خلق أزمات عرقية وشيطنة المعارضة وأشياء أخرى.. «الخلطة التركية» للبقاء!

آلاء البدرى
يستخدم أردوغان أساليب متنوعة لضمان تقويض قدرة أحزاب المعارضة فى الحصول على أغلبية الأصوات بهدف خلق واجهة شرعية لنظامه السياسى الاستبدادى تشمل التلاعب بالدوائر الانتخابية وتقييد حملات المعارضة وقمع وسائل الإعلام المستقلة وشيطنة المعارضين ووصمهم بالخيانة والإرهاب وعداوة الوطن والتلاعب بالقانون، ويستغل أردوغان خلق الأزمات مع الأقليات العرقية وإدامتها لبث الخوف فى نفوس الأتراك السُّنة ليصور نفسه وحزبه العدالة والتنمية كمنقذين وحيدين قادرين على حماية البلاد والإسلام.
قبل أيام قليلة من اختيار حزب المعارضة الرئيسى فى تركيا مرشحه الرئاسى القادم أُلقى القبض على أبرز منافسى أردوغان رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وسجِن بتهم ملفقة مما أدى فعليًا إلى إبعاده عن السباق الرئاسى وكانت خطة إقصاء إمام أوغلو مدروسة ودقيقة ونفذت فى خطوات، ففى البداية ألغت جامعة إسطنبول التى تخرج فيها إمام أوغلو شهادته الجامعية؛ إذ يشترط القانون أن يكون المرشحون للرئاسة فى تركيا حاصلين على شهادات جامعية مستشهدة بانتهاكات مزعومة للوائح مجلس التعليم العالى، وبعد ذلك ألقى القبض على إمام أوغلو بتهمة الفساد وبعد ذلك أضيفت له تهمة التعاون مع حزب العمل الكردستانى الذى تعتبره تركيا منظمة إرهابية الأمر الذى أشعل احتجاجات غير مسبوقة فى إسطنبول والعاصمة أنقرة ومدينة إزمير فى غرب البلاد فضلاً عن مدن وبلدات أصغر فى جميع أنحاء تركيا، وتحولت الاحتجاجات إلى أحداث عنفية حيث ألقى المتظاهرون الحجارة والألعاب النارية على شرطة مكافحة الشغب ونشر الضباط مدافع المياه والغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل إلى جانب اعتقال أكثر من 1400 شخص حتى الآن بمن فى ذلك الطلاب والصحفيون والمحامون.
حملة قمع المعارضة
كان سجن إمام أوغلو حلقة فى سلسلة قمع مستمرة منذ أشهر ضد شخصيات المعارضة السياسية؛ حيث سجن 47 منهم على ذمة المحاكمة بمن فيهم أحد مساعديه الرئيسيين ورئيسا بلديتين فى إسطنبول وأفرج عن 44 مشتبهًا آخرين فى قضية فساد واسع النطاق فى بلدية إسطنبول الكبرى تحت الرقابة القضائية القضية المعروفة إعلاميًا باسم الفواتير المزورة وهى من أغرب القضايا الاقتصادية لكنها تعتبر محور ادعاءات الفساد فى تركيا وتعنى إصدار فواتير مزورة من النايلون، وهى لا تشير إلى أخطاء كتابية أو عثرات محاسبية؛ بل إلى محاولات متعمدة لتزييف المعاملات أو تضخيم النفقات أو إخفاء هوية المستفيدين الحقيقيين، ورغم أن هذه الممارسة غير قانونية من الناحية الفنية؛ فإنها منتشرة على نطاق واسع فى تركيا وتشكل جزءًا مما يعتبره الكثيرون اقتصادًا غير رسمى فى البلاد حيث تتلاعب بعض الشركات الرسمية بالأطر القانونية لتبدو ملتزمة بالقانون بينما تنخرط فى ممارسات غير مشروعة، وفى سبتمبر 2024 كشفت وزارة المالية التركية عن فواتير مزورة بقيمة 3 مليارات ليرة تركية ما يعادل 61 مليون جنيه استرلينى فى تحقيق استهدف حوالى 4500 من كبار دافعى الضرائب والمسئولين وإلى جانب الاعتقالات وتلفيق الاتهامات كانت تركيا قد أقرت قانونًا قبل فترة من أجل قمع المعارضة تحت مسمى قانون التضليل الإعلامى والذى قد يؤدى إلــى سجن الصحفييـــن ومستخدمـــــى وسائـــــــــــل التواصـــــــل الاجتماعــــى العاديين لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وشرع هذا القانون باقتراح مباشر من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان متحججًا بحماية البلاد من الفاشية الرقمية الصاعدة والأخبار المزيفة ويحظر القانون على الأشخاص نشر معلومات كاذبة حول الأمن الداخلى والخارجى والنظام العام والرفاهية العامة للبلاد من أجل إثارة القلق أو الخوف أو الذعر بين الناس، والجدير بالذكر أن هذا القانون يتطلب من تطبيقات المراسلة تسليم معلومات المستخدمين إلى السلطات فى حين يتعين على منصات مثل جوجل أو فيسبوك الكشف عن خوارزمياتها الأمر الذى يجعل أحكام القانون المحددة بشكل غامض تسهل بشكل أكبر مقاضاة أولئك الذين يزعم أنهم ينشرون معلومات كاذبة علنًا وقد يؤدى بالتبعية إلى ملاحقة المعارضين والمنتقدين قانونيًا وتعرضهم لأحكام بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات لمجرد التغريد، وقد أدى هذا القانون إلى استجوب ممثلى الادعاء لاثنين من قادة الأعمال الأتراك رئيس جمعية الصناعة والأعمال التركية (توسياد) أورهان توران ورئيس المجلس الاستشارى للجمعية عمر أراس، وذلك فى إطار تحقيق فى مزاعم نشر معلومات مضللة ومحاولة التأثير على الإجراءات القضائية حسبما ذكرت الصحف التركية، وتأتى هذه الاتهامات فى أعقاب انتقاداتهم للسياسات الاقتصادية للحكومة وسلسلة من الإجراءات القانونية ضد شخصيات المعارضة.
