الأحد 24 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
تل أبيب تحلــــم!

تل أبيب تحلــــم!

‏لا أظن مواطنًا فى العالم العربى كان يتصور أن أطماع إسرائيل فى التوسع تمتد إلى ‏السعودية أيضًا، كلنا كنا أسرى صورة تقليدية عن وهم إسرائيل الكبرى، والتى رسم ‏الصهاينة حدودها من قديم الأزل، من النيل إلى الفرات، أى كانت أرض شبه الجزيرة العربية ‏خارج هذه الصورة، حتى حين كتب «دينيس آفى ليبكن» اليهودى الإنجيلى كتابه «العودة إلى ‏مكة» فى عام 2012، لم يلق اهتمامًا كبيرًا من الدول الإسلامية ومنظماتها ولا من السعودية ‏نفسها، إلا فى ردود هاجمت الكتاب وصاحبه، على أساس أنها أفكار شاذة متطرفة، ليست من ‏‏«التراث التلمودى» الشائع، الذى يحفظه كثير من اليهود، ويعملون على تحقيقه بمساعدة القوة ‏العظمى فى العالم.‏



 

نعم كان المسلمون يتصورون أن المقدسات الإسلامية فى أرض الحرمين بعيدة تمامًا عن ‏أوهام بنى إسرائيل، سواء اكتفوا بالسطو على أرض فلسطين أو تمددوا خارجها!‏

لكن المسلمين والعرب كانوا هم الخاطئين، وانكشفت خطيئتهم حين رفع رئيس وزراء ‏إسرائيل بنيامين نتنياهو القناع عن الفكرة، وقال فى لحظة اعتراف نادرة إنه يحلم بأن يرى ‏إسرائيل الكبرى فى حياته!‏

ونتنياهو من مواليد أكتوبر 1949، أى فى الخامسة والسبعين من عمره، فمتى يعيش لحظة ‏إسرائيل الكبرى؟، إنه ببساطة يخبرنا أنه سيعمل بكل طاقته على هذا الحلم خلال السنوات ‏القليلة القادمة، أى قبل أن يرحل عن عالمنا!‏

سواء ظن البعض أن كلامه كان عاطفيًا حماسيًا يسترد به بعضًا من هيبته، أم ظنه تهديدًا ‏لقبول تهجير أهل غزة، فيجب أن نضعه فى الحسبان، وندرك أن الخطر يحلق فى فضاء ‏العرب ويحوم حول مقدسات المسلمين فى أرض الحرمين، لأن الفكرة كامنة فى جحر العقل ‏الصهيونى وتغذى خياله طول الوقت، وما كتبه «دينيس آفى ليبكن»، لم تكن مجرد أفكار ‏صهيونى متعصب، بل هى جزء من التكوين النفسى لبنى إسرائيل ورؤيتهم لنا!‏

وليبكن صهيونى قح، من مواليد نيويورك، هاجر إلى إسرائيل فى عام 1968 وهو فى ‏التاسعة عشرة، وجند بالجيش الإسرائيلى وصار متحدثًا باسمه، وتصفه كل المصادر بأنه ‏‏«معادٍ للإسلام»، دون أن تدينه، فمعاداة الإسلام عمل مشروع ومعاداة السامية جريمة فى ‏قوانين «الغرب المتحضر»، له خمسة كتب قبل « العودة إلى مكة»، ثلاثة منها تحت اسم ‏مستعار فيكتور موردخاى، لأسباب أمنية كما زعم، هل يشكل الإسلام المتعصب تهديدًا ‏عالميًا؟، إحياء مسيحى من أجل بقاء إسرائيل، تقيمات حديثة للتهديد الإسلامى، وهو حاليًا ‏يجوب كنائس الصهيونية الإنجيلية فى كثير من الدول، ويحاضر فيها عن نهاية العالم ومعركة ‏هرمجدون ويقول فى فيديو أذاعه على شبكات التواصل الاجتماعى ونشره موقع ميدل إيست ‏مونيتور فى 11 يناير 2024 ينتمى معظم الشرق الأوسط إلى إسرائيل، حدودنا ستمتد فى ‏نهاية الأمر، من لبنان والصحراء الكبرى فى العربية السعودية، ومن البحر الأبيض إلى ‏الفرات، أعتقد أننا سنأخذ مكة والمدينة وسيناء، ونطهر هذه الأماكن كلها!‏

إذًا أطماع إسرائيل لا حدود لها، تتجاوز فلسطين والمسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فى ‏مكة والمسجد النبوى فى المدينة، وهو ما شرحه بالتفصيل فى كتابه «العودة إلى مكة»، ‏ويتوسط الغلاف أسفل العنوان مباشرة التفلين اليهودى، وهو مكعب أسود مربوط بخيط أو ‏حزام يضعه المتدينون اليهود على جباههم، ثم صورة الكعبة المشرفة.‏

الكتاب يزعم أن بنى إسرائيل حين ضاعوا فى التيه أربعين عاما كانوا فى شبة الجزيرة ‏العربية، وأن الجبل الذى كلم الله موسى عليه هو جبل اللوز فى تبوك، وليس جبل موسى فى ‏سيناء، ويدعو إلى تحالف مسيحى صهيونى لاحتلال السعودية وتقسيمها وأخذ الكعبة ومنع ‏المسلمين عنها! ‏

