السبت 29 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف شوهت الإسرائيليات مصر وشعبها؟ فرعون ليس لقبًا ولم يكن مصريًا!‏

كيف شوهت الإسرائيليات مصر وشعبها؟ فرعون ليس لقبًا ولم يكن مصريًا!‏

قطعًا ودون ذرة شك، إيمانى مطلق بقصة سيدنا موسى وآل فرعون كما وردت فى القرآن ‏الكريم، فالإيمان بالله وكتابه والنبى الأمى لا يتجزأ، لكن كان يحيرنى دومًا سؤال يخص ‏تاريخ مصر ولا علاقة له بالدين: هل فرعون كان لقبًا لملوك مصر القدماء؟، سؤال منطقى ‏من مصرى ولع بحضارة بلاده وتاريخها وما ورد فيها من آيات الله، إذ لا يوجد معبد أو ‏بردية أو نص أو لوحة أو تمثال أو مسلة ذكر فيها لقب «فرعون»؟، فمن أين جاء الربط بينه ‏وبين ملوك مصر؟، وهل صحيح أن المصريين فراعنة كما يشاع فى الإعلام والكتابات ‏الأجنبية؟



‏ قبل أن تذهب العقول بعيدًا، سؤالى لا علاقة له من قريب أو بعيد بتصريحات العالم الأثرى ‏الدكتور زاهى حواس عن عدم وجود آثار فى مصر، حسب الاكتشافات الأثرية حتى الآن، ‏دالة على وجود أنبياء الله إبراهيم وموسى وهارون ويوسف عليهم السلام، فلم أنشغل بهذه ‏القضية مطلقًا لسبب بسيط للغاية، أن الآثار الكبرى من معابد وأعمدة وتماثيل ومسلات.. إلخ، ‏هى تسجيل لتاريخ الملوك وانتصاراتهم العسكرية، وليس لتاريخ البشر حتى لو كانوا أنبياء.

أما فرعون فهو قضية مختلفة، فنحن نتحدث عن ملك وشعب لعنهما الله، فهل فرعون لقب أم ‏اسم؟ وهل يخاطب الله الملوك الكافرين بألقابهم التى يتعالون بها على البشر، ويتحكمون ‏بسطوتها فى مصائرهم أم يخاطبهم بأسمائهم المجردة ليبين مدى ضآلة شأنهم أمام الخالق عز ‏وجل؟، (وقال موسى يا فرعون إنّى رسولٌ من ربِّ العالمين)، سورة الأعراف، ويا النداء ‏تأتى مع أسماء الأعلام.‏

والأهم لم ترد مصر فى القرآن إلا مقرونة بخير وأمان.

كنت أتابع السجالات التى تثار من آنٍ لآخر دونما سبب: من هو فرعون موسى؟، هل هو ‏رمسيس الثانى (وهو اعتقاد شائع عند الإسرائيليين وصدقه كثير من المصريين ورجال ‏الدين، مع أن جثة رمسيس المحنطة تؤكد أنه لم يمت غريقًا)، أو هو مرنبتاح أكبر أبنائه؟، ‏ويعاود السؤال نغز عقلى: من أين جاء اللقب الذى لا وجود له فى تاريخ المصريين القدماء ‏وملوكهم؟

بالطبع اهتم مصريون بالبحث، وخرجت كتب ودراسات، مثل: (فرعون وقومه كانوا ‏هكسوسًا ولم يكونوا مصريين، الحقيقة المذهلة بأدلة دامغة من القرآن الكريم)، لكاتبه مؤمن ‏محمد سالم، باحث فى علم الأجناس البشرية، و(فرعون موسى من قوم موسى)، لطه عزت ‏وغيرهما.‏ وقبل أن نقلب فى الأدلة والبراهين التى قدماها لنفى لقب فرعون عن أى ملك مصرى، ‏تعالوا نسأل اثنين من برامج الذكاء الاصطناعى عن أصل كلمة فرعون وكيف ظهرت، هما ‏سايدر ومونيكا، ربما نجد حقائق لا نعرفها.

من فضلكم لاحظوا الإجابات المراوغة منهما، قبل أن نصل إلى الحقائق.

سألت: كيف استخدم لقب فرعون فى وصف حكام مصر القديمة؟

الإجابة: لفظ «فرعون» قادم من كلمة مصرية هى « بير.. أهه»، ومعناها البيت العظيم، ويقصد ‏به القصر الملكى، ثم تطور لاحقًا للدلالة على ملوك مصر.‏

ثم راح كل من سايدر ومونيكا يفسر باستفاضة كلمة فرعون ومفاهيمها السياسية والدينية ‏والثقافية واللغوية بما فيها اللغة الإنجليزية.‏

سألتهما: لكن هذا المصطلح لا وجود له على الإطلاق فى الآثار المصرية القديمة؟

وكأنى ضبطتهما متلبسين بالتزوير: أنت على حق، مصطلح فرعون لم يظهر لا فى الآثار ‏ولا فى النصوص المصرية، وكان المصريون يستخدمون لقب «نسويت» بمعنى ملك، ‏و«هاندرى» بمعنى البيت العظيم، ومصطلح فرعون أصبح شائعًا فى أزمنة لاحقة خاصة فى ‏زمن الإغريق والرومان عند تفسيرهم وتوثيقهم التاريخ المصرى.‏