نهج أردوغان السياسى
رغم الاحتجاجات الواسعة لا يزال أردوغان فى مأمن من انقلاب شعبى عليه؛ حيث يتجاوز نهجه السياسة ليمتد الى الشعبوية، فطوال فترة حكمه طبق أردوغان برامج وسياسات رعاية اجتماعية متنوعة تهدف إلى مساعدة الفئات المحرومة اقتصاديًا والأهم أنها تعزز أيضًا ولاء مؤيديه وإحدى طرق أردوغان للحفاظ على هذا الولاء هى توفير الرعاية الاجتماعية ذات الطابع التراثى الجديد والتى يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال الرعاية الخيرية من إعادة توزيع الموارد العامة ومنح أفضلية فى الحصول على الوظائف العامة والرعاية الصحية والإسكان وغالبًا ما تأتى هذه المزايا على حساب الجماعات العرقية والدينية والسياسية المهمشة التى لا تتوافق مع أجندة أردوغان، وما يميز نهج أردوغان أو نجاحه بمعنى أوضح هو عرضه الدقيق لهذه المزايا وبفضل الآلية الحزبية الواسعة لحزب العدالة والتنمية الذى يتمتع بفهم عميق للتركيبة السكانية لكل شارع فى تركيا وتمكنه هذه المعرفة من توجيه دعمهم بفعالية والحفاظ على علاقة وثيقة مع مؤيديهم، ونتيجةً لذلك حتى فى خضم الأزمات الاقتصادية لا يزال مؤيدو أردوغان يقدرونه بينما غالبًا ما يجد المنتمون إلى خلفيات غير حزب العدالة والتنمية والطبقات المتوسطة المتعلمة أنفسهم غارقين فى التحديات وتتجلى هذه الديناميكية حتى فى المناطق التى دمرتها الكوارث الطبيعية كالزلازل، ورغم الإخفاقات الواضحة فى معالجة هذه الأزمات لم يواجه أردوغان وحزبه تداعيات كبيرة فى صناديق الاقتراع، ويعزى ذلك إلى استمرار دعم قاعدته الشعبية الموالية التى لا تزال ثابتة على موقفها رغم أى تقصير أو إخفاقات بتطبيق هذه السياسات لا يسعى أردوغان إلى تحقيق مصالحه الشخصية ومصالح رفاقه فحسب؛ بل يقويض أيضًا قوة الطبقة الوسطى مما يشكل تحديًا لمعارضيه فى نهاية المطاف، وتسهم هذه الاستراتيجية فى ترسيخ سلطته من خلال إضعاف مصادر المعارضة والانشقاق.
اتهامات غير مبررة بالإرهاب
الفترة الأخيرة ظهرت معارضة واسعة النطاق للاتهامات التى توزع بالجملة لمعارضى النظام التركى والتى قامت على خلفيتها أكبر حملة اعتقالات لبث الرعب وضمان عدم تجرؤ أحد على الكلام أو معارضة الحكومة، خاصة أن معظم الاتهامات بالإرهاب تتعلق بالتعاون مع حزب العمل الكردستانى الذى أعلن رئيسه المعتقل أوجلان عن حله ووقف إطلاق النار فى الأول من مارس 2025، الخطوة التى رحبت بها أنقرة ووصفها الرئيس رجب طيب أردوغان بأنها فرصة تاريخية لتفكيك حاجز الإرهاب، وأكد هذا التصريح استعداد الحكومة لبحث حل سلمى شريطة أن ينزع حزب العمال الكردستانى سلاحه وينحل ويعكس تأييد الحكومة لوقف إطلاق النار استراتيجيتها الأوسع المتمثلة فى الجمع بين الضغط العسكرى والانخراط الانتقائى، وهو نهج مزدوج أضعف القدرة العملياتية لحزب العمال الكردستانى وترك الباب مفتوحًا أمام الحلول السياسية ويمكن أن يوفر احتمال استئناف عملية السلام مسارًا نحو التكامل السياسى والاجتماعى للسكان الأكراد ومعالجة المظالم القديمة بشأن الحقوق الثقافية والتمثيل والفرص الاقتصادية، ومع ذلك لا تزال الحكومة التركية تشن حملات قمعية على جماعات المعارضة والمنظمات السياسية الكردية ولا يزال العديد من السياسيين الأكراد مسجونين بتهم تتعلق بصلاتهم المزعومة بالإرهاب وتواجه الأحزاب المؤيدة للأكراد مثل حزب الشعوب والمساواة والديمقراطية (DEM) تحديات قانونية وقيودًا تقوض قدرتها على المشاركة فى العملية السياسية لأن تركيا لا تزال تتعامل مع الوضع كمسألة أمنية بحتة بدلاً من أن تكون جزءًا من جهد ديمقراطى أوسع وأن استدامة أى اتفاق سلام على المدى الطويل ستبقى موضع شك إلا إذا قامت أنقرة بالموازنة بين خفض التصعيد العسكرى والإصلاحات القانونية والسياسية التى تعالج الأسباب الجذرية للصراع.