الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولاً.. لا طب.. بدون تجارب فاشلة وأخرى ناجحة ومتميزة.. وجود قانون خطوة على الطريق أفضل من عدم وجوده

مصر أولاً.. لا طب.. بدون تجارب فاشلة وأخرى ناجحة ومتميزة.. وجود قانون خطوة على الطريق أفضل من عدم وجوده

يواجه النظام الصحى فى مصر تحديات كبيرة نتيجة تراكمات طويلة، من أبرزها النقص الحاد المتصاعد من سنة إلى سنة فى عدد الأطباء.. كنتيجة طبيعية للهجرة المتزايدة إلى الخارج. وحسب إحدى الإحصائيات المتداولة، فقد سافر وهاجر إلى الخارج ما يزيد على 11 ألف طبيب فى السنوات القليلة الماضية، وما ترتب على ذلك من انخفاض نسبة الأطباء العاملين داخل مصر، حيث يوجد حاليًا طبيب واحد فقط لكل 1162 مواطنًا، بينما توصى المعايير الدولية على وجود طبيب لكل 400 مواطن.



ومن هذا المنطلق، فإن إصدار «قانون تنظيم المسئولية الطبية وحماية المريض» فى مصر.. بلا شك هو خطوة فى طريق تحسين جودة الخدمات الصحية للمرضى من جهة، وحماية لحقوق المرضى ومقدمى الرعاية والخدمات الصحية من جهة أخرى. ولذا استهدف القانون تحديد إطار قانونى للمسئوليات والالتزامات، ومعالجة التحديات التى تواجه العمل الطبى، على غرار: هجرة الأطباء وكثرة الشكاوى المرتبطة بالأخطاء الطبية.

تحديات حالية..

ويمكن تحديد أسباب الهجرة لعدة أسباب، منها: تدنى الرواتب الشهرية، وظروف العمل القاسية، وعدم وجود إمكانات طبية لوجستية ومعملية، وعدم توافر الأدوية، وغياب التأمين المهنى، والخوف من المساءلة القانونية غير العادلة فى حالة حدوث خطأ طبى. هذه العوامل دفعت بالكثير من الأطباء إلى البحث عن فرص أفضل فى دول الخليج وأوروبا.. مما أدى إلى زيادة الضغط على الأطباء الباقين فى مصر وتدهور جودة الخدمات الطبية المقدمة.

 المريض هو الحلقة الأضعف..

يواجه المرضى تحديات كبيرة فى الحصول على رعاية صحية مناسبة، بسبب: نقص عدد الأطباء نتيجة الهجرة.. مما يؤدى إلى زيادة الضغط على المستشفيات. كما أن نقص التجهيزات والمستلزمات الطبية فى المستشفيات.. يزيد من احتمالية وقوع الأخطاء الطبية. كما نُذكِّر بحالة ضعف الرقابة الطبية على بعض أشكال الممارسات الطبية، خاصة فى العيادات الخاصة غير المرخصة، والمراكز الطبية غير المرخصة، وبعض مصانع بير السلم لإنتاج الأدوية المقلدة والمغشوشة.

فى ظل تلك الأجواء السابقة، فإن فرض العقوبات على الأطباء لن يحل المشكلة الأساسية، والمطلوب هو التركيز على تحسين بيئة العمل، وتطوير المستشفيات ورفع كفاءتها لضمان تقديم رعاية صحية آمنة وعادلة فى ظل انضباط رقابى طبى على أعلى مستوى.

 تأخر إصدار القانون..

رغم المطالبات المتكررة منذ سنوات لإصدار قانون ينظم حالة المسئولية الطبية، فقد تأخر التشريع بسبب حالة الجدل والخلاف حول بعض البنود التى نص عليها، خاصة ذات الصلة بتحديد ما يتعلق بالأخطاء الطبية والعقوبات المترتبة عليها. التداعيات التى ترتبت على هذا التأخير خطيرة، حيث ظلت الممارسات الطبية فى مصر محكومة بالقانون الجنائى.. مما عرَّض الأطباء لأحكام بعقوبات مشددة فى حالة حدوث خطأ طبى غير مقصود، وهى حالة من عدم الفصل بين الأخطاء الطبية والمخالفات الجنائية. وهو على النقيض من المعمول به فى غالبية فى دول العالم.

 الموقف النقابى..

