الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما تكون الاتفاقية مجرد بداية.. دبلوماسية المعادن بين «ترامب» و«زيلينسكي»

فى خضم تصاعد الأحداث المتسارعة فيما يخص الحرب الروسية - الأوكرانية، وما يدور فى فلكها من تطورات فى المشهد السياسى والدبلوماسى مع تدخل الإدارة الأمريكية الحالية على خط الأزمة بصورة مختلفة عن سابقتها، تغير المشهد بشكل كلى خلال الأيام القليلة الماضية؛ وفى ظل الحديث عن مفاوضات تقودها «الولايات المتحدة» من أجل إنهاء الحرب، غيّر الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» سياسته تجاه «كييف» لتصبح أكثر نفعية لواشنطن، عبر وضع شرط (اتفاقية المعادن) المثيرة للجدل.



ففى خلال الأيام القليلة الماضية، بلغ الخلاف بين «واشنطن»، و«كييف» مرحلة غير مسبوقة مع تعنت الرئيس الأوكرانى بعدم توقيع الاتفاقية مع نظيره الأمريكى، حتى وصل الخلاف ذروته مع زيارة «زيلينسكي» للبيت الأبيض، حيث تم طرد الرئيس الأوكرانى من المبنى على إثرها، وفقا لما نقلته وكالة أنباء «رويترز» عن 4 أشخاص مطلعين على الأمر.

ولكن، فى صباح الأربعاء الماضى، تفاجأت الدول الغربية بتصريح الرئيس الأوكرانى الذى أعرب فيه عن استعداده للتفاوض بشأن تسوية سلمية للصراع فى «أوكرانيا»؛ فيما نشرت وسائل إعلام أن إدارة الرئيس الأمريكى و«أوكرانيا» تسعيان لتوقيع اتفاق المعادن.

 لماذا يصر «ترامب» على (اتفاقية المعادن)؟

قبل الحديث عن أهداف «ترامب» فى اتفاقية المعادن، يذكر أن الاتفاق الذى كان من المفترض توقيعه منذ أيام، لا يتضمن أى ضمانات أمنية صريحة لأوكرانيا، لكنه منح «الولايات المتحدة» إمكانية الوصول إلى عائدات الموارد الطبيعية الأوكرانية. 

كما نص الاتفاق على أن تساهم الحكومة الأوكرانية بنسبة 50 % من أى عائدات مستقبلية من استثمار الموارد الطبيعية المملوكة للدولة فى صندوق استثمارى مشترك بين «الولايات المتحدة، وأوكرانيا»، من أجل إعادة الإعمار.

أما فيما يخص رغبة «ترامب» لتوقيع تلك الاتفاقية، فهى تعد جزءًا من طموح أكبر كشف عنه الرئيس الأمريكى فى غضون أول 40 يومًا من ولايته الثانية، إذ أعرب عن اهتمامه بالاستحواذ على «جرينلاند»، من أجل المعادن النادرة؛ إلى جانب ضم «كندا»، التى تمتلك احتياطيات هائلة من (اليورانيوم، والنحاس). 

هذا بالإضافة إلى رغبة «ترامب» فى تأمين السيطرة على المعادن النادرة، وتحديدًا (التيتانيوم) فى «أوكرانيا»، فى مقابل استمرار الدعم الأمريكى.. إذ وُصفت الأراضى الأوكرانية بأنها قوة معدنية كبيرة، لأنها -قبل الحرب الروسية الأوكرانية- سجلت 20 ألفًا (8700 منها مؤكدة) من المعادن الخام، بما فى ذلك 117 من أكثر 120 معدنًا استخدامًا على مستوى العالم. كما أفادت السلطات الأوكرانية والدولية أن البلاد كانت موطنًا لأكبر احتياطيات العالم القابلة للاستخراج من الفحم، والغاز، والحديد، والمنجنيز، والنيكل، والتيتانيوم، واليورانيوم.

وفى المقابل، ومع وجود أقــل مـــن 2 % من احتياطيات العالم من المعادن النادرة، والجرافيت، والكوبالت، والنيكل فى «الولايات المتحدة»، فإن الرئيس الأمريكى الحالى انتبه لضرورة أن تعمل «الولايات المتحدة» بشكل وثيق مع الدول الغنية بالموارد، من أجل ضمان حصول الشركات الأمريكية على المعادن التى تحتاجها لتطوير الأسلحة التكنولوجية، والبطاريات، والهواتف، وأشباه الموصلات. 

