الإثنين 22 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

وفد إعلامى سودانى فى ندوة بــروزاليوسف

مصر غيّرت الكفة لصالح السودان

«اخترت توصيف زيارتى لمصر بـ«العمرة المجازية».. هكذا عبر أحد أعضاء الوفد الإعلامى السودانى عن مشاعره تجاه مصر، ووصفها بأنها الأرض المقدسة فى وجدان السودانيين، وهوى أفئدتهم منذ القدم.. فلم تكن الكلمات مجرد مجاز، بل كانت مدخلًا روحانيًا لتجسيد العلاقة الأزلية التى تربط بين شعبى وادى النيل، والتى تتجاوز المصالح والسياسة إلى حميمية الجغرافيا ودفء التاريخ. 



فى أروقة مجلة «روزاليوسف»، حل الوفد الإعلامى السودانى ضيفًا، لا ليحكى فقط، بل ليفتح قلبه، وينثر ما بداخله من رؤى، ومواقف، ومشاعر، تجاه الوضع الراهن فى السودان، بعد عامين وأربعة أشهر مرت على اندلاع الحرب، وبوادر التعافى بدأت تطل، خاصة مع عودة آلاف النازحين طوعًا إلى قراهم ومدنهم، وأبرز التحديات لا تزال قائمة، والمخططات لم تنته بعد، فضلًا عن تسليط الضوء على العلاقات المصرية السودانية التى تشهد -كعادتها- مرحلة من التلاحم والدعم الصريح. 

أعضاء الوفد الذى ضم نخبة من الإعلاميين السودانيين، وهم: نائب رئيس اتحاد الإعلاميين الأفارقة بالسودان الدكتور عبدالله محمد علي؛ ورئيس تحرير (الحاكم نيوز) السمانى عوض الله؛ ورئيس تحرير (فجر السودان) مأمون علي فرح؛ والكاتب ومقدم برامج فى قناتى (البلد، وأم درمان) بكرى المدنى، كشفوا خلال اللقاء عن المشهد السودانى كما هو، بلا تجميل، لكنه مفعم بالأمل.

سند حقيقى وموقف تاريخى

كان الموقف المصرى الداعم للسودان الشقيق حاضرًا بقوة فى حديث الندوة، حيث وصف الكاتب بكرى المدنى الموقف المصرى بأنه من أفضل المواقف على الساحتين الإقليمية والدولية؛ وذلك من خلال عدة شواهد، يأتى على رأسها أن ملايين السودانيين يعيشون فى مصر بلا تضييق أو تمييز. 

كما أشار للدور المصرى -الذى وصفه بالحاسم- فى دعم السودان على المستوى السياسى؛ موضحًا أن الدولة المصرية وقفت بقوة فى وجه محاولات عزل شقيقتها الجنوبية، أو فرض واقع دولى جديد يخدم الميليشيات، من خلال تأكيدها على أهمية وشرعية مؤسسات الدولة السودانية، والتصدى لجميع المخططات التى لم تكن تصب لصالح السودان بشكل حازم.

وقال «المدنى» خلال لقائه بـ«روزاليوسف»: إن الموقف المصرى لم يتوقف عند هذا الحد، إذ قامت بتعديل الكفة لصالح السودان فى المقام الأول، حتى وإن جاء ذلك على حساب المصالح المصرية نفسها، ما جعل الشعب السودانى يشعر بامتنان كبير للدور المصرى.

أما فيما يخص الرؤية المصرية لحل الأزمة السودانية، فقد جاء من خلال 4 مسارات: (أمنى، سياسى، إنسانى، وإعادة الإعمار)، حيث أكد «البكرى» أن هذا المشروع يعد سودانيًا خالصًا؛ منوهًا -فى هذا الصدد- لفهم القاهرة الجيد لتعقيدات الخرطوم أكثر من أى طرف آخر.

 

بين ركام المعارك ومشاهد التعافى

وفى خضم الحديث عن الشأن السودانى، برز التساؤل الأهم، انطلاقًا من الموقف الحالى، وهو أين يقف السودان الآن؟ 

وفى هذا الصدد.. قال الدكتور عبدالله محمد علي، رئيس اتحاد الإعلاميين الأفارقة بالسودان: إن هناك مسارين مؤثرين فى الواقع السودانى؛ مشيرًا للمسار العسكرى الذى فرض نفسه بقوة على الأرض، بعد أن استطاع الجيش السودانى استعادة السيطرة على أكثر من 75% من الأراضى؛ فيما بقيت ولاية دارفور خارجة عن السيطرة الكاملة، باستثناء إقليم دارفور ومدينة الفاشر، التى تدار فيها المعارك الآن؛ مؤكدًا أنه حتى هذا اليوم هناك انتصارات متجددة للقوات المسلحة، كما أنها تملك زمام المبادرة بعد أن كانت محاصرة. 

