الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خطاب ترامب يكشف عن انقسام أمريكى.. وتهديد لكل أعداء الماضى والمستقبل «المنتصر» الأمريكى يعد بزلزلة العالم

فى أول خطاب له أمام الكونجرس، عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإثارة البلبلة مرة أخرى لمدة ساعة وأربعين دقيقة، وُصفت بالخطاب الأطول فى التاريخ الأمريكى منذ 61 عامًا، ليرسم خريطة جديدة للعالم الذى يرى أنه يجلس على عرشه ويعد بـ«إحياء الحلم الأمريكى» مرة أخرى، مشيدًا بسياساته الصارمة التى ساهمت فى محو آثار فترة حكم الرئيس السابق جو بايدن، الذى ذكره فى خطابه أكثر من 12 مرة، مهددًا أنصار واشنطن وأعداءها أيضًا بمزيد من القرارات التى ستزعزع استقرار العالم أجمع شرقًا وغربًا بل وعد بانتهاج سبل أكثر صرامة مع كل من لا يتبع دربه.. دونالد ترامب يعود بنسخته الجديدة، النسخة التى وصفها بأنها إرادة من الله لإنقاذ أمريكا.



 «مشاجرات وطرد واستهزاء»

فى قاعة مليئة بالتصفيق الحاد والهتافات المتباينة، افتتح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؛ خطابه الأول أمام الكونجرس بمشهد درامى: إخراج نائب ديمقراطى من تكساس بعد ثوانٍ من بدء الكلمة، بينما رفع معارضون لافتات تندّد بسياساته، ردَّ الجمهوريون بهتافات «الولايات المتحدة!»، فى مشهد يعكس عُمق الانقسام الذى يهزّ أمريكا. خطابٌ حمل وعوداً اقتصادية جريئة، وهجوماً لاذعاً على الخصوم، حيث استهزأ ترامب بالديمقراطيين الموجودين فى القاعة، ورؤيةً خارجية مُثيرة للجدل. 

وفى أطول خطابٍ لرئيسٍ أمام الكونجرس منذ عقود، استعرض ترامب إنجازاتٍ وصفها بـ«غير المسبوقة»، بدءاً من خفض معدلات الجريمة إلى تعزيز الاقتصاد، بل وترحيل آلاف المهاجرين غير الشرعيين، لكنّ خطابه تجاوز التفاؤل إلى التحدّى الصريح: «نحن لم نبدأ بعد»، مُعلناً عزمه المُضى قدماً فى سياساتٍ ترفضها المعارضة. ولم يتردد الرئيس المنتخب فى مهاجمة سلفه جو بايدن، الذى وصفه بـ«الأسوأ فى التاريخ»، بينما تجاهل انتقادات الديمقراطيين الذين رفضوا حتى التصفيق لإنجازاته المزعومة.

 

ولم تكن القاعة ساحةً للخطاب فحسب؛ بل لمعركة سياسية مكشوفة. حيث رفعت النائبة ميلانى ستانسبري؛ لافتةً كُتب عليها «هذا ليس طبيعياً»، بينما هزَّ النائب آل جرين؛ النائب الديمقراطى عن ولاية تكساس، عصاه وهو يصرخ: «ليس لك تفويض!». المشهد الأبرز كان إخراج جرين من القاعة بقرارٍ من رئيس الكونجرس الجمهوري؛ ما أثار موجة سخرية وغضباً فى الداخل الأمريكى.

 الأفضل فى تاريخ الأمة

لدى حديثه عن إنجازاته خلال فترة 6 أسابيع من ولايته الرئاسية الثانية، لفت ترامب إلى أنه وقع على نحو 100 أمر تنفيذى خلال الأسابيع الستة الأولى من رئاسته، بالإضافة إلى أكثر من 400 إجراء تنفيذى لتعزيز الأمن والاستقرار فى البلاد.

وأكد أنه ينفذ وعوده الانتخابية بسرعة، وقال إن «الشعب انتخبنى لإنجاز المهمة، وأنا أقوم بها».. وأثنى ترامب على أداء إدارته فى الشهر الأول من ولايته، ووصفه بكونه «الأفضل فى تاريخ الأمة الأمريكية»، وشدد على التزامه بمواصلة العمل لتحقيق الازدهار والأمن للولايات المتحدة.

 حالة طوارئ

وبخصوص الهجرة غير الشرعية، جدد ترامب التأكيد على سياساته الصارمة تجاه الهجرة غير الشرعية، وذكّر الأمريكيين بأنه أعلن حالة الطوارئ «خلال ساعات من أدائى اليمين الدستورية».

