السبت 20 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

كيف نجحت القاهرة فى إدارة الملف النووى الإيرانى

وساطة الثقة تفتح نوافذ الحوار بين طهران والغرب

بين ضجيج التهديدات النووية، وتراكم الشكوك بين إيران والغرب، اختارت مصر أن تتكلم بلغة العقل، وفى وقتٍ تضيق فيه مساحات الحوار، وتتسارع فيه خطوات التصعيد فاجأت القاهرة الجميع باستضافة لقاء ثلاثى جمع الرئيس عبد الفتاح السيسى بوزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، لتطلق بذلك شرارة تفاهم جديد، يعيد ترتيب أوراق واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا على الساحة الدولية (الملف النووى الإيراني) على طاولة الحوار، لا المواجهة.



 

اللقاء الذى احتضنته القاهرة فى مشهد سياسى استثنائي، لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل كان تحولًا نوعيًا فى مسار الأزمة الإيرانية، خاصة حينما أسفر عن إعلان باستئناف التعاون بين طهران والوكالة، بعد قطيعة كادت أن تتحول إلى صدام مفتوح، ليُتوج الإعلان تحركات دبلوماسية هادئة تقودها القيادة السياسية المصرية، مدفوعة برؤية استراتيجية لاستقرار الشرق الأوسط.

وعليه، عبر الرئيس السيسى عن تقديره العميق للدور الحيوى للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى دعم منظومة عدم الانتشار النووي، مؤكدًا فى الوقت ذاته على حق الدول الأطراف فى معاهدة عدم الانتشار فى الاستخدامات السلمية للطاقة. 

وكرر «عراقجي» و «جروسي» شكرهما للرعاية المصرية التى لم تقتصر على الوساطة فقط، بل كانت بمثابة جسر أمل يعيد ترتيب أوراق الحوار.

 الثقة أساس الوساطة

يقول السفير خالد عمارة، رئيس بعثة رعاية المصالح المصرية السابق فى إيران، فى تصريحات خاصة لمجلة روزاليوسف، إن بداية الأمر تأتى من موقف مصر الواضح والصريح فيما يخص إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والقاهرة لديها -أيضًا- تعاون ومواقف متطابقة مع إيران فى هذا الاتجاه.

وأوضح «عمارة» أن الدولتين تطالبان بعدم ازدواجية المعايير فى التعامل مع المعايير الدولية بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، مشيرًا إلى إسرائيل التى لم توقع على معاهدة عدم الانتشار النووي، وتمتلك أسلحة دمار شامل لا يوجد عليها رقيب، أو يُنفذ بحقها عمليات تفتيش أو تحقيق.

كما أكد أن الوساطة تأتى نتيجة الثقة التى تحظى بها الدولة المصرية، من قبل المنظمة الدولية للطاقة الذرية وإيران، بما يمهد لعودة العلاقات بين طهران والوكالة.

واعتبر أن رسالة إيران من عودة مسار المفاوضات، هى التأكيد على ثقتها بالدولة المصرية، لأن جهود القاهرة وطنية خالصة، وتحظى بقبول دولي، وليس لديها نوايا من تلك الوساطة.

أما فيما يخص توقيت عودة مسار المفاوضات -بوساطة مصرية- فوصفه السفير «عمارة» بأنه بالغ الأهمية، نظرًا للتصعيد الجارى فى منطقة الشرق الأوسط، وما يحدث فيها من مشروع أمريكى يسعى لتغيير شكل المنطقة، وإعادتها وفقًا للرؤية الأمريكية، بهدف تفتيت الدول الكبرى.

إزالة المخاوف من نشوب حرب جديدة

من جانبه، أوضح سعيد شاوردى المحلل السياسى من «طهران» فى تصريحات خاصة لمجلة «روزاليوسف»، أن مصر نجحت نجاحًا كبيرًا عندما استضافت وزير الخارجية الإيراني، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والإعلان عن الوصول لاتفاق لعودة المفاوضات والتعاون بين الطرفين، بترتيبات دعمها الرئيس السيسي. 

وأكد أن نجاح الوساطة اختراق كبير سيذكر لمصر، خاصة بعد القلق الكبير الذى اجتاح المجتمع الدولي، إثر اتجاه الأمور نحو التصعيد والتوتر بين إيران والدول الأوروبية، بعد فشل الاجتماعات بين الطرفين، مشددًا على أن  الدولة المصرية استطاعت من خلال دبلوماسيتها النشطة إزالة الخوف والقلق فى حرب قادمة بالمنطقة.