وفى سياق الحديث عن أوضاع ميليشيا الدعم السريع، أعرب «علي» عن رأيه أن الحرب فى السودان ليست مجرد صراع داخلى، بل هى مشروع لا ينفصل عن «المشروع الصهيونى للشرق الأوسط والتمدد فى إفريقيا»؛ معتبرًا أن موقع السودان فى منطقة البحر الأحمر يشكل واحدة من مطامع التمدد الصهيونى، والميليشيا أيضًا، التى اعتبرها يدًا من أيادى المخطط الصهيونى، الذى يهدف إلى تفتيت الدولة ونهب ثرواتها. 

ومع ذلك، أكد «علي» أن انتصارات الجيش السودانى فرضت واقعًا جديدًا، إذ أوضح أن الواقع العسكرى كان له تأثير كبير على الميدان السياسى.. بشكل أكثر وضوحًا، مؤكدًا أن التحول العسكرى فى المشهد السودانى غيّر موازين السياسة داخليًا وخارجيًا، بعد أن كانت هناك رهانات من أطراف داخلية وخارجية على انتصار الميليشيا، مدفوعة بمخططات خارجية لا تُخفى على أحد.

وعلى الصعيد الداخلى، أشار رئيس اتحاد الإعلاميين الأفارقة بالسودان، إلى تعيين الحكومة المدنية، التى يترأسها كامل إدريس، الذى وصفه بأنه رجل مهنى، وله علاقات ممتدة بالمجتمع الدولى، وهو ما انعكس إيجابيًا على علاقات السودان الخارجية، التى باتت تتشكل من جديد؛ مستدلًا بموقف الاتحاد الإفريقى الأخير، الذى غير موقفه من الدولة السودانية بنظرة إيجابية إلى جانب كل من: مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبى، وجامعة الدول العربية، الذين عززوا جميعًا من موقفهم تجاه السودان.

من جانبه، أعرب بكرى المدنى عن رأيه بأن الموقف العسكرى السودانى فى وضع جيد؛ إلا أنه توقع ألا تكون الحرب فى دارفور سهلة، لأنها تحتوى على مواقع حاضنة للميليشيا، إلى جانب طبيعتها المعقدة، فى ظل وجود دول تمد (الدعم السريع) بالمرتزقة، قائلًا: «نحن على شفا حرب شرسة أو مفتوحة إذ لم تبدل الدول الداعمة لميليشا الدعم السريع مواقفها.

 ارتباك الأحزاب ووحدة الشعب

أما فيما يخص محاولات حل الأزمة، فقدم مأمون علي فرح، رئيس تحرير (فجر السودان)، وصفًا تحليليًا للمشهد السياسى الداخلى للسودان، إذ أوضح أن الأحزاب تعانى من الانقسام، والضعف، والتخبط؛ إلا أنه أكد -فى المقابل- أن الرأى العام السودانى موحد خلف الجيش، ويؤيد أقسى درجات الحسم العسكرى فى تلك المرحلة، نظرًا لما خلفته ميليشيا (الدعم السريع) من فوضى ودمار؛ مضيفًا أن الرأى العام لا يثق فى أى حوار، أو تسوية مع الميليشيا باعتبارها إرهابية.

وبالنسبة لتحركات الولايات المتحدة لحل الأزمة السودانية، رأى فرح، أنها لا تزال خجولة وضعيفة التأثير؛ مضيفًا -فى الوقت ذاته- أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تسعى لوقف الحرب.

باختصار.. وصف فرح المشهد السياسى الداخلى بأنه ضبابى إلى حد كبير، مشيرًا إلى صعوبة اتفاق كل الأطياف على أجندة واحدة؛ بينما يتفق الجميع فى المشهد الأمنى على ضرورة إنهاء الحرب والتعامل بحسم مع الميليشيا.

الهدف من قرار الجيش بإلزام الجماعات تحت قيادته

تطرق الحديث فى ندوة «روزاليوسف»، عن التطور الأخير بالمشهد السودانى، حينما تداولت بعض وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية تقارير تفيد بأن قائد الجيش السودانى عبدالفتاح البرهان يلزم جميع قوات الحركات والمجموعات المسلحة الحليفة للجيش بأن تخضع للقوات المسلحة.

وفى هذا الصدد.. أعرب «بكرى المدنى» عن اعتقاده أن قرار القيادة السودانية الذى يلزم كل التشكيلات المسلحة أن تخضع لقانون القوات المسلحة للدولة، قد أسىء فهمه وأنه قرار ليس له علاقة بـ(اتفاق جوبا)؛ موضحًا: «هناك خلط.. لأن القرار خاص بالتشكيلات التى قامت مع الحرب، وليس الجماعات المسلحة التى سبقت الحرب، فالحركات التى قامت مع الحرب معظمها لا ينطبق عليه مسمى حركة أو جماعة بالمعنى الدقيق.. كما أن هناك بعض المخاوف من الخلفية السياسية للمنتمين لبعض الحركات، ما يتطلب ضرورة خضوع تلك الحركات لقانون». 