أعلنت نقابة الأطباء المصرية عن تحفظاتها على بنود بعض مواد القانون أثناء النقاش حوله.. خاصة المواد المتعلقة بتجريم الأخطاء الطبية، وعقوبات الحبس والغرامات الكبيرة. كما أكدت النقابة أن الأخطاء الطبية تحدث فى جميع أنحاء العالم، ولا يجب التعامل معها باعتبارها جرائم جنائية إلا فى حالات الإهمال الجسيم أو التعمُّد. وطالبت النقابة بتعديلات لضمان حماية الأطباء من الملاحقات غير العادلة. كما شددت النقابة على أهمية تحسين بيئة العمل للأطباء، ورفع رواتبهم، وتقديم حوافز مادية لمنع هجرتهم إلى الخارج، خاصة مع تصاعد بعض حالات الاعتداء على الأطباء داخل المستشفيات. وهو ما وجد صدى عند المشرع فى صياغة بنود القانون الجديد.

فى جميع دول العالم، يتم الاعتراف بأن الممارسات الطبية لا يمكن أن تخلو نهائيًا من الأخطاء.. حتى مع أفضل الإجراءات الاحترازية. ورغم ما سبق، فإنه لا يجب التعامل مع هذه الأخطاء كجرائم جنائية بشكل تلقائى. هناك فارق بين الخطأ المهنى غير المقصود والإهمال الجسيم.. حتى لا يتحول الأطباء إلى أهداف للملاحقات القانونية.

 القانون الجديد والمخاطبون به..

وافق مؤخرًا البرلمان المصرى على «قانون المسئولية الطبية وحماية المريض»، ليشمل جميع مقدمى الخدمات الصحية، من أطباء وممرضين وصيادلة وفنيين. ويهدف القانون بذلك إلى إقرار ضوابط واضحة وحاسمة للمحاسبة، وإرساء قاعدة التعويض العادل للمرضى المتضررين، دون إخضاع الأطباء لعقوبات وأحكام جنائية فى حالات الأخطاء غير المقصودة. ولذا نص القانون على إنشاء «اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض» لفحص الأخطاء قبل تحويل الطبيب للقضاء، وهو ما يحد من الدعاوى الكيدية التى يحترفها البعض.

وبحسب القانون، يعاقب مقدم الخدمة فى حالة الخطأ الطبى المسبب لضرر محقق لمتلقى الخدمة بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه. وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تتجاوز مليونى جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.. إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبى جسيم.

 المسئولية الطبية وأنواع الأخطاء الطبية..

تشمل المسئولية الطبية لحماية المريض التزام مقدم الخدمة الطبية بتقديم الرعاية المطلوبة وفقًا للمعايير المهنية والأكواد الأخلاقية. والخطأ الطبى هو كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن اجراء طبى واجب عليه اتخاذه.. وفقًا لأحكام هذا القانون أو القوانين الأخرى المنظمة لذلك، ولا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، أو آداب وتقاليد المهن الطبية والمواثيق الأخلاقية المهنية. أما الخطأ الطبى الجسيم فهو الذى يبلغ حدًّا من الجسامة بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا، ويشمل على وجه الخصوص ارتكاب الخطأ الطبى تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبى، أو عن طلب المساعدة له، على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادثة.

ويحدد القانون المسئولية الطبية بناء على مدى التزام مقدم الخدمة بالقواعد المهنية وأخلاقياتها، مع مراعاة مكان تقديم الخدمة والمعايير الخاصة بها.

يلتزم العمل الطبى بأخلاقيات الضمير الطبى المهنى، مثل: تقديم العلاج دون تمييز، واحترام كرامة المريض، والحفاظ على السرية الطبية له. وفى المقابل، يجد الأطباء أنفسهم فى مواجهة أزمة كبيرة حينما يحاكمون جنائيًا على أخطاء غير مقصودة.. مما يضعف الروح المعنوية لدى الكوادر الطبية.

 مميزات القانون الجديد وتحدياته..

من أهم ما ينص عليه القانون الجديد للمسئولية الطبية هو حماية حقوق المرضى من خلال ضمان وجود آلية لمحاسبة المقصرين. وحماية الأطباء من الدعاوى الكيدية عبر لجان متخصصة تحدد المسئولية. وإنشاء صندوق تأمين حكومى ضد الأخطار والأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية لتعويض المتضررين.

يخشى مجتمع الأطباء من أن تتحول نصوص القانون الجديد إلى أداة للابتزاز.. لما يمكن أن يواجهوه من تهديدات بملاحقتهم قضائيًا للحصول على تعويضات. كما أن إبقاء بعض العقوبات الجنائية يثير حالة من الالتباس.. خاصة أن الأخطاء الطبية فى معظم دول العالم تخضع لنظام التعويض المادى، وليس للسجن.

