عودة طوعية على قطار الكرامة للأشقاء السودانيين
يوم تلو الآخر، تكتب مصر فصلًا جديدًا فى حكاية الإخوّة والتاريخ المشترك مع أشقائنا فى السودان،كان آخرها عندما سيّرت قطارات خاصة لنقل الراغبين فى العودة الطوعية إلى وطنهم عبر محافظة أسوان. تلك الرحلة التى لم يكن القطار مجرد وسيلة مواصلات، بل جسر من الأمان والكرامة، محمّلًا برسائل إنسانية تؤكد أن مصر كانت وما زالت السند الحقيقى للشعب السودانى منذ اندلاع الحرب فى 15 أبريل 2023 وحتى اليوم - وكما كانت على مر العصور -.
منذ اللحظة الأولى للأزمة، استقبلت مصر السودانيين بترحاب وفتحت لهم الأبواب دون قيود، كما فعلت دائمًا مع الأشقاء العرب من ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين. واليوم، وهى تودّعهم إلى وطنهم، تودّعهم بنفس المحبة والاحترام، ليبقى المشهد شاهدًا على عمق العلاقة وصدقها. دموع السودانيين لحظة مغادرتهم مصر لا يمكن للكلمات أن تصفها؛ دموع صادقة تشهد بأنهم كانوا فى وطنهم الثانى، وستظل محفورة فى وجدانهم ما حيوا.
إننى، وقد عملت قنصلًا لمصر فى السودان، أعرف عن قرب كم أن الروابط بين شعبى وادى النيل متينة، وكم أن «تاريخنا واحد ومستقبلنا واحد»، مثل نهر النيل الذى يجرى فى عروقنا معًا، قد يتغير لونه أو يجف لحظة، لكنه لا يغيّر مجراه أبدًا.
لقد قدمت مصر خلال العامين الماضيين الكثير للسودان، ليس فقط عبر استضافة أبنائه، بل أيضًا عبر دعمها السياسى والإنسانى والإقليمى، سعيًا لوقف نزيف الدم والحفاظ على وحدة الدولة السودانية. إن ما يجرى اليوم هناك ليس مجرد صراع داخلى، بل مؤامرة أكبر تستهدف تقسيم السودان إلى خمسة أقاليم، وإضعاف جيشه ومؤسساته، لفتح الباب أمام المخابرات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية التى تستغل الحرب كما تستغل أوضاع غزة.
من هنا، أؤكد أن عودة السودانيين الطوعية من مصر إلى وطنهم ليست مجرد حدث إنسانى، بل خطوة استراتيجية تحمل دلالات عميقة، فهى تعكس إصرار مصر على أن يظل السودان موحدًا، وأن يعود أبناؤه لبناء دولتهم بأيديهم. وهى تؤكد أيضا أن الحل لا يكمن فى التهجير، وإنما فى العودة الكريمة وإعادة الإعمار.
إن السودان بحاجة إلى تأهيل شامل فى كل المجالات، من البنية التحتية إلى الخدمات الأساسية، ليصبح قادرًا على استيعاب عودة مواطنيه. وهنا تبرز الفرص الواعدة أمام الشركات المصرية، خاصة فى مشروعات إعادة الإعمار والتنمية، بما يحقق شراكة استراتيجية تعزز الاستقرار وتخلق فرص عمل وتعيد الثقة إلى الاقتصاد السودانى ،وستظل مصر متمسكة بالفاعلية والالتزام التاريخى الداعم للسودان بكل السبل الممكنة، فمصيرنا واحد ومستقبلنا واحد.
ختامًا، أوجه تحية تقدير إلى كل يد مصرية شاركت فى رسم مشهد القطار المتجه إلى السودان، فهذا ليس مجرد قطار، بل رسالة إلى العالم: مصر كانت وستظل الحضن الآمن، لا تفرّق بين أشقائها، بل تحفظ لهم الكرامة وتفتح لهم أبواب العودة.
قنصل مصر الاسبق فى السودان