 

وأوضح أنه نشر الجيش الأمريكى وقوات حرس الحدود على الحدود الجنوبية «لصد غزو بلادنا». وقال إن عدد المهاجرين الذين حاولوا العبور خلال الشهر الماضى كان الأدنى منذ فترة طويلة. وأضاف: «لقد سمعوا كلماتى، واختاروا ألا يأتوا.. هكذا كان الأمر أسهل».

وانتقد ترامب سياسات الهجرة فى عهد سلفه الديمقراطى جو بايدن، وأشار إلى أن «مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين كانوا يعبرون الحدود شهريا» خلال فترة رئاسته.. كما تعهد ترامب بالقضاء على ما وصفه بـ«اليقظة»، وهو مصطلح يستخدمه المحافظون لانتقاد السياسات التى تراعى حقوق الأقليات. كما تعهد بـ«شن حرب على عصابات المخدرات المكسيكية»، معتبرًا إياها تهديدًا للأمن القومى الأمريكى.

 استعراض درامى

وكان شن الحرب التجارية أبرز النقاط التى استغلها ترامب لإشعال قاعة الكونجرس تصفيقًا وهتفًا لإنجازاته، حيث أعلن الرئيس المنتخب فرض رسوم جمركية جديدة على الصين وكندا والمكسيك، مما تسبب فى انهيارٍ مؤقت للبورصة، وفق صحيفة «واشنطن بوست»، ورغم تحذيرات الخبراء من مخاطر حرب تجارية عالمية، أكد ترامب عزمه على سياسة «العين بالعين»، واعداً بجنى «تريليونات الدولارات». لكن صمت بعض الجمهوريين عند ذكر الرسوم كشف عن توترات داخل الحزب نفسه.

ووعد ترامب بـ«ثورة اقتصادية» عبر مشاريع ضخمة، أبرزها خط أنابيب الغاز العملاق فى ألاسكا، وإلغاء قانون دعم صناعة الرقائق الإلكترونية الذى أقرّه بايدن. كما طالب الكونجرس بحظر عمليات تغيير الجنس للأطفال، مُستنداً إلى خطابٍ محافظ يلقى رواجاً لدى قاعدته الانتخابية.

 عودة «المنتصر»

وخلال حديثه، واجه ترامب معارضة من الديمقراطيين الذين حضروا خطابه وهم يرفعون لافتات كتب عليها «خطأ»، فى إشارة إلى رفضهم لتصريحاته بشأن إنجازاته.

وردّ على ذلك بالقول: «لا يمكننى جعلهم سعداء بما حققته، لأن ذلك ليس من أهدافهم».. وفى محاولة مدّ يده للحوار، دعا ترامب الديمقراطيين إلى التعاون قائلًا: «الديمقراطيون الجالسون أمامى الليلة، لماذا لا تنضمون إلينا وتحتفلون بالانتصارات العظيمة لأمريكا؟

دعونا نعمل معًا، دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».

وتطرق ترامب فى خطابه أمام الكونجرس، إلى سلسلة القرارات التى اتخذها منذ توليه منصبه، وهى تهدف إلى استعادة السيادة الأمريكية وترسيخ مبادئ المنطق والعقلانية فى البلاد.

ولفت ترامب إلى أنه جمد التوظيف فى المؤسسات الحكومية وأوقف المساعدات الخارجية، وقال إن الأولوية يجب أن تكون لخدمة الأمريكيين.

وذكر بأنه انسحب من اتفاق باريس للمناخ الذى كان يكلف الولايات المتحدة «تريليونات الدولارات»، بالإضافة إلى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وأضاف أنه أنهى القيود البيئية التى «جعلت البلاد أقل أمانًا»، وألغى تفويض السيارات الكهربائية، ما «أنقذ عمال قطاع السيارات من الدمار الاقتصادى». 

وذكر بقراره فرض العمل من المكاتب على جميع الموظفين الفيدراليين، وإلا إنهاء وظائفهم. وأشار إلى أنه وقع أمرا تنفيذيا يقضى بإنهاء ما وصفه بـ«استخدام الحكومة كسلاح»، وقال إن الرئيس لا ينبغى أن يكون قادرًا على مقاضاة خصومه السياسيين.

 الجنس الأمريكى المختار

ولفت الرئيس الأمريكى المنتخب إلى أنه وقع أمرا تنفيذيا يجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للولايات المتحدة، وبإعادته تسمية خليج المكسيك بـ«خليج أمريكا»، بالإضافة إلى إعادة تسمية جبل ماكينلى تكريمًا للرئيس ويليام ماكينلى.