ويقول: الإسرائيليون هم السكان الأصليون لجزيرة العرب، وعليهم استعادة أرض بنى ‏إسرائيل، فالسعودية والجزيرة العربية كلها ما هما إلا جزء من الأرض الموعودة، والله وعدنا ‏فى التوراة بأن سيمدد حدود بنى إسرائيل من لبنان إلى أرض العرب.‏

وراح ليبكن يفسر نصوصًا من التوراة ليؤكد بها فكرته!‏

وكعادة بنى إسرائيل فى زراعة الفتن والقلاقل، يوصى الكتاب باستغلال الصراع السنى ‏الشيعى، وتوظيف العقائد الشيعية التى تحث أتباعها على استعادة مكة والمدينة من أهل السنة، ‏مقترحًا الاستفادة من الحركة الحوثية فى استهدافها الأراضى السعودية، طبعًا اقتراحه ‏كان قبل طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023، وانحياز الحوثيين إلى حماس ضد الإبادة ‏الإسرائيلية، بإطلاق صواريخهم على إيلات وبعض مدن الداخل الإسرائيلى. ‏

ونلاحظ أن كتاب «العودة إلى مكة» صدر بعد ما سماه الغرب ثورات الربيع العربى بشهور، ‏وهى ثورات انتهت فقط إلى تفتيت اليمن وسوريا وليبيا، وصنعت اضطرابات واسعة فى ‏تونس ومصر والسودان!‏

ولهذا حمل الكتاب أمنية خبيثة من كاتبه بأن يصل الربيع العربى إلى السعودية، كى تطلب ‏النجدة من أمريكا وإسرائيل، وبالتالى يصبح احتلال مكة مجرد تحصيل حاصل!‏

وينصح الولايات المتحدة وإسرائيل بأن تستغلا التناقضات فى الجزيرة العربية لإشعال ‏الفتن والاضطرابات، لينتهى فى كتابه إلى هدفه الذى يسعى إليه: أن نهاية مجد الإسلام باتت ‏قريبة جدًا!‏

طبعًا كتاب ليبكن هو أشبه بأضغاث إحلام أو هلاوس مريض نفسى، وأقصد هنا التفاصيل ‏التى أوردها والتفسيرات التى طار إليها، لكن بعد أن ننظف عقولنا من كل هذه الترهات تبقى ‏الفكرة، والفكرة موجودة فى قلوب وعقول ملايين المتطرفين الصهاينة، حتى اعترف بها ‏رئيس وزراء إسرائيل بملء إرادته الحرة دون إكراه!‏

نعم نحن أمام فكرة تمثل تهديدًا وجوديًا للعالم العربى، وتهديدًا لا يكف العدو الاستراتيجى عن ‏الجهر بأنه سيعمل على تنفيذه على أرض الواقع سواء دخل فى سلام إبراهيمى أو لم يدخل، ‏طبعًا قد نجد التنفيذ مستحيلًا لأسباب كثيرة، تتعلق بالنظام الدولى وليس بصداقة العرب مع ‏الولايات المتحدة، وأيضًا بسكان المنطقة وما يقرب من مليارى مسلم وعلاقاتهم بدينهم ‏ومقدساتهم، كما أن المناطق التى انتزعها دعاة إسرائيل الكبرى إلى خريطتها المتخيلة، ‏مناطق شاسعة بعضها كثيف السكان، يتجاوز إجمالى عددهم مئة وخمسين مليون نسمة، أكبر ‏من قدرة إسرائيل ومعها الولايات المتحدة على «طردهم» من هذه المناطق المعقدة جغرافيًا ‏أيضًا.‏

لكن هذه الفكرة الخزعبلية تشى بأن حسابات بعض العرب الاستراتيجية عن «التهديد ‏الأخطر» لدولهم ليس دقيقًا، إذا كانت المقارنة بين إيران وإسرائيل، طبعًا إيران خطر ‏تاريخى له مطامع وله ذيول وجيوب داخلية، لكنه تهديد منفرد لا تسانده قوة عظمى ولا يقف ‏معه الغرب، وإيران نفسها يتربص بها أعداء آخرون أقوياء، لكن إسرائيل تهديد فريد تدعمه ‏الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا وسياسيا وخلفهما ست دول كبرى..‏

قد يتصور البعض أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بذلك، على العكس الولايات المتحدة ‏لا تمانع فى الهيمنة الإسرائيلية، كانت تريدها سلميًا عن طريق الاتفاقات الإبراهيمية، أو بأى ‏طريقة تنجح فيها إسرائيل، وترفع عن كاهلها التدخل المباشر فى الشرق الأوسط، وتتفرغ هى ‏لإدارة صراعها الشرس مع الصين وروسيا، حتى تحسمه سلمًا أو عنفًا، فتحتفظ لنفسها بمقعد ‏السيادة العالمى قرنًا إضافيًا!‏

العرب فى أشد الحاجة إلى تفكيك ما يحيط بهم من مخاطر وتهديدات بطريقة علمية منظمة، ‏وأن يدرسوا كيف يعملون معًا ويتحركون كتلة واحدة تتجاوز حالة المنافسة الشرسة والتعاون ‏الهش الحالية، وإلا وإلا.. لا داع للولولة، والأفضل أن يعيدوا قراءة تاريخ الحملات الصليبية ‏لعلهم يجدوا فيها حلًا لهذا التهديد!‏