الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تحركات مستمرة لمنع تصعيد ممنهج يبدأ من غزة

اتصالات مصرية لا تتوقف لمنع اشتعال حرب إقليمية

تعمل مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، على تفادى امتداد الاشتباكات لتصبح مواجهة إقليمية، منذ بدء التصعيد بين إيران وإسرائيل.



وتبنت مصر مبادرات عدة، منها الدعوة الموحدة لوقف التصعيد عبر اتصالات مع إيران والولايات المتحدة وعُمان والأردن، وإبراز التهدئة كحل وحيد واستبعاد للحلول العسكرية، والتأكيد على أن المبادرات السياسية هى الطريق الأمثل، مع محاولة عدم الوقوع فى فخ التوتر الإقليمى.

 

وأكدت التطورات إصرار مصر على لعب دور محورى فى الوساطة، وتمسكها بقاعدة ثابتة تقوم على المبادئ الدولية وحل الدولتين. 

وقام الرئيس عبدالفتاح السيسي بإجراء اتصال هاتفى يوم 21 يونيو 2025 مع نظيره الإيرانى مسعود بزشكيان، مؤكّدًا «الرفض الكامل» لموجة التصعيد الإسرائيلى ضد إيران، التى تُشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار الشرق الأوسط، ودعا بشكل عاجل إلى وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات السياسية كمدخل لإنهاء الأزمة.

كما أجرى أيضًا اتصالاً هاتفيًا برئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، وأكد الطرفان ضرورة وقف التصعيد، والتشديد على أن الحل السياسى عبر المفاوضات هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة؛ بعيدًا عن الحلول العسكرية.

 وأعرب الجانبان عن بالغ القلق من أن استمرار العمليات العسكرية قد يدفع بالمنطقة إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار، مما سوف ينعكس سلبًا على شعوب الشرق الأوسط كافة ويهدد السلم والأمن على الصعيدين الإقليمى والدولى.

وأكد البيان الرئاسى المصرى الموقف الثابت من أن «لا حلول عسكرية لهذه الأزمة»، وأن السبيل الوحيد للاستقرار هو استئناف الحوار السياسى؛ وصولاً إلى حل الدولتين، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية.

كما شارك وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، فى لقاء مع نظيره الإيرانى عباس عراقجى فى إسطنبول، خلال قمة منظمة التعاون الإسلامى؛ حيث تركز النقاش على خفض التصعيد، والعمل على تهدئة الأوضاع وتشجيع الحوار السياسى حول الملف النووى، والطريق نحو استقرار إقليمى.

وأجرى «عبدالعاطى» اتصالاً مع المبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف؛ مجددًا التأكيد على أن الحوار فقط هو السبيل لتجنب تفجير الصراع، وضرورة ضبط التصعيد العسكرى.

هذا إلى جانب اتصال آخر مع وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى؛ لتنسيق المواقف تجاه التصعيد، مؤكدين على ضرورة وقف النار وعودة القضايا السياسية؛ وبخاصة القضية الفلسطينية إلى الواجهة؛ لضمان الاستقرار الإقليمى.

الدكتور أحمد الشحات، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص فى الأمن الإقليمى والدولى، عَلق قائلًا إن الدولة المصرية ثابتة فى سياستها الخارجية، وستواصل الدعوة إلى وقف إطلاق النار واحتواء التصعيد، والعمل على إنهاء البؤرة الأساسية التى أشعلت المنطقة وهى حرب غزة.

وأوضح أن مصر تدعو إلى حالة توافقية طويلة الأمد من خلال المفاوضات، وتنفيذ خطط الإعمار التى اقترحتها ضمن رؤيتها الشاملة؛ إيمانًا بأن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، ضمن إطار حل الدولتين والتعايش السلمى.

وأكد أن مصر بدأت بالفعل فى استغلال كافة الفعاليات السياسية والدبلوماسية التى تشارك بها، سواء عبر القيادة السياسية أو وزير الخارجية؛ للتأكيد على موقفها الداعى إلى التهدئة، وطرح أفكار متوازنة وربما فى وقت لاحق لعب دور الوساطة، لافتًا إلى إدراك مصر أن استمرار الصراع دون احتواء سيؤدى إلى تداعيات خطيرة سواء على المستوى العسكرى أو الأمنى أو السياسى، بما يهدد استقرار الشرق الأوسط بشكل كبير، ولهذا تدعو دائمًا إلى العودة إلى المسارات السلمية بما يحقق مصالح القوى المتصارعة دون اللجوء إلى العنف أو الحلول الأمنية القاسية.

ولفت إلى أن الجهود المصرية تصطدم سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى بعناد إسرائيل، وإصرارها على استغلال اللحظة باعتبارها فرصة ذهبية لتقليص أذرع إيران العسكرية، والتخلص من بنيتها النووية، وضرب بنيتها التحتية والاقتصادية لإضعاف الشعب الإيرانى من الداخل.

وتراهن إسرائيل على تغذية الانقسام الداخلى فى إيران، من خلال التسلل عبر التخريب والتجسُّس بهدف إحداث تغييرات داخلية تمهّد لتغيير النظام نفسه.

وقال أستاذ العلوم السياسية، إنه ومع استيعاب الدولة المصرية لهذا المخطط؛ فإنها تواصل الدعوة لضبط النفس، والتحرك فى إطار إقليمى عبر جامعة الدول العربية وزيارات وزير الخارجية، فضلاً عن تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي على هذه المواقف فى مختلف المحادثات الرسمية والهاتفية، بما يشكل رأيًا عامًّا إقليميًا رافضًا لهذه الحرب وهذا التصعيد المستمر.

