الهدنة «فى ذمة الله» مقامرة نتنياهو.. استأنف الحرب للحفاظ على حياته السياسية

نتنياهو يفتح أبواب الجحيم فى غزة ويستأنف الحرب.. إسرائيل منقسمة.. نتنياهو أحرق ورقة الرهائن من أجل بقائه السياسى.. وبن غفير يعود إلى الحكومة على جثث ضحايا غزة من المدنيين.. هذا هو المشهد الراهن فى أحداث غزة الأخيرة.
للتذكير فقط إسرائيل قبل أحداث السابع من أكتوبر كانت على شفا حرب أهلية، فجاء هجوم «طوفان الأقصى» لينقذ ائتلاف حكومة نتنياهو ويشد العصب القومى الإسرائيلى ونتنياهو يعود اليوم للورقة نفسها.. متى؟ فى نفس اليوم الذى كان من المفترض فيه أن يدلى بشهادته أمام المحكمة بسبب قضايا الفساد وتهم احتيال ورشاوى متهم فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى، وتم إلغاء شهادته بسبب الحرب، فحقق نتنياهو أهدافه من الحرب، بحماية بقائه عبر تحصين ائتلافه وقام بإعادة بن غفير الى الحكومة.
بن غفير عاد باتفاق بين حزبه مع حزب الليكود للعودة لمنصبه بعد شهرين، عقب إعلانه الانسحاب من الائتلاف الحكومى احتجاجًا على إقرار صفقة الأسرى، وهو يعود اليوم على جثث أكثر من 413 فلسطينيًا وإصابة المئات أكثرهم من النساء والأطفال، إثر الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة بينما منشآت القطاع الطبى فى غزة تعانى من ضغط شديد يفوق قدراتها بعد الضربات الإسرائيلية المستمرة دون توقف.
أهداف خفية
هذه هي أهداف إسرائيل الحقيقية، كما قال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورستين، أن تل أبيب ستعمل على تحقيق أهدافها التى من بينها إطلاق سراح الرهائن.. أى رهائن وأى أسرى بعد نحو سبعة عشر شهرًا من الحرب ولم تتمكن إسرائيل من تدمير حماس ولا إعادة الأسرى بالقوة العسكرية، حتى بتسلئيل سموتريتش، وزير مالية حكومة الاحتلال، اليمينى المتطرف، قام بطرد عائلات المحتجزين من أحد اجتماعات الكنيست قائلًا: «سمعناكم أكثر مما يجب.. اخرجوا!» وأضاف قائلًا: «فتحنا أبواب الجحيم على غزة ولن نتوقف حتى يتم تفكيك حماس بالكامل وإعادة الرهائن وتهجير السكان»، بينما كانت شريحة كبيرة من الإسرائيليين متخوفة من أن يموت الرهائن قبل هزيمة حماس. وبحسب آخر استطلاع للرأى أجرته القناة 12 الإسرائيلية، قبل عودة الحرب، أظهر أن 70% من الإسرائيليين يرون ضرورة التفاوض والذهاب إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وبالفعل حسب مصدر مسئول من حركة حماس قال إن أحد المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع قتِل وأصيب آخران نتيجة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على غزة.. هكذا يحررون المحتجزيين!
وبينما لا تزال حماس تحتجز 59 آخرين يرجح أن نصفهم أحياء بينما قتِل الباقون خلال غارات إسرائيلية على قطاع غزة، وفى محاولات إسرائيلية لتحريرهم يتبين الآن للإسرائيليين ما هو الهدف الحقيقى لنتنياهو.. إعادة بن غفير الى الحكومة.. إقرار الميزانية.. وتعزيز ائتلاف نتنياهو.
