الطريق الثالث.. حصاد أرواح الأبرياء بتوقيع «راعى السلام» الأمريكى تجدد «إطلاق النار» فى الشرق الأوسط.. بين الشراهة والخطأ
لا جديد لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل، فكلتاهما قررت استخدام القوة الغاشمة ضد شعوب عربية مسالمة، بدعاوى القضاء على جماعات إرهابية، وفق التصنيف الغربى الجائر لفصائل المقاومة المسلحة، التى ما كانت لتظهر ويتنامى دورها إلا بفعل الظلم المستمر واغتصاب الحقوق، وانتهاك الأقوياء لأحلام وطموحات الضعفاء فى العيش بسلام وأمان، جرائم لا تتوقف منذ فجر التاريخ ولن تنتهى إلا عند قيام الساعة. إن عودة «إطلاق النار» فى الشرق الأوسط من جديد بعد توقف أكثر من شهرين، أضاع آمالا (واهية) وفضح وعودا (زائفة)، تشدقت بـ«سلام» يمكن أن يتحقق فى المنطقة، قبل أن تفاجئنا الولايات المتحدة الأمريكية بغارات جوية وصاروخية شرسة على اليمن، أعقبها بأيام قليلة وبنفس المنهج الصادم والقوة المفرطة، عودة الحرب فى غزة أو لنكن أكثر دقة، عودة القتل الممنهج، قتل الأبرياء من المدنيين وحصد أرواحهم بلا رحمة، بحجة اصطياد قادة جماعة الحوثى وحركة حماس.
الخطة «الصهيو أمريكية»
أكتب مقالى هذا وأرقام الضحايا من الأشقاء الفلسطينيين تتزايد بسرعة كبيرة، وكشفت التقديرات الأولية أن نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء وهو ما يفضح نتنياهو وعصابته، فقد انفضح بنك أهدافه اللا إنسانى الذى يستهدف حصد أرواح الأبرياء بلا رحمة، ليس بهدف ملاحقة حماس وتقويض قدراتها العسكرية، ولكن من أجل تنفيذ مخطط التهجير وإخلاء القطاع من سكانه، وفق الخطة «الصهيو أمريكية» التى ظهرت إلى العلن فى فبراير الماضى خلال لقاء ترامب ونتنياهو التاريخى فى البيت الأبيض، والذى تم فيه ترتيب أوراق المنطقة وفق طموحات اثنين من أعتى متطرفى العالم، وأكثرهم عنفا وخاصة ترامب، الذى يمتطى غى ولايته الثانية فرس المسيح المنقذ الذى أنقذه الله من الموت ليخلص العالم من كل الأعداء، وقد وضع فى خانة الأعداء، كل من يختلف معه أو يعارض آراءه أو توجهاته داخليا وخارجيا.
تصفية حماس مدنيا
وبحسب ما نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أكد مصدر إسرائيلى مطّلع «أن الجيش الإسرائيلى شن ضربات جوية استهدفت البنية التحتية المدنية التابعة لحركة حماس، بما فى ذلك مقار حكومية وبلدية فى غزة»، فى إطار الهجوم الإسرائيلى على القطاع، وذلك بهدف «تقويض قدرة الحركة على إدارة شئون السكان فى القطاع»، وأضاف المصدر أن نتنياهو يرى «ضرورة تغيير نهج القتال فى غزة، بحيث لا يقتصر استهداف إسرائيل على القيادة العسكرية لحماس، بل يشمل أيضًا قيادتها المدنية».
وأشار المصدر الإسرائيلى إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يرى «أن هذه الاستراتيجية ستسهم فى تدمير قدرات حماس الإدارية والسلطوية، بما يؤدى إلى تراجع سيطرتها مدنيا على القطاع ويفتح المجال لظهور بديل عشائرى يحل مكانها».
خطأ المقاومة
لا تنتقص الأخطاء التى ارتكبتها جماعات النضال المسلح، من دورها التاريخى فى مقاومة الاحتلال بكل أشكاله، ولكن تبقى أزمتها الأخطر وخطأها الذى لا يغتفر، هو تحولها من مجموعات وطنية ثائرة إلى جماعات وظيفية مأجورة تدخل حروبا بالوكالة نيابة عن ممولها، مما يجعلها تسقط دون قصد (وأحيانا متعمدة) فى فخ تقديم خدمات جليلة لأعدائها، كما فعلت حماس فى السابع من أكتوبر 2023، وكما كررت الخطأ من جديد خلال الأسبوعين الماضيين عندما منحت إسرائيل الذريعة لتعود إلى جرائمها ووحشيتها مرة أخرى.
