الإثنين 31 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العقاد وفدوى مواهب وسامح حسين: صناعة المحتوى الدينى من الـ«عبقريات» إلى الـ«ڤيديوهات»!

تخبرنا وقائع الحياة وحكايات الناس أن الدين هو أعظم تجارة لمن أراد الدنيا.. وأعظم زهد لمن أراد الآخرة. ببساطة هناك من يتاجر مع الله وهناك من يتاجر به.. وفى الحالتين المكسب مضمون والطريق مأمون.  ربما تلك الفكرة بشكل عام قد تجمع الكاتب الراحل عباس محمود العقاد مع المخرجة (الداعية فى ثوبها الجديد) فدوى مواهب والممثل الكوميدى صاحب فيديوهات الرقائق (قطايف) سامح حسين.. تخيل؟



 

 الأكيد أنك تستنكر ربط اسم عباس العقاد بما يحدث الآن.. حتى لو لم تقرأ له أى شيء.. أو معرفتك به تقتصر على شهرة شارعه بمدينة نصر.. لكنك ترفض المساس به كرفض الست الوالدة المساس بأى من مقتنيات النيش. 

لكن اسمحلى أن نرصد معًا شكل ومضمون صناعة «المحتوى الدينى» من عبقريات العقاد الشهيرة إلى ڤيديوهات سامح حسين الشهيرة أيضا.. وبينهما ما تفعله الست فدوى مواهب.

الأكيد أن هدفنا ليس الهجوم على أحد أو التقليل منه أو التشكيك فى نواياه.. فقط نرصد ظاهرة ممتدة وليست عابرة.. فى محاولة لمعرفة الفارق بين التجارة بالله والتجارة مع الله.   

سندخل لعالم العقاد من «مرايا» نجيب محفوظ، الذى سجل شهادة خفية ومخفية عن الكاتب الشهير صاحب العبقريات.. سجلها تحت اسم «عباس فوزى».. حيث يرسم ملامحه وملامح عصره بعيون تنفذ إلى عمق الشخصية.. وتوثق حالة أهم وأبعد مما عرفناه كجمهور عن العقاد بما أثاره من تأثير وجدل.. فهل ساهم المفكر الكبير عباس محمود العقاد فى صناعة الدجل أيضا؟

يحكى محفوظ فى «المرايا» عن العقاد: «كُتبه لم تلقَ من الرَّواج ما كان يطمح إليه لمنافسة الأساتذة الجامعيين له فى ميدانه وتفوقهم عليه بمنهجهم العلمى الحديث... وزاد من شجاه أنَّ أحد تلاميذه استغل معرفته بالتراث فى تأليف كتب دينية عن النبى والقرآن؛ فربح من ذلك أموالًا خيالية فكاد الرجل أن يجُن، وراح يقول: على أيَّامنا كان الإلحاد هو الموضة فولينا وجهة أخرى!».

ساعتها لم يكن العقاد قد كتب العبقريات؛ وهى بالمناسبة صاحبة الحظ الأوفر والمكسب الأوفر فى تاريخه. ولم يكن يعرف طريق الثروة بعد.. 

يكمل محفوظ: «سألنى حانقًا: أتعلمُ ما هى الثروة الحقيقية فى بلاد العرب؟

ثم أجاب: ليست البترول ولكنَّها السيرة النبوية والقرآن».

هكذا وضع محفوظ يده على «كلمة السر» وبير البترول الحقيقى الذى لا ينضب أبدًا أمام كل باحث عن الشهرة فى عالم «صناعة المحتوى».

اقترح أحدهم على العقاد: «ما رأيك فى أن نُترجم معًا بعض الكتب الغربية التى أنصفت الرسول؟»

رحَّب العقاد بالفكرة، ونفَّذاها «بالرَّغم من إلحادهما الكامل» بتعبير محفوظ. ليجنى العقاد أول ربح حقيقى فى حياته. وانطلق بعد ذلك يكتب سيَر الأنبياء، فتحسنت أحواله وواجه بثقة ارتفاع الأسعار الذى أعقب الحرب. وينقل عنه محفوظ قوله: «ليت الله أرسل أضعاف أضعاف من أرسل من الأنبياء والرسل».

ميزة هذا النوع من المحتوى أنه يعيش لأطول فترة ممكنة ولا يتأثر بأى تغيير سياسى أو اجتماعى.. يكمل محفوظ: «لمَّا قامت ثورة يوليو لم تكد تؤثر فيه شيئًا، فلا حَزِن على العالم المولى ولا سُر للعالم الصاعد، وضاعف نشاطه فى التأليف الدينى حتى حاز ثروة كبيرة بكل معنى الكلمة».

ربما نحتاج للتنويه مرة أخرى لهواة الصيد فى المياه الصافية والعكرة: لا نستهدف شخصًا ولكن نرصد الظاهرة.

وعلى قدر العقاد وفكره وقدر زمنه ونجومه.. لكن يبدو أن الحكاية مستمرة بشكل أو بآخر.

بينما كان تريند صناعة المحتوى ساعتها هو الكتابة والنشر فكانت الـ«عبقريات»، أما فى زمننا فإن الواقع يفرض الـ«ڤيديوهات».. النبيذ قديم والقوارير جديدة فقط. فهل تتقاطع عبقريات العقاد مع فدوى مواهب أو سامح حسين فى شىء ما؟!