انتهاك مدبر
إسرائيل هى من انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار بموافقة أمريكية بذريعة أن حماس لم تتجاوب مع المقترح الأمريكى.. إذا نظرنا إلى الوضع الراهن نرى أن حماس قد تتحمل المسئولية الى حد كبير؛ ولكن نتنياهو أيضًا يتمسك بخيط حماس لإبقاء حربه هذه على الجبهات السبع، وقد أكدت إسرائيل أن قرار العودة للقتال فى قطاع غزة تم تنسيقه بشكل كامل مع واشنطن، جاء ذلك بينما تعهد وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس بتصعيد العملية ضد حركة حماس، حال لما تستجب الأخيرة لمطالب تل أبيب، وقال كاتس عقب إطلاق العمليات إن «أبواب الجحيم ستفتح فى غزة وسيتم التعامل مع حماس بقوة لم تشهدها من قبل»، مؤكدًا أن العمليات ستستمر حتى عودة جميع المحتجزين وتحقيق جميع أهداف الحرب.
من جانبه، حمَّل المتحدث باسم الأمن القومى الأمريكى، بريان هيوز، حركة حماس مسئولية التصعيد فى غزة، مشيرًا إلى أن الحركة كان بإمكانها إطلاق سراح جميع المحتجزين لتمديد وقف إطلاق النار، لكنها اختارت الرفض والحرب بدلًا من ذلك، بينما كشف البيت الأبيض أن إسرائيل أبلغت إدارة ترامب بشأن استئناف القتال، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكى كان واضحًا بأن حماس ستدفع ثمن أفعالها إن لم تطلق سراح جميع المحتجزين.
تمهيد لـ«ريفييرا غزة» أم ضغط على حماس؟
التغييرات الواضحة فى التحركات الأمريكية أثارت الكثير من التساؤلات حول موقف الرئيس دونالد ترامب من غزة وسيناريوهات تفريغها من سكانها رغم ما قاله ترامب فى وقت سابق بأنه لا نوايا لطرد الفلسطينيين من القطاع.. ففى الوقت الذى يرى فيه مراقبون هجمات 17 رمضان بمثابة تمهيد لمقترح «ريفييرا غزة» الخاص بالرئيس الأمريكى، يرى البعض أن موجة التصعيد الأخيرة هدفها الضغط الإسرائيلى - الأمريكى على حركة حماس لجنى المزيد من المكاسب فى عمليات تبادل الأسرى بين الجانبين.
وفقًا لوكالة «أسوشيتد برس»، وقف إطلاق النار المتفق عليه فى منتصف يناير عبارة عن خطة من ثلاث مراحل، انتهت الأولى منها قبل أسبوعين. وترددت إسرائيل فى الدخول فى مفاوضات المرحلة الثانية، والتى كان من المفترض أن تؤدى إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، وانسحاب إسرائيلى كامل من غزة، وإعادة جميع المحتجزين لدى حماس وكان من المفترض أن يستمر وقف إطلاق النار طالما استمرت محادثات المرحلة الثانية، وفقًا للاتفاق الذى تم التوصل إليه بعد أكثر من عام من المفاوضات بوساطة مصر والولايات المتحدة وقطر.
تتطلب الخطة الجديدة من حماس إطلاق سراح نصف الرهائن المتبقين مقابل تمديد وقف إطلاق النار ووعد بالتفاوض على هدنة دائمة. ولم تذكر إسرائيل إطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين - وهو عنصر أساسى فى المرحلة الأولى، ورفضت حماس الاقتراح الجديد، متهمة إسرائيل بمحاولة تخريب الاتفاق القائم.
ويأتى القصف فى الوقت الذى أصدر فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ما أسماه «الإنذار الأخير» لحماس بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين فى غزة.
وفقًا لـ«أسوشيتد برس» فإن استئناف القتال فى غزة ستكون له تداعيات فى جميع أنحاء المنطقة؛ حيث أدان الحوثيون فى اليمن الضربات الإسرائيلية، قائلين: «لن يترك الشعب الفلسطينى وحيدًا فى هذه المعركة» مما يشير إلى احتمال استئناف الحوثيين لهجماتهم على السفن فى البحر الأحمر وخليج عدن.
وحذر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إيران من أنها «ستعانى من عواقب» أى هجمات حوثية أخرى، مهددًا بتوسيع نطاق الصراع، وأشارت الوكالة إلى أن تجدد العنف فى غزة من المحتمل أن يؤدى إلى زعزعة وقف إطلاق النار الذى توصلت إليه إسرائيل مع حزب الله فى نوفمبر.
