وادى النطرون .. إعدام مع وقف التنفيذ

محمد الغنى
تعانى وادى النطرون من مشكلات عديدة ولكن اللافت أن مشاكلها ليست وليدة اللحظة ... فلو ركبت أيها القارى آلة الزمن وعدت إلى الوراء عشرين عاما ستجد نفس المشكلات وكأن الزمن قد توقف فى وادى النطرون التى يسكن بها 3 ملايين و900 ألف نسمة.
بداية مشاكل الفلاحين فى وادى النطرون والنوبارية مرتبطة بكبار المستثمرين حيث يحصلون على آلاف الأفدنة عن طريق وضع اليد بمجرد معاينة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية لها والتأكد أنها أرض صالحة للزراعة وبعد أن يأخذوا محاضر استلام للأراضى تقدم الدولة للمستثمرين خدمات كقروض ميسرة وآلات زراعية وأسمدة 3 آلاف جنيه على الفدان من أجل عمل بنية أساسية ويقف الفدان على المستثمر بـ 500 جنيه والكثير منهم يقومون بتقطيع الأرض وبيعها لصغار الفلاحين بمبلغ يصل إلى 22 ألف جنيه للفدان وبعد أن يحقق المستثمر الكثير من المكاسب تقوم الدولة بمطالبة صغار الفلاحين بإعادة شراء الأرض من الدولة بعد أن باعها لهم وكثير من المستثمرين لا يهتمون بالزراعة فيبيعون الآلات الزراعية التى منحت لهم فى السوق السوداء والاستفادة المادية بأسعارها فى أغراض آخرى.
ذهبنا إلى عبد الغفار سعيد نقيب الفلاحين بوادى النطرون الذى قال لنا: بعض المستثمرين يقومون بزراعة عينات بسيطة حول الأراضى التى خصصوها لأغراضهم الذاتية حتى يبعدوا عنهم شبهة استغلال أراضى الاستصلاح الزراعى فى أغراضهم غير الزراعية كما أن بعضهم يزرع بعض المحاصيل الترفيهية والأولية، التى تعود عليه بالمنفعة وتحقق له أرباحا عالية ولا تحقق أى فوائد استراتيجية للدولة وتأتى على حساب تطوير الزراعة واستصلاح الأراضى.
وأكد سعيد أن مشروع شباب الخريجين به أخطاء كبيرة فى آليات توزيع وتقسيم الأراضى فلابد أن يكون إعطاء الأراضى للخريجين وفقاً لمعايير أكثر توافقية فليس من المعقول إعطاء خريج يقطن بأحد الأحياء الراقية فى القاهرة 5 أفدنة فى الصحراء فمن الطبيعى ألا تكون لديه طاقة للعيش فى الصحراء واستزراعها خاصة أنه ليست لديه أية خبرات فى مجال الزراعة لأنه لم يأتى من بيئة ريفية معتادة على الزراعة ويقوم صغار الفلاحين بشراء هذه الأراضى منهم وتقوم الدولة ببيع هذه الأراضى للفلاحين مرة أخرى.
ومن داخل قرية الهدى والتقوى إحدى قرى وادى النطرون ومتابعة لسلسلة المشاكل التى يعانى منها وادى النطرون والنوبارية قابلنا محمد الشريف رئيس جمعية الهدى والتقوى التابعة للقرية أكد لنا أن قريته خالية تماما من أية مرافق كمدرسة أو معهد دينى أو مستشفى أو فرن عيش أو مركز شباب أو حتى مياه شرب وأنهم ناشدوا الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية ولكن لم يتحرك أحد رغم نداءات أهل القرية واستغاثاتهم فكانوا يقطعون عشرات الكيلومترات للذهاب إلى القرى المجاورة من أجل الحصول على مياه للشرب وكان أبناؤهم يقطعون 100 كيلو ذهابا وإيابا للوصول إلى أقرب معهد دينى وظلوا على هذا الوضع لسنوات لدرجة أن بعض الأطفال كان يلقون مصرعهم يوميا على الطريق الصحراوى بسبب انتظارهم للسيارات أو عبورهم الطريق كما أنها كانت تحمل مشقة كبيرة وخطرا على الإناث اللائى يعدن ليلا ولهذا طلبوا من هيئة التعمير تخصيص أرض لإنشاء معهد دينى وقوبل طلبهم بالرفض من قبل المسئولين ومع كثرة إلحاح الأهالى رضخ المسئولون للأمر شريطة أن يقوم أهالى القرية بشرائها من هيئة التعمير وتحمل تكاليف إنشاء المعهد وقاموا بشراء أرض بمساحة 6 آلاف متر مربع بتكلفة 270 ألف جنيه وقاموا ببناء المعهد بالمجهود الذاتى وبتبرعات أهل القرية وكلفهم بناء معهد ابتدائى وإعدادى 3 ملايين و600 ألف جنيه.
