العدوان الثلاثي على سوريا: إسرائيل

مروة الوجيه
«لن نسمح بإقامة لبنان ثانٍ فى جنوب سوريا.. ولن نسمح بضرر للدروز فى جبل الدروز».. بهذه العبارات تردد صوت بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، فى خطاب حاد بعد المواجهات العنيفة فى السويداء، مؤكدًا أنه يقود عملية إعادة ضبط للقوة الإسرائيلية، على جبهتين: السوريّة لحماية دروز الجولان، واللبنانية لتجريد حزب الله من سلاحه، تأتى هذه التصريحات فى وقت تشهد محافظة السويداء السورية واحدة من أعنف المواجهات بين الدروز والعشائر المدعومة من النظام السورى.
الوضع السورى
أعلنت دولة الاحتلال دخولها على خط النار، بذريعة أنها «لن تقف مكتوفة الأيدى إذا تعرضت الطائفة الدرزية للخطر»، تزامنت مع ذلك غارات على الجنوب اللبنانى، استهدفت مواقع لحزب الله، تحت عنوان «ضمان الأمن القومى الإسرائيلى».
التصعيد الممنهج، جاء فى خضم تحولات جيوسياسية وأمنية متسارعة، يعكس، محاولة لتثبيت وقائع جديدة على الأرض، إعادة تعريف «قواعد الاشتباك» فى لحظة يختلط فيها التصدع الداخلى السورى بالانفجار الإقليمى الواسع.
السويداء تشتعل
اندلعت الاشتباكات فى السويداء على نحو غير مسبوق، بعد شهور من التوتر المتصاعد بين فصائل درزية محلية ومجموعات عشائرية مدعومة أمنيًا وعلى خلفية صراع على السلطة، السلاح، المخدرات، تحولت المدينة الجبلية إلى ساحة مواجهة مفتوحة.
ما إن تفاقم الوضع، حتى صدرت تصريحات إسرائيلية نادرة، على لسان مسئولين عسكريين، تتحدث عن «ضرورة حماية المجتمعات الدرزية من الفوضى والتصفية»،أمام هذا الموقف، لم تتأخر الضربات الجوية الإسرائيلية، استهدفت مواقع للجيش السورى فى محور صلخد والسويداء الغربية، بزعم أنها تأوى «عناصر معادية تهدد الدروز القريبين من الجولان»، فى أول تدخل جوى معلن فى هذا الإطار منذ سنوات.
كشف معهد دراسات الأمن القومى فى تل أبيب (INSS)، فى تقريره الأسبوعى أن «تل أبيب وجدت فى انفجار الوضع فى السويداء ذريعة أمنية مقبولة إقليميًا لتوسيع ضرباتها فى الجنوب السورى، مع تقاطع ذلك مع أهداف استراتيجية أوسع تتعلق بتحجيم النفوذ الإيرانى، فرض معادلات جديدة تتجاوز التوازنات القديمة التى ثبت فشلها».
الجنوب اللبنانى
شنت إسرائيل سلسلة غارات على أهداف فى الجنوب اللبنانى، بالتوازى مع هذا التصعيد فى سوريا، بالقرب من مرجعيون والناقورة، قالت: إنها تابعة لوحدات الاستطلاع التابعة لحزب الله، اللافت أن الهجمات جاءت بعد تصريحات إسرائيلية رسمية تقول إن «نزع سلاح حزب الله بات ضرورة لضمان أمن إسرائيل، وأمن الدولة اللبنانية ذاتها»، جاء ذلك بعد ظهور تقارير عن محاولة الحزب إعادة نشر وحدات مسلحة فى نقاط قريبة من الخط الأزرق، ما اعتبرته تل أبيب «تجاوزًا لقواعد الاشتباك».
صحيفة هآرتس العبرية علقت على هذا التطور بقولها: «تل أبيب لم تعد تنتظر الصواريخ لترد، بل باتت تضرب استباقيًا فى لبنان وسوريا»، تحت عنوان أوسع: «لا سلاح خارج الدولة اللبنانية، ولا خطوط حمراء على الأرض السورية»
معادلة جديدة
تحليلات مراكز الأبحاث الأمريكية تتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية، حيث نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (WINEP) دراسة للباحث ديفيد ماكوفسكى اعتبر فيها أن «تل أبيب تنتهج حاليًا ما يشبه استراتيجية تطهير محسوب للجبهات الشمالية، تستهدف تقليص التهديد الإيرانى من العمق السورى، شل حركة حزب الله، وإعادة تعريف التوازنات الطائفية فى جنوب سوريا».
أما مركز Carnegie Endowment for ،International Peace فاعتبر أن أحداث السويداء منحت إسرائيل نافذة نادرة لتبرير تدخلها باسم الأقليات، فى الوقت الذى تحولت فيه سوريا إلى مشهد أمنى متهالك، لا يضمن فيه النظام نفسه أمن مناطقه.
