
راندا رزق
اليونسكو والدفاع عن المضطهدين
اليوم الدولى لحماية التعليم من الهجمات يهدف إلى تسليط الضوء على هذا التحدى العالمى الذى يؤثر على ملايين الطلاب والمعلمين حول العالم. التعليم هو حق أساسى من حقوق الإنسان، وهو العمود الفقرى لبناء المجتمعات المستقرة والمزدهرة. لكن للأسف، فى العديد من المناطق المتأثرة بالنزاعات، يقع النظام التعليمى ضحية للهجمات العنيفة التى تعطل التعليم وتُعَرِّض حياة الأطفال والمدرسين للخطر.
تتعرّض المدارس والمعاهد التعليمية فى مناطق النزاع إلى الاعتداءات التى تشمل الهجمات المسلحة، استخدام المدارس كمواقع عسكرية، وتهديدات تطال سلامة الطلاب والمعلمين.. هذه الهجمات تؤدى إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة، مما يحرم الأجيال من فرص التعلم ويزيد من أعباء الفقر والبطالة فى المجتمعات.
من أبرز الأمثلة على هذه الهجمات ما حدث فى أفغانستان؛ حيث استهدف تنظيم طالبان عدة مدارس وقوامها التعليم؛ خصوصًا تعليم الفتيات، مما أدى إلى إغلاق عدد كبير من المدارس وقمع حق النساء فى التعلم.. كما شهدت مدارس فى سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية قصفًا متكررًا أدى إلى تدمير البنية التحتية التعليمية وتشريد ملايين الأطفال.
الهجوم على التعليم فى أفغانستان تفاقم بعد سيطرة طالبان فى أغسطس 2021؛ إذ حظرت تعليم الفتيات بعد الصف السادس ومنعوا النساء من الجامعة.. فى مارس 2023 تم حرق مَدرستين للبنات فى محافظتىّ فارياب وباكتيّا، ومَدرسة للأولاد فى بانشير، ضمن هجمات متكررة منعت ملايين الفتيات من استكمال تعليمهن.
الهجمات تشمل حرق المدارس، اعتقال المعلمين، وكذلك فرض اختبارات دينية صارمة على المدرسين لطرد ذوى الخبرة واستبدالهم بمتعلمين فى الكتاتيب فقط.. هذه الإجراءات أدت لتدهور التعليم وتفاقم الأوضاع النفسية للطالبات والمُعلمات.
كذلك؛ فى منطقة الساحل الإفريقى، تتكرر الهجمات على المدارس من قِبَل مجموعات مسلحة؛ حيث تُستخدم المدارس كمواقع لعمليات عسكرية، أو يتعرض الطلاب للاختطاف، مما يخلق مناخًا من الخوف يبعد الأطفال عن مقاعد الدراسة.
استجابةً لهذا الوضع؛ أقرّت الأمم المتحدة يوم 9 سبتمبر اليوم الدولى لحماية التعليم من الهجمات، بهدف تعزيز وعى الحكومات والمجتمع الدولى بأهمية حماية المدارس وضمان استمرار التعليم حتى فى أوقات النزاع.
ولضمان حماية التعليم، من الضرورى أن تبنى وتفعيل اتفاقيات دولية لحماية المنشآت التعليمية، ومتابعة ورصد الانتهاكات ضد حق التعليم وتوثيقها، وتوعية الأطراف المتنازعة بأهمية الابتعاد عن استهداف المدارس، وكذلك توفير الدعم النفسى والتعليمى للأطفال المتضررين، وتعزيز التعاون الدولى لدعم البنية التحتية التعليمية فى المناطق المتأثرة.
إن حماية التعليم من الهجمات ليس فقط مسألة إنسانية؛ بل استثمار فى مستقبل الأجيال وبناء السلام والاستقرار.. التعليم هو المفتاح للخروج من دائرة العنف والفقر، لذا فإن حمايته تجب أن تكون أولوية قصوَى للجميع.
ولذا تقوم منظمة اليونسكو بدور قوى فى حماية التعليم حول العالم؛ خصوصًا فى مناطق النزاع.. تركز فى جهودها على مراقبة وتوثيق الهجمات، وتوثق الهجمات على المدارس والمعلمين ونشر تقارير لزيادة الوعى العالمى، والدعوة لقوانين حماية التعليم من خلال دعم تطبيق اتفاقيات دولية مثل اتفاقية فيينا لحماية المنشآت التعليمية، وتوفير الدعم النفسى والتعليمى من خلال إدارة برامج تعليمية وورش عمل للأطفال المتأثرين بالأزمات لتخفيف الصدمات النفسية وضمان استمرار التعلم، بالإضافة إلى التعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية لتعزيز سياسات حماية المدارس وضمان بيئة تعليمية آمنة.
اليونسكو أطلقت مبادرة «حماية التعليم» التى تجمع الحكومات والمجتمع المدنى لتفعيل إجراءات صارمة لمنع استهداف المدارس.. هم مثلًا قدّموا دعمًا واسعًا لأفغانستان وسوريا لضمان حق الأطفال فى التعلم رغم الظروف الصعبة.