الأربعاء 3 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عمال البحر والجو يوقفون شحنات الموت

ثورة فى الموانئ الأوروبية ضد إسرائيل

فى أبهى صور التضامن الشعبى العابر للحدود والمتضامن مع الشعب الفلسطينى والرافض للجرائم الإسرائيلية فى غزة، اتخذ عمال العديد من الموانئ الأوروبية خطوة غير مسبوقة بحظر توريد المعدات العسكرية من بلدانهم إلى إسرائيل.



بهذه الخطوة، قرر آلاف العمال فى الموانئ البحرية والجوية بأوروبا شن ثورة مناهضة لسياسات بلدانهم المنحازة لإسرائيل، عبر رفض تحميل أو تفريغ الشحنات المتجهة إليها.

ثورة الموانئ

انطلقت الشرارة الأولى لهذه الثورة بموقف فردى فى ميناء «مرسيليا-فوس»، الذى يعد من أكبر الموانئ الفرنسية، حيث كان من المقرر أن تُحمّل شحنة عسكرية تبلغ 14 طنًا من الذخيرة الخاصة بالأسلحة الرشاشة على متن سفينة الشحن الإسرائيلية «كونتشيب إيرا»، لتتجه بها إلى ميناء حيفا فى الأراضى المحتلة.

بعد أن تلقى عمال الميناء الفرنسى معلومات من جهات حقوقية وإعلامية تفيد بأن الشحنة تحتوى على وصلات معدنية لطلقات ذخيرة تستخدم فى الأسلحة الآلية من إنتاج شركة فرنسية تدعى «يورولينكس»، أعلن العمال رفضهم تحميل الحاويات بعد تفتيشها، وأكدوا أنهم لا يريدون أن يكونوا متواطئين مع جرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة.

ليتم تنحية حاويات «شحنة الموت» جانبًا، ويُمنع تحميل الشحنة على السفينة بالرغم من الضغوط والطلبات الرسمية التى لم يعرها العمال أى اهتمام.

موجة تضامن 

سرعان ما تحول موقف عمال ميناء مرسيليا إلى موجة تضامن واسعة من قِبل عمال الموانئ الأوروبية، فبعد أن نسّق العمال الفرنسيون مع عمال ميناء «جنوة» الإيطالى الذين أعلنوا استعدادهم لمنع السفينة الإسرائيلية من مواصلة رحلتها، تحول هذا الموقف إلى حراك جماعى وصفته بعض التقارير الأوروبية بـ«ثورة الموانئ».

تبع هذه الخطوة تضامن نقابات أوروبية فى عدة دول أخرى، ففى بلجيكا دعت أربع منظمات غير حكومية إلى وقف شحنة قطع غيار قالت إنها كانت متجهة إلى مصنع لإنتاج مكونات دبابات «ميركافا» التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلى، والتى كان من المقرر أن تُرسل إلى إسرائيل عبر ميناء «أنتويرب» ثانى أكبر محطة شحن فى أوروبا.

وفى السويد أيضًا، صوّت 68 % من أعضاء اتحاد عمال الموانئ على مقاطعة جميع الشحنات العسكرية المتجهة إلى إسرائيل أو القادمة منها.

بينما فى اليونان، منعت نقابة عمال الموانئ شحنة مكونة من الفولاذ العسكرى فى ميناء «بيرايوس»، كانت متجهة إلى إسرائيل.  وأكدت النقابة فى بيان لها أن مئات من عمال الموانئ شاركوا فى الاحتجاج على تحميل الشحنة الإسرائيلية.

لم تقتصر الموجة على الموانئ الأوروبية، بل شملت موانئ بعض الدول العربية المطبعة حديثًا مع إسرائيل. 

ففى المغرب، التى كانت تل أبيب تعتزم استخدام موانئها بديلًا للموانئ الأوروبية، اتخذ العمال فيها خطوات مماثلة لعرقلة توريد الأسلحة إلى إسرائيل.

شلل جزئى

أما عن تأثير هذه الموجة العمالية، فقد تسببت فى إحداث شلل جزئى لخطوط الإمداد، وهو ما يرجع إلى اعتماد إسرائيل على الموانئ الأوروبية بشكل أساسى فى نقل المعدات والذخائر العسكرية. 

ولم يتوقف الأمر على هذا الحد، بل طالبت النقابات العمالية فى فرنسا الحكومة باتخاذ موقف واضح وحقيقى تجاه ما يحدث فى غزة، عن طريق حظر شامل لتصدير الأسلحة التى تُستخدم ضد المدنيين فى فلسطين، خاصة أن هذا الموقف يتسق مع تحذيرات الأمم المتحدة بشأن انتهاكات القانون الدولى من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلى.

تحالفات دولية 

بالإضافة إلى التعبئة العمالية والنقابية، اتخذت عدة تحالفات دولية خطوات لتقييد تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، فأعلنت مجموعة «لاهاى»، وهى تحالف حديث التشكّل يضم دولًا جنوبية بما فى ذلك بليز وبوليفيا وتشيلى وكوبا وكولومبيا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال وجنوب إفريقيا، حظرًا شاملًا على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. كما تعهد أعضاء المجموعة برفض رسو أى سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل فى موانئ دول المجموعة. 

وكانت إسبانيا وتركيا قد اتخذتا إجراءات مماثلة فى وقت سابق للحد من تصدير ونقل الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي.