وفى قراءة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، كتب Seth G. Jones أن «إسرائيل تتعامل مع الجنوب السورى واللبنانى كمسرح واحد، تستخدم الغطاء الدرزى لتوسيع نفوذها الأمنى على أطراف الجولان والضغط على حزب الله من الخاصرة اللبنانية والامتداد السورى فى آنٍ واحد».
المناطق العازلة
عودة الحديث الإسرائيلى عن «أمن الأقليات الدرزية» يذكر المراقبين بمحاولات تل أبيب فى ثمانينيات القرن الماضى لإنشاء منطقة عازلة فى جنوب لبنان، بالتعاون مع الميليشيات المحلية، قبل أن تفشل تلك التجربة تحت ضغط المقاومة.
اليوم ومع تصدع المشهد السورى، وانكفاء الروس وغياب المظلة الدولية الفاعلة، يبدو أن إسرائيل تراهن على تكرار السيناريو بشكل أكثر «نعومة»، عبر تثبيت معادلة أمر واقع تتيح لها حرية التحرك فوق الأراضى السورية واللبنانية بذريعة «الدفاع الوقائي».
فرصة استراتيجية
الضربات الإسرائيلية الأخيرة، لا تعكس مجرد ردود موضوعية، بل تقرأ فى سياق أوسع يتعلق باستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يبدو مصممًا على تثبيت معادلة ردع إقليمية جديدة، تتجاوز الجغرافيا إلى إعادة تعريف قواعد الصراع فى الهلال الخصيب بأكمله، فمنذ عودته إلى الحكم، بدأ نتنياهو أكثر عدوانية تجاه الملفات الإقليمية، متكئًا على ثلاث ركائز رئيسية:
1. تقليص النفوذ الإيرانى فى سوريا.
2. تفكيك البنية العسكرية لحزب الله فى لبنان.
3. استثمار الانقسامات الطائفية فى الداخل السورى لصالح الأمن الإسرائيلى.
قال الباحث إريك إيدلمان، الدبلوماسى الأمريكى السابق والخبير فى الأمن القومى بمركز Center for a New American Security (CNAS)، فى تحليل حديث:«إن نتنياهو لا يسعى فقط إلى تفادى الحرب، بل إلى إعادة بناء توازن الردع بيده لا بأيدى الآخرين، ما نراه الآن فى سوريا ولبنان هو تنفيذ متدرج لعقيدة إسرائيلية قديمة: استباق التهديد قبل أن يتحوّل إلى خطر مباشر».
أما Daniel Byman، الباحث فى معهد Brookings Institution، فيرى أن «نتنياهو يستخدم التصعيد فى الجبهة الشمالية كمظلة استراتيجية داخلية وخارجية، إذ يرسل رسائل حاسمة لإيران، ويخاطب جمهوره الداخلى بأن إسرائيل وحدها هى من يرسم خطوط أمنها القومي».
وفى تقرير لمركز RAND Corporation صدر فى يوليو الجارى، أن القيادة الإسرائيلية تعتبر أن الوضع الأمنى فى سوريا ولبنان وصل إلى درجة من الهشاشة تجعل الضربات الوقائية أكثر فاعلية من انتظار التهديدات لتتبلور وأن «نتنياهو يدير لعبة مقلقة» فهو يسعى لتغيير الواقع بالقوة، مع علمه أن الضربات المتكررة قد تخلق ديناميكيات رد فعل غير محسوبة، خصوصًا من جانب حزب الله.
كما نشر The Atlantic Council ورقة تحليلية تحت عنوان «From Damascus to Marjayoun: Netanyahu،s New Northern Doctrine»، كتب فيها الباحث Jonathan Panikoff، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمجلس:«ما نراه هو محاولة لإعادة تدوير سياسة أمنية إسرائيلية قديمة بثوب جديد، لكن الخطر يكمن فى أن البيئة الإقليمية اليوم أكثر تعقيدًا، وأكثر قابلية للاشتعال مع أى سوء تقدير».
فتح الجبهات
تسعى إسرائيل الآن لاستخدام أحداث السويداء وهشاشة الوضع فى لبنان كفرصة استراتيجية لتقويض النفوذ الإيرانى فى سوريا، وتحجيم حزب الله فى لبنان، وفرض معادلة جديدة فى الشمال تحت شعار الأمن القومى.
لكن هذا التصعيد المتزامن على جبهتين بالغتى التعقيد قد يدفع باتجاه ردود غير محسوبة، خاصة إذا شعر حزب الله بأن الضربات الإسرائيلية تستهدف وجوده لا تموضعه فقط، أو إذا قررت إيران الرد من خلال الحشد الشعبى فى العراق أو ميليشيات الجنوب السورى فسيكون جبهات الهلال الخصيب كله ساحة معركة مفتوحة لا أحد يمكن أن يتنبأ إلى أين يمكن أن تنتشر نيران الصراع فيها أو حتى إمكانية تحديد الخسائر المتوقعة.
وأخيرًا فإن تل أبيب تعرف جيدًا كيف تفتح الجبهات... لكن هل تعرف كيف تُغلقها؟