وقال شريف أن هناك قنبلة موقوتة وضعتها هيئة التعمير بين الفلاحين فى وادى النطرون والنوبارية تتمثل فى عدم تحديد مساحات وحدود الأراضى للفلاحين وكان تسليمها غير دقيق وعشوائيًا وبتحديد مساحة الأرض فقط دون وضع حدود فاصلة وقاطعة ولهذا أصبح هناك تعديات من بعض الفلاحين على أراضى غيرهم وأصبحت هناك نزاعات حادة يوميا ودامية على الأراضى وحدودها مشيرا إلى أنه طلب مرارا وتكرارا من هيئة المراقبة التابعة لهيئة التعمير أن ترفع مساحة أراضى القرية وتضع لها رسمًا وتخطيطًا وتقسيمًا جديدًا وجيدًا وواضحًا لنصيب كل فلاح وحدوده واضحة وصريحة قاموا بدفع رسوم هذه الخدمة على نفقتهم الخاصة لكنهم وجدوا أذنًا من طين وأخرى من عجين ولم يجدوا أية استجابة لنداءاتهم.
ومن داخل قرية عبدالعظيم زاهر التابعة لوادى النطرون التقينا بالصعيدى عضو نقابة الفلاحين بالمركز ورئيس جمعية عبدالعظيم زاهر التابع لها القرية حيث أكد أن قريتهم من القرى المحظوظة فيوجد بها مدرسة تعليم أساسى وإعدادى ووحدة صحية وأشار إلى أن أهل القرية هم من يقومون بدفع رواتب المدرسين الأساسية وكذلك الإضافية حتى يستمروا فى المدرسة وتوفير سكن خاص لهم بسبب رفض هيئة التعمير تخصيص أماكن سكنية لهم ولذا فإن كثيرًا من المدرسين لا يرغبون فى المعيشة هناك وغالبيتهم يقدمون طلبات لنقلهم.
محمود العرينى نقيب الفلاحين بالنوبارية ويحيى زكى عضو النقابة ورئيس جمعية على مبارك، أكدا لنا أن مشكلتهم الكبرى تتلخص فى التسويق، حيث لا يجدون من يشترون محاصيلهم لأن منظومة التصدير سيئة جدا وبابها مغلق بالنسبة لهم، لأنهم يزرعون بدون خطة تضعها لهم الدولة وبدون أية عملية إشرافية وتحديد لأسعار المحاصيل على حسب جودتها والسوق المنوطة بها شرائها.
من داخل أحد حقول الفواكه بالنوبارية، أكد لنا محمد الصباغ أحد صغار الفلاحين أنهم مضطرين لبيع محصول البرتقال للتجار بأسعار زهيدة بـ50 قرشا للكيلو بينما تصل تكلفة زراعته إلى 90 قرشا وفدان البرتقال ينتج من 8 إلى 10 أطنان مشيرا إلى أنهم لو ترددوا فى عملية البيع لن يجدوا مشترياً وسيظل المحصول معلقًا على الأشجار لحين ظهور المحصول الجديد وشدد أن بقاء محصول البرتقال على الأشجار دون حصده يلحق به الضرر ولهذا السبب اقتلع كثير من الفلاحين فى النوبارية أشجار البرتقال التى صبروا عليها 5 سنوات لكى تثمر حتى يقوموا بزراعة محصول بديل لها فخسارة قريبة ولا مكسب بعيد.
وفى النهاية قابلنا سعيد السلامى رئيس المديرية الزراعية بالنوبارية لنا أن مساحة البرتقال فى مصر كبيرة جدا كما أن تسويق البرتقال مرتبط بالتصدير بحيث لو كان التصدير مفتوحا لكان تسويق البرتقال جيدا وإذا كان باب التصدير مغلقا سيكون هناك صعوبات فى تسويقه وهذه المشكلة ظهرت عقب ثورة 25 يناير ولهبوط الأسعار بسبب إغلاق الأسواق الخارجية وزيادة المنتج المحلى.
ومن أجل تطوير الزراعة داخل النوبارية ووادى النطرون اقترح السلامى زيادة منسوب المياه وخاصة فى الموسم الصيفى فى نهاية الترع والفروع وضرورة إنشاء شون لتخزين الغلال لحل مشكلة توريد القمح فى أماكن توريد القمح فى أماكن إنتاج المحصول وإنشاء وحدات للكشف على متبقيات المبيدات بأسواق الجملة وعمل حملات مفاجئة على سيارات نقل المنتجات الزراعية وفى حالة وجود نسب غير مسموح بها يتم إعدامها عن طريق الكومات السماوية.
كما اقترح شراء عدد 3 جهاز جى بى إس لاستخدامها فى باقى الإدارات بالمديرية حيث يتم إدخال جى بى إس فى معاينات الإنتاج الحيوانى لتحديد المساحات والأبعاد الوقائية وإدخال خدمة الإنترنت إلى المديرية وإنشاء موقع تواصل مع الوزارة والمزارع وربط أجهزة إدارة المديرية بشبكة داخلية.
«روزاليوسف» عرضت هذه المشاكل على اللواء مجدى أمين رئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية الذى بدوره تنصل من المسئولية ورفض الرد على مشاكل الفلاحين داخل وادى النطرون والنوبارية بعد أن طلب من رئيس فرع الهيئة فى النوبارية عادل نجيب عدم الإدلاء بأية أقوال.