 تجنب المخاطر القانونية أم احتياجات المريض..

قرأت تصريحا مهمًّا يجب وضعه فى الحسبان، وهو يشير إلى أن القانون الجديد قد يدفع الأطباء إلى ممارسة ما يطلق عليه «الطب الدفاعى»، فى إشارة إلى اتخاذ قرارات طبية ليس بناء على حاجة المريض، ولكن لتجنُّب المساءلة القانونية. وهو ما يمكن أن يؤدى إلى: إجراء المزيد من الفحوصات الطبية غير الضرورية لضمان عدم وجود أخطاء. والإحجام عن إجراء العمليات الخطيرة حتى لو كانت ضرورية لإنقاذ حياة المريض. والإفراط فى إحالة الحالات إلى أطباء آخرين لتجنب تحمل المسئولية.. وهو نهج سيؤدى فى كل الأحوال إلى زيادة القيمة المادية لتكلفة الرعاية الصحية، وما يترتب عليه من زيادة معاناة المرضى وآلامهم بسبب تأخر تلقى العلاج.

 المريض لا يعرف حقوقه..

يمنح القانون الجديد للمرضى الحق فى تقديم شكاوى رسمية عند حدوث أخطاء طبية، غير أن الواقع العملى يجعل من الصعب وربما المستحيل على المريض إثبات حدوث الخطأ أو الإهمال، لأنه غالبًا ما يكون المرضى وعائلاتهم غير ملمين بالأبعاد الطبية، مما يجعلهم يعتمدون على تقارير الأطباء أنفسهم، وهو ما قد يخلق مساحة من تعارض المصالح.. ولذا من المهم تنفيذ آليات التحقيق فى الشكاوى من خلال «اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض» التى نص عليها القانون بشكل مستقل للتحقيق فى الشكاوى بطريقة شفافة.. تتضمن حماية حقوق المرضى دون الإضرار بالأطباء الملتزمين بعملهم.

 الطبيب أم المريض..

تتطلب تحقيق قاعدة العدالة بين المريض والطبيب إيجاد توازن حقيقى دقيق بين حماية المريض من الأخطاء الطبية الجسيمة، وبين منحه الحق فى الحصول على تعويض مادى عادل عند وقوع ضرر صحى نتيجة الإهمال الطبى.. وأيضًا، حماية الأطباء من الابتزاز أو الدعاوى والشكاوى الكيدية، وضمان عدم محاسبتهم جنائيًا سوى فى الحالات المثبتة للإهمال الجسيم أو التقصير المتعمد من خلال المزيد من الضمانات القانونية لحمايتهم.

يرتكز القانون الجديد على تحقيق التوازن بين الطبيب والمريض، والمؤكد أنه سيواجه بعض التحديات عند التطبيق العملى.. سواء لحماية المرضى عبر ضمان وجود لجنة متخصصة لتقييم الأخطاء، أو بفرض عقوبات صارمة على الأطباء فى بعض الحالات. ولذلك، يظل التحدى فى نجاح هذا القانون يتوقف على آليات تطبيقه عمليًا، ومدى توفير ضمانات كافية لحماية جميع الأطراف.

 تجاوزات المرضى وتأمين الأطقم الطبية..

إحدى أهم المشكلات التى يواجهها الأطباء هى الاعتداءات المتكررة من المرضى وعائلاتهم عند حدوث أى خطأ طبى، حتى لو كان غير مقصود. وتعرُّض الكثير من الأطباء لاعتداءات لفظية وجسدية داخل المستشفيات، مما يجعل بيئة العمل غير آمنة. ولذا يجب التأكيد على آليات حماية الأطباء من الاعتداءات.. بفرض عقوبات رادعة على أى اعتداء على الطواقم الطبية أثناء عملهم.

 نقطة ومن أول السطر..

«قانون تنظيم المسئولية الطبية وحماية المريض» هو خطوة مهمة طال انتظارها فى سبيل تحسين جودة الخدمات الصحية، وهو جزء فى طريق حل مشكلات ملف الصحة. وهو بداية فى الاتجاه الصحيح، لكن يظل اختبار نجاحه الحقيقى يعتمد على آليات تطبيقه، ومدى تحقيقه لنقطة التوازن العادل بين حماية المريض وضمان حقوق الأطباء فى ظل تطبيق جودة معايير الخدمات الصحية. 

المطلوب هو تطوير المنظومة الصحية المصرية، وليس فقط مجرد إصدار أو تعديل القوانين ذات الصلة.. حتى يشعر كل من الأطباء والمرضى بالأمان والثقة فى جودة النظام والرعاية الصحية.