لا تختبروا صبر مصر

روزاليوسف
مرة أخرى، تثبت القاهرة أنها الصوت العربى الأكثر وضوحًا وصلابة فى مواجهة السياسات الإسرائيلية العدوانية.
بيان وزارة الخارجية الأخير، الذى أدان بأشد العبارات إعلانَ وزير المالية الإسرائيلى الموافقة على بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة قرب القدس المحتلة؛ ليس مجرد موقف دبلوماسى بروتوكولى؛ بل رسالة سياسية حاسمة و«إنذار» واضح: «لا تختبروا صبر مصر».
مصر، الدولة الأكبر فى المنطقة، صاحبة الجيش الأقوى والأكثر خبرة؛ ليست غافلة عمَّا يجرى. صبرها الاستراتيجى وحكمتها فى إدارة الملفات لا يعنيان قبولها بالاستفزازات الإسرائيلية المتكررة أو تمرير مخططات تهويد الأراضى الفلسطينية وتغيير هويتها الديموجرافية.
فمَن يقرأ التاريخ جيدًا؛ يدرك أن مصر إن قررت التحرك؛ فإنها تتحرك بقوة، وفى اللحظة التى تختارها هى، لا غيرها.
تحذير القاهرة لإسرائيل من الانسياق وراء أوهام «إسرائيل الكبرى» لم يأتِ من فراغ، فالسياسات التوسعية التى تنتهجها حكومة الاحتلال تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة برمتها، بما فى ذلك إسرائيل نفسها، التى تظن أن الأمن يتحقق بالقوة العسكرية والاستيطان، بينما التجربة التاريخية أثبتت أن تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى هو أقصر الطرق إلى الانفجار.
الغريب أن دولة الاحتلال ومسئوليها وأجهزتها الأمنية والاستخبارية لم تقدر على التنبؤ بما حدث لها يوم 7 أكتوبر 2023 من فصائل فلسطينية محاصرة منذ سنوات، ولا تمتلك أيًا من الدعم المادى والعسكرى والتكنولوجى الذى تحصل عليه «إسرائيل».. كل هذا الفشل ويحلمون بـ«إسرائيل كبرى»!
فى هذا السياق؛ فإن رفض مصر القاطع لأى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية ليس شعارًا إنشائيًا؛ بل رؤية سياسية ثابتة، عززتها عقود من المواقف المتسقة، ومبادرات سلام طرحتها القاهرة دائمًا بـ«ثقة المنتصر» والقادر على المواجهة دائمًا.. رؤيتنا واضحة: لا بديل عن حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كشرط لا غِنَى عنه لتحقيق السلام العادل والدائم.
على حكومة الاحتلال أن تدرك أن رهانها على الوقت والحقائق المفروضة بالقوة هو رهان خاسر؛ لأن المنطقة تغيرت، ومصر برصيدها السياسى وثقلها العسكرى لن تسمح بتمرير مشاريع التهجير أو مصادرة الأرض، كما أن أى محاولات لفرض الأمر الواقع «محكوم عليها بالفشل».
لغة مصر الدبلوماسية تقول الكثير.. ورسالتها الأساسية بعِلْم الوصول للجميع مفادها: لا تراهنوا على ضبط النفس إلى الأبد. فحين تتحرك القاهرة؛ ستعيد كل الحسابات من جديد.
بشكل أبسط وأوضح.. مصر أول الساعين للسلام فى المنطقة، وفى الوقت نفسه، هى أول المستعدين للحرب.