لم يقتصر الحظر على الموانئ البحرية، ففى مطار «شارل ديجول» فى باريس، اكتشف العمال شحنة من الفولاذ العسكرى كانت فى طريقها إلى شركة «إلبيت» الإسرائيلية للمقاولات الدفاعية، وكان التسليم قد تأخر بالفعل لأسباب تتعلق بإغلاق المجال الجوى الإسرائيلى. 

وأثناء توقف الشحنة فى المطار، اتفق تحالف من العمال والموظفين وسائقى الشاحنات وموظفى المراكز اللوجستية على منع تسليم الشحنة. 

وصرح عمال المطارات فى بيان رسمى بأنهم أبلغوا المسئولين برفض المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر فى أى نشاط لوجستى يساهم فى الجرائم المتواصلة فى غزة. 

وأكدوا أن مهمتهم هى مساعدة الركاب على السفر بسلام وليس المشاركة فى حرب الإبادة الإسرائيلية.

 

تحركات حكومية

اتخذ عدد من الدول خطوات حاسمة لحظر أو تقييد توريد الأسلحة إلى إسرائيل، وجاءت هذه القرارات استجابةً لضغوط شعبية واحتجاجات واسعة.

 

بريطانيا: علقت جزئيًا 30 من أصل 350 ترخيصًا لتصدير الأسلحة، بسبب مخاوف من استخدامها فى انتهاكات ضد المدنيين فى غزة.

 

إيطاليا: أعلنت وقف إرسال الأسلحة بعد السابع من أكتوبر، رغم استمرار بعض الاتفاقات السابقة.

 

إسبانيا: فرضت حظرًا شاملًا على تصدير الأسلحة ومنعت السفن المحملة بها من الرسو فى موانئها.

 

كندا: بعد تصويت برلمانى، وافق البرلمان على وقف المبيعات العسكرية المستقبلية وأكدت الحكومة توقف الشحنات.

 

بلجيكا: قيدت رسميًا المبيعات ودعت إلى فرض حظر على مستوى الاتحاد الأوروبى.

 

هولندا: بأمر قضائى، أمرت محكمة هولندية بوقف توريد أجزاء طائرات F-35 إلى إسرائيل بسبب انتهاكات ضد المدنيين.

 

اليابان: أعلنت عن تقييد جزئى حيث اتخذت خطوات لتقليص صادرات الأسلحة، خاصة المكونات الإلكترونية الحساسة.

ألمانيا: رغم أنها من أكبر موردى الأسلحة وتواجه ضغوطًا متزايدة، قامت بمراجعة داخلية وعلقت بعض الشحنات مؤقتًا.

الولايات المتحدة: تم تعليق شحنات القنابل الثقيلة مؤقتًا، لكنها استأنفت بعضها سرًا.

بالإضافة إلى ذلك، سحبت بعض الدول تراخيص شركات تسليح إسرائيلية، وأعلنت أخرى استبعاد شركات مثل «رافائيل» و«إلبيت» من معارض دفاعية فى فرنسا وهولندا، مما حد من قدرتها على توقيع صفقات جديدة.

خسائر إسرائيلية

بحسب تقارير إسرائيلية، أدت الضغوط الحكومية الأوروبية إلى تراجع فى حجم الإنتاج والتصدير العسكرى وخسائر اقتصادية ملموسة. 

كما أن القدرة على اختبار وترويج الأسلحة الجديدة فى ساحات القتال، التى كانت تُعد ميزة استراتيجية لإسرائيل، باتت تواجه تحديات أخلاقية وقانونية متزايدة.

مؤخرًا، أثرت الضغوط الشعبية فى أوروبا، وخاصة «ثورة العمال» فى الموانئ الحيوية البحرية والجوية، بشكل كبير، عكست هذه الضغوط  صورة متشابكة لتأثيرها على سلسلة التوريد العسكرية الإسرائيلية، التى تُعد شريانًا حيويًا فى ظل الحرب المستمرة على غزة.

ورغم أن إسرائيل سعت لسنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتى فى تصنيع الأسلحة، إلا أن صناعاتها العسكرية تعتمد بشكل أساسى على مكونات أجنبية حساسة، مثل المحركات الألمانية للدبابات والرقائق الإلكترونية من أوروبا وآسيا، وأى تعطيل فى تسليم هذه القطع الصغيرة، سواء عبر الموانئ أو المطارات، قد يؤدى إلى تأخير إنتاج الأسلحة أو حتى وقف بعض المنظومات الحيوية، مما ينعكس مباشرة على الجاهزية العسكرية وعلى الحرب.

أولويات أمنية

كما ألقت الأزمة الناتجة عن توقف الشحنات العسكرية بظلالها الثقيلة على الأمن الداخلى، سواء من الناحية العملياتية أو المجتمعية، مثل التباطؤ فى إنتاج وصيانة المنظومات الدفاعية، وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن صناع القرار أُجبروا على إعادة ترتيب الأولويات الأمنية، ما أدى إلى خلافات داخل المؤسسة العسكرية والسياسية حول كيفية التعامل مع التحديات المتزامنة، وتباينت الآراء بين من يدعو إلى التصعيد العسكرى ومن يطالب بضبط النفس لتفادى مزيد من العزلة الدولية والضغوط الأوروبية.

إلى جانب تزامنها مع احتجاجات شعبية واسعة ضد الحكومة، كان لهذه الضغوط تأثير أيضًا على الاقتصاد، مما أدى إلى خفض الإنفاق على الأمن الداخلى، بما فى ذلك الشرطة وحماية البنية التحتية وبعض الأنظمة الأمنية التى تعتمد على مكونات إلكترونية مستوردة، ما يعرضها لمخاطر الاختراق أو التعطيل فى حال تعذر صيانتها.