وحذر «الشحات» من أن الصراع بين إيران وإسرائيل تتزايد وتيرته بشكل كبير جدًا، وتحول إلى حرب ممنهجة، تم التجهيز والإعداد لها منذ 7 أكتوبر، وحتى هذه اللحظة، وإن كانت تسير بشكل متدرج وممنهج، بداية من حرب غزة والأراضى الفلسطينية، ثم الانتقال إلى لبنان وسوريا، بالتوازى مع تحركات الحوثيين، وصولاً إلى الرأس الأكبر فى هذا المشهد وهى إيران، لافتًا إلى أن إسرائيل استغلت أحداث 7 أكتوبر لتتجاوز بالفعل وتتخلص من كل أعدائها فى المنطقة وعلى رأسهم إيران وأذرعها الممتدة فى الشرق الأوسط، وبعد تقلص قدرات هذه الأذرع وانكشاف ضعفها العسكرى، أصبحت إيران هى الهدف الأخير لهذا التحرك ضمن دعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية التى تعرقل أى قرارات أو مشاريع تدين إسرائيل.

وحتى المؤسسات الدولية باتت عاجزة؛ حيث نجدها تتجنب معاقبة إسرائيل رغم مخالفاتها الصريحة للقانون الدولى والقانون الإنسانى.

واكد أستاذ العلوم السياسية، أن تقليص ردود الفعل الدولية والإقليمية، وهشاشة المجتمع الدولى ومجلس الأمن فى حسم التصعيد المتدرج، أدى إلى هذا الوضع، وفى ظل إدارة ترامب أصبح هناك هدف مشترك يتمثل فى حسم المرحلة النهائية، إذ تعد إيران فى العقيدة الترامبية العدو الرئيسى والشيطان الأكبر فى الشرق الأوسط، ومن هنا يسعى نتنياهو إلى إنهاء هذا الوضع، وتعديله بما يتواكب مع أهداف الولايات المتحدة. 

وأكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، أن التحركات الدبلوماسية المصرية لاحتواء التصعيد بين إيران وإسرائيل تُعد تعبيرًا واضحًا عن التزام القاهرة بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، مشيدًا بالدور المحورى الذى تلعبه مصر فى منع انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمى واسع النطاق.

وأوضح «مهران» أن التحركات المصرية تنطلق من نص المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة، التى تلزم أطراف أى نزاع يُحتمل أن يهدد الأمن والسلم الدوليين باللجوء إلى الوسائل السلمية، مثل المفاوضات والوساطة والتوفيق. 

واعتبر أن القاهرة عبر هذه الرؤية تقدم نفسها كـ«وسيط محايد» يتمتع بثقة واحترام جميع الأطراف بفضل رصيدها التاريخى من الحياد الإيجابى، وعلاقاتها المتوازنة إقليميًا ودوليًا.

وأضاف: إن الدبلوماسية المصرية تلعب دورًا مزدوجًا فى الأزمة الراهنة، فهى من جهة تقوم بمساعى مباشرة للوساطة ووقف التصعيد، ومن جهة أخرى تنشط على المستوى الدولى لتوحيد المواقف الإقليمية والدولية حول ضرورة التهدئة، وهو ما ينسجم مع مبدأ التعاون الدولى لحفظ السلم والأمن العالمى الوارد فى المادة الأولى من الميثاق.

وأشار إلى أن مصر بحكم موقعها ودورها التاريخى، تدرك خطورة استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل؛ خصوصًا بعد استهداف منشآت نووية إيرانية وتهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز ما قد يؤدى إلى انفجار إقليمى يصعب احتواؤه، وأكد أن القاهرة سارعت إلى تكثيف اتصالاتها مع مختلف العواصم الفاعلة؛ سعيًا إلى تجنب هذا السيناريو الكارثى.

وأوضح الخبير الدولى، أن جهود مصر تستند إلى قواعد راسخة فى القانون الدولى، إذ إن ميثاق الأمم المتحدة يحظر استخدام القوة فى العلاقات الدولية بموجب المادة (2/4)، إلاّ فى حالات استثنائية ومحددة بدقة، ما يحتم على جميع الدول السعى إلى حل النزاعات عبر الوسائل السلمية فقط.

وشدد «مهران»، على أن نجاح أى حل دبلوماسى للأزمة الحالية يتطلب من الأطراف كافة إبداء حسن النية فى المفاوضات، وتقديم تنازلات متبادلة والامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية قد تؤدى إلى تقويض جهود الوساطة.. وأشار إلى أن مصر، انطلاقًا من رؤيتها المتزنة، تعمل على تهيئة مناخ مناسب للحوار، وإزالة العقبات أمام أى تسوية سلمية محتملة.

واختتم أستاذ القانون الدولى تصريحه بالتأكيد على أن النهج المصرى فى التعامل مع هذه الأزمة يجسد أحد أبرز أمثلة «الدبلوماسية الوقائية» التى ينادى بها ميثاق الأمم المتحدة؛ بهدف منع اندلاع النزاعات قبل وقوعها.. مشيرًا إلى أن ما يميز التحرك المصرى هو الجمع بين الواقعية السياسية والالتزام الصارم بقواعد القانون الدولى، وهو ما يجعل من التجربة المصرية فى هذا السياق نموذجًا يُحتذَى فى إدارة الأزمات الدولية.