى والاستراتيجى، تقديرًا استراتيجيًا شاملاً لمعادلة الأمن القومى المصرى، محللاً حدود القوة والردع، ومحددًا اللحظة التى قد تضطر فيها مصر لاستخدام خيار الحرب.
وقال اللواء سالم فى تصريحات خاصة لمجلة «روزاليوسف»: «إن المشهد معقد للغاية؛ فالأمن القومى ليس مجرد شعارات؛ بل منظومة متكاملة: سيادة على الأرض، قدرات وطنية راسخة، وتأمين مستقبل الأجيال فى التعليم والصحة والغذاء، فى غزة نشهد أزمة مُرَكبة؛ إذ تتقاطع الاعتبارات الإنسانية مع الحسابات الأمنية والسياسية».
وأضاف: «مصر تدرك أن الحرب المفتوحة ليست الخيار الأمثل، فتكلفة يوم قتال واحد بين قوتين متقاربتين قد تعادل ميزانية تسليح كاملة لدولة، لذلك الرهان الحقيقى هو على الردع الذكى الذى يمنع العدو من التفكير أصلاً فى العدوان».
وحول تراجُع التنسيق الأمنى بين القاهرة وتل أبيب لأدنى مستوياته، أكد اللواء سالم أنه حين يتراجع مستوى التنسيق الأمنى، ترتفع مؤشرات الخطر، فغياب قنوات الاتصال يعنى غياب آليات الطمأنة التى تمنع الاحتكاك غير المحسوب.
وقد أثبتت التجارب أن أى شرارة صغيرة قد تنزلق إلى مواجهة واسعة إذا لم يكن هناك ضوابط متبادلة، بالنسبة لمصر، الأمن القومى خط أحمر، وكلما اقترب العدو من تجاوزه؛ يصبح الردع المباشر هو البديل.
وشدّد على أن معاهدة السلام ليست تنازلاً ولا رفاهية؛ بل أداة عملية لخفض احتمالات الحرب، ما دامت إسرائيل تحترم بنودها؛ فإن التزام مصر بها يخدم أولاً سلامة المواطن المصرى وحماية موارده، لكن إذا جرى تجاوز أو خرق جوهرى، سواء عبر تغيير خرائط الانتشار أو دفع نحو تهجير قسرى؛ فإن المعاهدة تفقد قيمتها، وتصبح المراجعة أو التعليق خيارًا مطروحًا؛ لأن الأمن القومى يعلو فوق أى نص.
ونوّه إلى أن مصر تتحرك وفق معادلة دقيقة، أهمها الحفاظ على قوتها الرادعة داخليًا، والانخراط فى مسارات دبلوماسية تخفض فرص النزاع خارجيًا، ونحن لا نسعى لحرب؛ لكننا نمتلك القدرة على خوضها إن فُرضت، فالجيش المصرى أثبت عبر تدريباته الداخلية ومناوراته الدولية أن جاهزيته راسخة، وأنه قادر على الردع والدفاع فى آن واحد.
وحول التكهنات الخاصة باحتمال انخراط مصر فى الحرب، أوضح الخبير الاستراتيجى أن ساعة الصفر ليست قرارًا عاطفيًا؛ بل لحظة تُفرَض حين يتعرض الأمن القومى لتهديد مباشر لا يمكن تجاوزه بالسياسة أو الردع غير المباشر، لا سيما إذا جرى المساس بالسيادة أو تهديد سلامة الأرض والشعب، عندها يصبح التحرك العسكرى واجبًا لا خيارًا.
ما دون ذلك؛ فإن أدوات السياسة والاستخبارات والمعاهدات تبقى الوسائل الأجدَى للحفاظ على مصالح الدولة.
واختتم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق حديثه بالحديث عن ضرورة تشكيل جبهة عربية موحدة؛ ليؤكد أن الفكرة ليست جديدة؛ بل تم طرحها فى مراحل سابقة، ووضعت لها دراسات هيكلية وتقنية.
لكن حساسية السيادة الوطنية والضغوط الخارجية لبعض الدول الشقيقة عطلت عملية التنفيذ، رغم ذلك؛ فإن أهميتها تظل استراتيجية؛ فهى تعنى بناء منظومة ردع جماعية تجعل أى عدو يفكر ألف مرة قبل الإقدام على المغامرة، جبهة عربية موحدة تعنى اقتصاديات أقوى، تسليحًا متكاملاً، وقرارًا سياديًا لا يُملى من الخارج.
ولفت إلى أن هناك معادلة واضحة، تؤكد أن الأمن القومى لا يُحمَى بالسلاح وحده ولا بالدبلوماسية فقط؛ بل بمزيج من الردع والطمأنة، من الاستخبارات الفاعلة والتعاون الإقليمى، ومعاهدة السلام ليست هدفًا بحد ذاتها؛ بل وسيلة لتفادى حرب لا رابح فيها، ما دامت تُحترَم من قِبَل الأطراف، أمّا إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء؛ فساعة الصفر قد تدق بلا إنذار مسبق.