س: اذكر مصادر يونانية ورومانية استخدمت هذا المصطلح؟

ج: المؤرخون اليونانيون مثل هيرودوت فى القرن الخامس الميلادى.‏

س: هل تقصد أن هيرودوت هو أول من استخدم المصطلح؟، (لم أقل له إننى قرأت كتاب ‏هيرودوت فى مصر الذى نقله من اليونانية الأستاذ وهيب كامل المدرس بكلية الأداب جامعة ‏فؤاد الأول ونشرته دار المعارف، ولا توجد فيه كمة «فرعون»)!‏

ج: ليس بالضبط، هو واحد ممن استخدموه!‏

س: أريد إجابة واضحة؟

ج: فى الترجمة السبعينية وهى ترجمة يونانية للآيات العبرية فى القرن الثالث قبل الميلاد، ‏وتشير إلى الملوك المصريين فى السياقات التوراتية!، وقد لاحظ اللغويون أن الكلمة ‏المصرية «بير-اهه» التى تعنى البيت العظيم تطورت إلى فرعون عند ترجمتها إلى لغات ‏أخرى، خاصة بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر عام 332 قبل الميلاد، وبشكل عام يدرك ‏علماء المصريات المعاصرون أن لقب «فرعون» لم يستخدم فى زمن الحكام القدامى، إلا أنه ‏أصبح جزءًا لا يتجزأ من أساليب التحدث عنهم، أى صار إرثًا لغويًا وتاريخيًا!‏

يعنى نسب فرعون إلى ملوك مصر القديمة مجرد اختراع، وقد صدقناه مع أن قدماء ‏المصريين لم يطلقوا هذا الاسم على أولادهم، سواء كانوا أولاد ملوك وأمراء وكهنة، أو أولاد ‏أناس عاديين من الشعب!‏

إذن من هو فرعون الذى خاطبه موسى ودعاه إلى عبادة الله وحين استكبر ورفض، أغرقه الله ‏وجيشه فى اليم؟

يقدم طه عزت كتابه «فرعون موسى من قوم موسى» الصادر فى عام 2009 بسؤال موجع ‏وفى غاية الأهمية: هل قرأنا آيات القرآن الكريم التى تتحدث عن تاريخنا بعقل محايد أم ‏قرأناها وعقولنا موجهة ومبرمجة لنفهمها على تفسير محدد لا نحيد عنه، يمجد بنى إسرائيل ‏ويلعن مصر والمصريين؟

وجاءت إجابته جارحة لعقول وموجعة لأفئدة اختارت السقوط فى الفخ بكامل إرادتها، ولم ‏تستسلم له فحسب، بل استمتعت به، وحافظت عليه!‏

كيف؟

‏نجح أصحاب التوراة «السبعينية – اليونانية» فى جعل حكاياتهم مرجعًا للتاريخ، وبتنا نلوى ‏كل شىء ليتماشى مع ما قالوه، باعتباره الحق المبدئى، وأصبحت كثير من مفاهيمهم مسلمات ‏غير قابلة للنقاش، مع وضوح أخطاء فاضحة فيها: تاريخيًا ومنطقيًا وجغرافيًا، وبدلاً من ‏التوقف وإعادة التفكير، فضل كثير من الباحثين الدوران حولها والتعامل معها بخجل، أما ‏رجال الدين فقد نقلوا هذه الإسرائيليات وأدخلوها فى صلب العقيدة، مشكلين سياجًا متينًا يحمى ‏تلك المفاهيم، حتى إنهم  أصبحوا دون أن يدروا توراتيين أكثر من أصحاب التوراة ‏أنفسهم!‏

وعاشت القصة كما لو أنها الحقيقة التى حدثت بمصر، موسى عليه السلام رسول كريم أرسله ‏الله إلى أهل مصر الكفرة، لكنهم حاربوه وعذبوه مع أتباعه من بنى إسرائيل، وسجدوا ‏لفرعون الذى طغى وتكبر وقال أنا ربكم الأعلى فأغرقهم الله واستحقوا اللعنة.‏

هذا هو جوهر القصة الموجودة فى كتب التفاسير وقصص الأنبياء، والشائعة بين الناس. ‏

لهذا قرر طه عزت أن يكون القرآن الكريم هو مصدره الوحيد فى تفكيك الرواية الإسرائيلية ‏عن مصر وسيدنا موسى وفرعون، واستعان بالتوراة شاهدًا إضافيًا فى كيفية إقحام اسم مصر ‏فى المواقف بدلاً من البلاد التى جرت فيها.

إن كتاب طه عزت هو قراءة مجردة لقصص بنى إسرائيل من واقع القرآن، مستضيئًا بفقرة ‏للإمام محمد عبده: لا حاجة لنا فى فهم كتاب الله إلى غير ما يدل عليه بأسلوبه الفصيح، فهو لا ‏يحتاج فى فهمه إلى إضافات أو ملحقات».‏

وإلى العدد القادم.‏