تنفيذ مخطط التهجير
استئناف إسرائيل غاراتها العسكرية على غزة جاء بعد أنباء عن تواصل الإدارة الأمريكية وتل أبيب مع عدة دول بهدف تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، حيث قالت شبكة CBS الأمريكية إن واشنطن تواصلت مع سوريا والسودان والصومال لدراسة الأمر، رغم تصريحات ترامب التى تراجع فيها عن فكرة إخراج أهالى غزة وإنشاء ما أطلق عليه «ريفييرا الشرق الأوسط».
وقبل ذلك بوقت قليل فى واشنطن، أعلنت وزارة العدل الأمريكية تشكيل قوة عمل خاصة للتحقيق مع حركة حماس الفلسطينية بشأن هجوم 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى انتهاكات محتملة للحقوق المدنية وأعمال معاداة السامية من قبل أى شخص يدعم الجماعة، بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالى وسلطات إسرائيلية، وأفاد الإعلان أن فرقة العمل، مكونة من مدعين عامين ومسئولين من مكتب التحقيقات الفيدرالى وسيتم دمجها مع المكتب الوطنى الإسرائيلى لمكافحة تمويل الإرهاب.
إعمار غزة.. إلى أين؟
قبيل استئناف الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، كثّفت مصر من تحركاتها، بهدف حشد وتعبئة الدعم السياسى والمادى للخطة العربية - الإسلامية للتعافى المبكر وإعادة إعمار غزة. وفى هذا السياق، أجرى وزير الخارجية والهجرة، بدر عبدالعاطى، سلسلة اتصالات هاتفية مع نظرائه بالدول الأعضاء باللجنة الوزارية العربية الإسلامية، شملت السعودية والإمارات والأردن وقطر وفلسطين وتركيا ونيجيريا وإندونيسيا، بشأن تنفيذ مخرجات قمة القاهرة الطارئة وخطة إعادة إعمار غزة. كما استضافت الخارجية المصرية، الاثنين، اجتماعًا مع أكثر من 100 سفير أجنبى وممثلى سفارات ومنظمات دولية، حول إعادة تأهيل القطاع الصحى بقطاع غزة.
وبعد استئناف الحرب الإسرائيلية على القطاع، أدانت القاهرة بـ«أشد العبارات» الغارات الجوية الإسرائيلية التى استهدفت قطاع غزة، رافضة فى إفادة رسمية لوزارة الخارجية، «العمل على إفشال الجهود الهادفة للتهدئة واستعادة الاستقرار». ودعت الأطراف إلى «ضبط النفس وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودهم للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار».
وبينما أكد مراقبون وخبراء أن الاتصالات بشأن الترويج للخطة العربية لإعادة الإعمار مستمرة، قال عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، السفير محمد حجازى، إن «الاتصالات مستمرة لحشد الدعم لإعادة الإعمار»، موضحًا أن «خطة إعادة الإعمار كانت متسقة مع اتفاق وقف إطلاق النار الذى تنصلت منه إسرائيل، لكن هذا لن يحول دون استمرار الجهود المصرية والعربية لوقف الحرب وبدء إعادة الإعمار»، معولاً على الضغوط الدولية لإنقاذ المنطقة من مزيد من التصعيد.
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسى الفلسطينى، الدكتور أيمن الرقب، أن إسرائيل «أحد المعوقات الرئيسية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار»، مشيرًا فى حديث صحفى إلى أن «الولايات المتحدة هى الجهة الوحيدة القادرة على إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار، لكنها على النقيض منحت تل أبيب ضوءًا أخضر لاستئناف الحرب.»
وقال الرقب: «حتى الآن لا توجد إجراءات أو خطوات من جانب واشنطن تشير إلى رغبتها فى إنجاح خطة إعادة إعمار غزة»، مشيرًا إلى أن «إعادة الإعمار تتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار فى غزة، وهى ما لم يتحقق حتى الآن». وأضاف: «من غير الواضح ما إذا كان الوسطاء سيتمكنون من إقناع إسرائيل وواشنطن بالانتقال إلى المرحلة الثانية».