وكانت إسرائيل قد جمدت اتفاقية الهدنة مطلع مارس الجارى وكشرت عن أنيابها ومنعت دخول المساعدات مهددة بعودة الحرب. ولم تأخذ حماس الأمر بالجدية المناسبة، وراهنت مثلما فعلت عندما خططت ونفذت «طوفان الأقصى» على أن الرهائن الذين تحتجزهم سيكونون ورقة ضغط مؤثرة عل نتنياهو وحكومته، وكان الرهان خاسرا فى كل المرات.
كما لم تستغل حماس الزخم الذى أحدثته قمة 4 مارس العربية الطارئة بالقاهرة، وما صدر عنها من خطة مصرية، أصبحت عربية وإسلامية، ودعمتها الدبلوماسية العربية بذكاء فجرى تسويقها بقوة أوروبيًا وأمريكيا، حتى تلقت القاهرة إشارات إيجابية من الإدارة الأمريكية تفيد تغير موقفها من الرفض إلى القبول، وبأن الخطة ستكون أساسا للمشاورات عن مستقبل غزة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية.
المجرم نتنياهو
والمجرم لقب لا يحمل أى افتراء على رئيس الحكومة الأكثر تطرفا فى تاريخ إسرائيل، فلقد حصل (بى بى) على لقب (مجرم) رسميا وبحكم من المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن صدر بحقه أمر اعتقال لارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لكنه للأسف لا يزال حرا طليقا، لم يقبض عليه، لأنه يحظى بحصانة أمريكية.
وبقاء المجرم حرا يدفعه إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، خاصة فى ظل تمترسه خلف قناعات سياسية يغلفها إطار دينى يدفعه إلى دائرة العنف المفرط ضد الفلسطينيين، ومع غياب أى رادع، فإن نتنياهو لن يتوقف وستبقى شراهته على بسط نفوذه إقليميا بلا حدود، ويبدو أنه نجح فى جر صديقه ترامب ليغرس أقدام الجيش الأمريكى فى أوحال الشرق الأوسط، ومتوقع أن يتورط فى عمليات عسكرية أوسع فى اليمن وغيرها من البؤر المشتعلة بالمنطقة.
الصمود المصرى
إن عودة «إطلاق النار» فى غزة حققت لنتنياهو مكاسب أكبر من مسألة الصراع مع حماس، فلقد استعاد بها تحالفه السياسى مع عودة وزيره المستقيل بن جفير إلى الحكومة، وما يمثله ذلك من قوة داخل الكنيست تدعمه فى مواجهة عواصف المعارضة التى تستهدف عرقلة تمرير الموازنة الإسرائيلية الجديدة، فيما يمثل قرار العودة إلى الحرب ضربة معطلة للخطة المصرية التى أزعجت حكومة الاحتلال، خاصة مع تزايد الاهتمام الدولى بها وصعود أسهمها فى مواجهة مخطك التهجير الذى حاصره الرفض العربى والدولى وأضعف من فرص حدوثه.
حرب بلا نهاية
اليمن وغزة وجهان لحرب واحدة يخوضها الحليفتان إسرائيل وأمريكا، وكلتاهما تدرك أنها معارك غير حاسمة ولن تقضى على حماس أو جماعة الحوثى، وكلتا المعركتين تحتاج إلى حل سياسى عندما تصل النيران إلى منتهاها.
والمنتهى هذه المرة فى طهران، حيث بدا واضحا من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية أن كل ما يجرى فى الشرق الأوسط من تصعيد خلال الأسبوع المنصرم، هو عملية تحرش واضحة بإيران من أجل جرها إلى حلية النزال رغبة فى إسقاطها بالضربة القاضية.
إن النيران فى الشرق الأوسط لن تتوقف هذه المرة قبل أن يجد بنو إسرائيل (البقرة) ويشعروا بالأمان، وبقرتهم فى هذا الزمان محل حيرة مثلما كانت فى الماضى، وكما جاء ذكره على لسانهم فى القرآن الكريم: «إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا»، وأما مصيرهم اليوم فربما نجد ملامحه فى سورة «الإسراء» التى تحمل معالم طريق نهايتهم، فى قوله تعالى: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا».صدق الله العظيم