وتأتى رغبة «واشنطن» للاستحواذ على المعادن النادرة تحديدًا انطلاقًا من سباق التسلح المحموم بين الدول الكبرى، فى ظل التطور التكنولوجى السريع.

فالولايات المتحدة نادرًا ما استخدمت السياسة الخارجية، من أجل الحصول على المعادن التى تحتاج إليها؛ على عكس منافستها الصاعدة بقوة «الصين» التى كانت تؤمن -لسنوات عديدة- المعادن الاستراتيجية من مختلف أنحاء العالم، حيث تستورد ما يكفى لمعالجة ما يزيد عن 65 % من معادن الليثيوم، والكوبالت، والنيكل، والنحاس، و90 % من المعادن النادرة، كنتيجة لسنوات من التخطيط الصناعى الاستراتيجى وجهود السياسة الخارجية من قبل «بكين».

ولكن، فى الوقت الحالى تغيرت رؤية «واشنطن» بشكل كبير، فيما يخص دمج المعادن فى السياسة الخارجية، إذ صارت تشكل أهمية بالغة للأمن القومى الأمريكى، منذ تولى الإدارة الأمريكية الحالية. 

التحديات التى تواجه «واشنطن»

سواء وقعت «الولايات المتحدة» مع «أوكرانيا» الاتفاقية أم لا، فإن «الولايات المتحدة» لا تزال تواجه تحديات فى هذا الصدد، فليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه الاتفاقية ستعزز -بالفعل- الأمن المعدنى الأمريكى. 

فيرى بعض خبراء المعادن أن الواقع يشير إلى أن الأمر سيستغرق عقودا من الزمن قبل أن ترى «الولايات المتحدة» تأثير هذه الاتفاقية، إن كان لها أى تأثير على الإطلاق.

واستدلوا فى هذا الرأى إلى المعرفة الضئيلة لدى «الولايات المتحدة» فيما يخص الموارد الجوفية فى «أوكرانيا»؛ حيث لا توجد خرائط حديثة لرواسب المعادن النادرة فى البلاد؛ مؤكدين أنه فى غياب البيانات الجيولوجية الحديثة، يصبح من المستحيل تحديد ما إذا كانت هذه الموارد مجدية اقتصاديًا للاستخراج. 

كما أضافوا إنه إذا كانت درجة الخام فى معادن «أوكرانيا» منخفضة للغاية، أو كانت المنتجات الثانوية غير ذات قيمة كافية، فمن غير المرجح أن تستثمر الشركات الخاصة مبلغ 500 مليون إلى مليار دولار أمريكى اللازم لتطوير منجم، وإنشاء المصانع.

ونظرًا لأن متوسط ​​الوقت اللازم لتطوير منجم من اكتشاف الموارد إلى الإنتاج يبلغ نحو 18 عامًا، فسوف يستغرق الأمر على الأقل هذا الوقت - أربع دورات انتخابية رئاسية أمريكية أخرى - قبل أن تتمكن «الولايات المتحدة» من البدء فى الحصول على المعادن من «أوكرانيا».

التحديات التى تقف أمام «الولايات المتحدة» فيما يخص معادن «أوكرانيا»، لم تتوقف عند هذا الحد، إذ ستحتاج «واشنطن» إلى مساعدة الأراضى الأوكرانية فى بناء الطرق، والجسور، والبنية الأساسية الأخرى فى الأماكن الغنية بالمعادن، خاصة بعد الضربات الصاروخية وقصف الطائرات المسيَّرة وغيرها التى ألحقت أضرارًا بنحو نصف محطات الطاقة الفرعية فى «أوكرانيا». 

أضف إلى هذا أن «الولايات المتحدة» مضطرة إلى زيادة التمويل للمؤسسات الإنمائية لتسهيل الطريق أمام شركات التعدين الغربية فى «أوكرانيا».

وأخيرًا، يذكر أن أى اتفاق تعاون بين الحكومات لا يكون مفيدًا، إلا إذا كان يحفز الاستثمار من جانب شركات التعدين الخاصة، التى تعمل على تطوير هذه المعادن إلى شكل يمكِّن الشركات التكنولوجية الكبرى من استخدامه.

فى النهاية، إن توقيع (اتفاقية المعادن) بين «الولايات المتحدة»، و«أوكرانيا»، ستكون مجرد بداية لطريق آخر طويل من التحديات بالنسبة للطرفين، كما أنها ستكون أحد المنافع التى ستجنى ثمارها «واشنطن» من مخططات أكبر تدور فى رأس رجل الأعمال «ترامب»، وإدارته الحالية التى تتبنى مبدأ (أمريكا أولًا).