سنرى..

اختلاف الآراء والمذاهب فيما تقدمه «فدوى مواهب»!

الحكاية ببساطة أن فدوى مواهب، واسمها الحقيقى فدوى أبوالمواهب.. مخرجة مصرية وناشطة على السوشيال ميديا. وُلدت فى مصر لأب سورى وأم مصرية، وبدأت مسيرتها الفنية فى سن مبكرة، حيث أخرجت أول فيديو كليب للمطربة شيماء سعيد بعنوان «زيى زيك» وهى فى الرابعة عشرة من عمرها.

درست فدوى المونتاج والإخراج، وعملت فى مجال إخراج الإعلانات والفيديو كليب، حيث تعاونت مع عدد من نجوم الغناء فى مصر.

 تحول مسار «مواهب» بشكل مفاجئ حيث قامت بتدريس المونتاج وأسست خط أزياء للمحجبات. 

فما علاقتها بالعقاد؟

-بير البترول يا صديقى.. لا تنساه

فى السنوات الأخيرة، اعتزلت فدوى الإخراج وتوجهت لتقديم محتوى دينى على منصات التواصل الاجتماعى.. تقدم دروسًا دينية للأطفال والشباب، وتتناول موضوعات مثل بر الوالدين و«قصص الأنبياء». 

لم تحقق فدوى ربع شهرتها عندما كانت مخرجة.. لم يعرفها الناس إلا بمحتواها الذى اتفق معه البعض واختلف عليه الكثيرون.. وهبت حياتها تعلم «أطفال الكومبوندات» الدين بطريقة مختلفة أو متخلفة حسب وجهة نظرك.. لكن الأهم من المحتوى أنها قررت استغلال نفس بير البترول.

تُفتى الأطفال بحرمة ارتداء الـ«هوت شورت» حتى فى المنزل.. وتخبرهم أن كلمة «لا» ستمنعهم من دخول الجنة.

تبنى تصورًا معيبًا عن الدين والحياة فى عقول لا تزال تتشكل بعد.

تقرر فدوى بذكاء «حلب» التريند لأقصى حد.. فتنشر فيديو من داخل المتحف المصرى الكبير ظهرت فيه أمام تمثال الملك رمسيس الثانى وقرأت آيات قرآنية تشير إلى أنه فرعون موسى.. بجهل شديد.. جهل بالدين وبالحضارة والتاريخ.. لكنه وعى ببير البترول!

قطايف سامح حسين

يبدو أن الفنان سامح حسين سار فى طريق مختلف.. لكن للأسف يؤدى إلى نفس النقطة. مشاهدات مليونية وصدى واسع حققه برنامجه «قطايف» على السوشيال ميديا.. فجأة الكل التفت لبرنامج جديد ومؤثر ونفتقده فى الشاشات فحقق رواجًا لم يكن يتوقعه صانعوه.. البرنامج ينتمى لفكرة الرقائق: «موضوعات ترقق القلوب، وتزهد فى الدنيا، وترغب فى الآخرة، وتحض على الطاعات، وتنفر من المعاصي».

اتجاه سامح حسين لـ«الرقائق» يضمن وحده وصول المحتوى لطائفة واسعة من عموم المسلمين.. وهى نفسها التى رفعت «عمرو خالد» إلى مصاف النجوم و«مصطفى حسني» لمصاف مقدمى البرامج المشاهير.. وغيرهم ممن استثمروا واغترفوا من «بير البترول».. ليس هذا تشكيكًا فى النوايا ولكنه ما حدث على أرض الواقع.

بجانب كل هذه الضمانات التى تكفلها «الرقائق»؛ كان الممثل الكوميدى يمتلك ضمانات أكثر للوصول إلى الجماهير.. ليصبح بطلًا لأول مرة فى حياته.. وهو الذى لم يمتلك أدوات الممثل «البطل» أبدًا.

وهذا بالمناسبة جزء من الحكاية التى ساهمت فى التسويق للمحتوى.. حكاية «عدم التحقق».. فيتحول مقدم البرنامج إلى تجسيد لما يعانى منه غالبية المتابعين.. ويصبح نجاحه فى شىء ما بمثابة مساحة أمل للكل.

أما الجزء الثانى من ضمانات نجاحه.. هو ما انتشر عن أن البرنامج كان مطروحًا للتنفيذ فى إحدى القنوات ولكن تم رفضه.. فبالتالى تتحقق «حكاية المظلومية».. الهارب من متن الشاشة إلى هامش وسائل التواصل الاجتماعى.. وبالتالى يصبح نجاحه أيضا انتصارًا للهامش! 

لكن الضامن الأهم والأساسى هو استثمار نفس بير البترول!

الأكيد أننا أمام مؤشر مهم يحتاج للدراسة: أن يتجه الكاتب لتأليف العبقريات ليصبح أكثر ثراء.. وتتجه المخرجة للدعوة بحثا عن الشهرة.. ويتجه الممثل لـ«الرقائق» بحثا عن البطولة المنشودة.. وفى كل الأحوال يصفق الجمهور!