من جانبه، علق السمانى عوض الله أن (اتفاقية جوبا 2020) نصت على بعض الترتيبات الأمنية التى تنظم علاقة الجماعات بالقوات المسلحة، منها إما أن يتم التسريح من الخدمة، أو الضم إلى وحدة من الوحدات العسكرية، سواء كان فى الجيش، أو الشرطة، أو المخابرات؛ مضيفًا أن هذه الترتيبات الأمنية سيتم تنفيذها عقب الانتهاء من الحرب مباشرة. 

هل يكتفى الجيش السودانى بالانتصارات الأخيرة؟

من جهته، أكد دكتور عبدالله محمد علي أنه لا يعتقد ذلك؛ قائلًا، إنه: «رغم أن المعركة فى دارفور ستكون شرسة وفقًا لتعقيدات الأرض كما ذكرنا فى السابق، فإنه قد تحدث مفاجآت». 

كما توقع «علي»، أن يعلن عدد كبير من أبناء تلك المناطق الذين انضموا إلى ميليشيا (الدعم السريع) انسحابهم سريعًا مع تقدم الجيش السودانى وانتصاره؛ معتبرًأ أن انسحابهم يعنى سندًا شعبيًا جديدًا. 

وأكد نائب رئيس اتحاد الإعلاميين الأفارقة بالسودان، أن الشعب السودانى أصبح -آلان- هو الرافع والحاضن للقوات المسلحة السودانية؛ مشيرًا لوجود عدد كبير من المقاتلين الذين لا يسألون عن مرتبات، ولا مقابل؛ منوهًا -فى هذا السياق- إلى أن ذلك كان أحد أسباب قرار الجيش السودانى بأن تعمل الحركات الشعبية تحت قيادته، من أجل حماية المقاتلين من أبناء الشعب.

الوضع الإنسانى 

فى إطار الحديث عن تطورات السودان، لم يُنسى -بالطبع- أوضاع الشعب السودانى، خاصة مع رغبة العديد فى العودة الطوعية لوطنهم.

وفى هذا السياق.. أكد الوفد السودانى أن الوضع الإنسانى فى تحسن مستمر؛ مستدلين بعدة مؤشرات، أولها عودة المواطن السودانى من نفسه إلى وطنه؛ ثانيها عودة جميع مرافق البنية التحتية فى العاصمة «الخرطوم»، وكل من: «أم درمان، وشرق النيل، والجزيرة»، وأماكن أخرى.

كما أشاروا لوجود شركات تعمل فى صيانة بعض الجسور، واستقرار العملية التعليمية بشكل كبير؛ فضلًا عن توافر المواد التموينية، والغذاء، بعد أن كان الأهالى يعتمدون على إمدادات الجمعيات الخيرية؛ إلى جانب عودة المستشفيات للعمل مرة أخرى بعد خروجها عن الخدمة؛ مؤكدين أن الوضع أكثر استقرارًا.

لا تزال الأحلام ممكنة

وبعيدًا عن تطورات الأوضاع فى «السودان»، أعلن الوفد الإعلامى السودانى - على هامش الندوة- عن تدشين شبكة صحفية مصرية سودانية مشتركة، تحت مسمى «شمس»، تهدف إلى التصدى للتحديات المشتركة، التى تواجه كلاً من «مصر، والسودان»، خاصة أن العلاقات المصرية السودانية -من وجهة نظرهم- باتت مستهدفة، لاسيما العلاقات الشعبية، التى أصبحت فى مرمى الشائعات، التى تطلقها الكتائب الإلكترونية. 

كما أكد الوفد السودانى فى حديثه لـ«روزاليوسف»، أن الأحداث المتجددة المتسارعة تحتم توحيد الجهود والكلمة، من أجل خدمة مصلحة شعبى (وادى النيل)؛ موضحين أن اللجنة التأسيسية تكونت -بالفعل-، وهى مكونة من خمسة إعلاميين مصريين، وخمسة آخرين من «السودان»؛ بينما وضعت اللائحة الأولية، كما يتم بحث الأمر الآن مع المسئولين.  

فى النهاية.. لم تكن كلمات الوفد السودانى فى ندوة «روزاليوسف» مجرد تصريحات عابرة، بل كانت بمثابة نداء صادق من قلب وطن مُرهق، لكنه لم ينكسر؛ وطن يُدرك أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل على الهوية، والسيادة، والمستقبل.