ويشعر الناشطون بالقلق إزاء ما قد يعنيه ذلك بالنسبة لغير الناطقين باللغة الإنجليزية عندما يتعلق الأمر بالهجرة وحقوق الناخبين وقضايا أخرى، بحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

 

ووفقاً للمعهد الدولى للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، فإن اللغة الرسمية هى ما تستخدمه الحكومة لإجراء الأعمال الرسمية اليومية. وجود لغة رسمية واحدة أو أكثر يمكن أن يساعد فى تحديد شخصية الأمة والهوية الثقافية لأولئك الذين يعيشون فيها.. بحسب المعهد، إعطاء الأولوية للغة واحدة قد يضع بعض الأشخاص فى موقع السلطة ويستبعد آخرين لا يتم الاعتراف بلغتهم.

تعتقد مجموعة «يو إس إنجليش» U.S. English، وهى مجموعة تدافع عن جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية فى الولايات المتحدة، أن وجود لغة رسمية يوفر وسيلة مشتركة للتواصل، ويشجع المهاجرين على تعلم اللغة الإنجليزية لاستخدام الخدمات الحكومية و«يحدد سياسة لغوية منطقية مطلوبة بشدة».

وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأم ريكى، يتم التحدّث بأكثر من 350 لغة فى الولايات المتحدة.

اللغات الأكثر انتشاراً بخلاف الإنجليزية هى الإسبانية والصينية والتاغالوغية (يتحدّث بها قسم من سكان الفلبين) والفيتنامية والعربية.

يتحدث الأشخاص فى الولايات المتحدة أيضاً لغات أمريكا الشمالية الأصلية مثل نافاجو ويوبيك وداكوتا وأباتشى وكيريس وشيروكى، من بين لغات أخرى.

وشدد ترامب خلال خطابه على إنهاء ما يُعرف بسياسات «التنوع والمساواة» فى الحكومة، والقطاع الخاص، والجيش، وقال إن التوظيف يجب أن يعتمد على المهارات وليس على العرق أو النوع الاجتماعى.

وأعلن ترامب أن سياسة الولايات المتحدة الرسمية تعترف بوجود «نوعين فقط: ذكر وأنثى»، ولفت أيضا إلى أنه وقّع على أمر تنفيذى يمنع الرجال من المشاركة فى رياضات النساء، معتبرا أن ذلك جزء من «ثورة المنطق والعقلانية التى تكتسح العالم».. وقال إن هذه القرارات تمثل بداية مرحلة جديدة لإعادة بناء أمريكا وفق مبادئ الكفاءة والعدالة والحماية الوطنية.

اجتماع «عدائى»

وفى مفاجأةٍ غير متوقعة، أعلن ترامب تلقيه رسالة من الرئيس الأوكرانى زيلينسكي؛ تعبر عن استعداد كييف للمفاوضات مع روسيا، جاء ذلك بعد أيام من تجميد واشنطن المساعدات العسكرية لأوكرانيا، واجتماعٍ وصف بـ«العدائى» بين ترامب وفانس من جهة، وزيلينسكى من جهة أخرى. فهل تُعيد الإدارة الأمريكية رسم تحالفاتها فى ظل حرب أوكرانيا؟ السؤال يلوح فى الأفق.

ولم يخلُ الخطاب من لمسات تلفزيونية، حيث منح ترامب وساماً فخرياً لطفلٍ نجا من السرطان، وأعلن قبول شاب فى أكاديمية عسكرية بعد مقتل والده.

 هذه اللحظات «الإنسانية» حاولت تخفيف حدة الخطاب، لكنها لم تخف الانتقادات الموجهة لاستغلال المشاعر لأغراض سياسية.

ورغم التفاؤل الذى حمله الخطاب، فإن التحديات تبقى جاثمة: انقسام سياسى غير مسبوق، كذلك انقسام سياسى من أبناء الحزب الجمهورى، مخاوف اقتصادية من تداعيات الرسوم الجمركية، وعلاقات خارجية هشة مع حلفاء تقليديين. حتى الديمقراطيون المنقسمون على أنفسهم بدأوا يبحثون عن إجابةٍ لسؤال مركزى: هل يستطيع ترامب تحويل خطابه النارى إلى واقعٍ دائم، أم أن رياح التغيير ستعصف بوعوده مع اقتراب الانتخابات؟