وقال «شاوردي» إن إيران كانت دائمًا تبحث عن عودة العلاقات مع مصر، وفى الآونة الأخيرة وبعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم، وفر ذلك أجواء إيجابية للعلاقات بين البلدين، وهو ما دفع إيران -من وجهة نظره- للترحيب بالسياسة المصرية، وترى إيران أن مصر دولة مرشحة للعب دور إيجابى فيما يخص الملف النووي، والمفاوضات بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأوروبا والولايات المتحدة، وذلك لأن مصر تسعى بنوايا جادة وحسنة للوصول إلى اتفاق جديد، بهدف خفض التوتر فى المنطقة وبين إيران والدول الغربية.

كما اعتبر أن مصر لا تريد أن تعود الحرب بين إيران وإسرائيل مرة أخرى، بعد أن كاد الأمر يخرج عن نطاق السيطرة خلال الحرب السابقة، خاصة فى ظل الأجندة الاقتصادية الطموحة التى تتبناها الدولة المصرية، وتحتاج لاستقرار المنطقة.

وأشار «شاوردي» لوجود نقطة أساسية مشتركة بين مصر وإيران، وهى تأكيد الدولتين على ضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، خاصة أن امتلاك الاحتلال الإسرائيلى أسلحة نووية، يمثل خطرًا مباشرًا، فى ظل عدم احترام الاحتلال للقانون الدولي.

 إنجاز مهم 

وقال مختار حداد، المحلل السياسى من طهران، فى تصريحات خاصة لمجلة «روزاليوسف»، إن مصر دولة كبيرة، لديها دور مهم فى المؤسسات والمنظمات الدولية.

 وأوضح أن إيران -حتمًا- ترحب بالدور المصري، الذى يهدف لتحقيق تهدئة فى منطقة تسعى الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلى لاستمرار التوترات بها، مستدلًا فى ذلك بالعدوان الإسرائيلى الأخير على قطر.

كما أكد أن إيران لديها ثقة فى مصر باعتبارها دولة شقيقة، فضلًا عن وجود علاقات تاريخية بين البلدين، ما يدفعها لقبول الوساطة، كما أن مصر دولة مهمة فى المنطقة والعالم الإسلامي.

واعتبر أن إشادة الرئيس السيسى بالاتفاق، تعنى أنه إنجاز مهم، ليس لأنه رئيس أهم دولة عربية فحسب، بل لأن تصريحاته تؤكد ضرورة التعاون من أجل الاستقرار فى المنطقة. 

وأضاف «حداد» أن رسالة طهران هى التأكيد على ثقتها بدول المنطقة، وخاصة مصر، لأن الدول الغربية – من وجهة نظره- ليست وسيطًا محايدًا، كما أنها متأثرة بسياسات الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلى.

تجفيف منابع التوترات

من جانبه أوضح إبراهيم شير الباحث فى الشئون الإيرانية من طهران، فى تصريحات خاصة لمجلة «روزاليوسف»، أن مصر دائمًا ما تلعب الدور الحاسم سياسيًا فى الإقليم، فى محاولة لتجفيف منابع التوترات، وأكد أن القيادة المصرية لديها رؤية بأنه يجب أن تكون المنطقة خالية من التوترات، تجنبًا لأزمات يصعب احتواؤها. 

وقال إنها ليست المرة الأولى التى تلعب فيها القاهرة دورًا أساسيًا فى تقريب وجهات النظر الإيرانية مع المجتمع الدولي، وهو ما يُقدر فى طهران. 

كما أوضح أنه بعد الفجوة الكبيرة التى حدثت بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، استطاعت الدولة المصرية تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وبالتالى ينعكس ذلك على بقية الملفات بالتبعية.

وأكد أن الرئيس السيسى لعب دورًا إيجابيًا فى العديد من الملفات والتوترات فى المنطقة، وكان دوره محوريًا، وجميع ما خرج من أفكار ومعطيات إيجابية فى هذا الاتفاق، تم بصياغة من الرئاسة المصرية بالدرجة الأولى، فيما يُمكن تسميته (السهل الممتنع).

كما اعتبر أنه لم تستطع أى دولة فهم الأزمة الإيرانية بصورة واقعية سوى مصر، وهى أحد الأسباب التى دفعت طهران لقبول وساطتها، والسبب الآخر إيصال إيران رسالة مفادها بأنها لم تعد تثق فى الدول الأوروبية، ولن تتحاور معها بصورة مباشرة. وعليه ستكون القاهرة هى من ستحتضن وترعى المفاوضات.