الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بذريعة 7 أكتوبر هجمة استيطانية شرسة على أراضى الضفة الغربية

منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023، استولت سلطات الاحتلال على ما يزيد على 50 ألف دونم من أراضى الضفة الغربية، واستمرت عمليات الهدم والتهجير القسرى، خاصة فى التجمعات السكانية البدوية، كما توسع نطاق الحواجز العسكرية وإقامة بوابات حديدية فى مختلف مناطق الضفة، وهدم الجيش الإسرائيلى منذ بداية الحرب قرابة 500 منزل ومنشأة فى الضفة الغربية.



وعلى خلفية وقف إطلاق النار فى غزة، صعدت إسرائيل بشكل مطرد عملية عسكرية مكثفة فى المدن الفلسطينية فى الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف من السكان.

ومنذ هجوم حماس فى 7 أكتوبر شنت إسرائيل بانتظام غارات جوية على الضفة الغربية، وهو أمر لم يسمع به من قبل، وقال وزير دفاعها يسرائيل كاتس، إنه أصدر تعليمات للجيش بالبقاء لمدة عام ومنع عودة السكان.

ومنذ 7 أكتوبر حتى اليوم، كان هناك دائما توتر بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية فى الضفة الغربية، فقد نفذت إسرائيل لسنوات عديدة توغلات منتظمة فى المجتمعات الفلسطينية، مستهدفة كما تقول المسلحين الفلسطينيين، لكن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر بشر بعصر جديد، وكثف الجيش الإسرائيلى القيود المفروضة على الفلسطينيين، وأقام نقاط تفتيش جديدة وقيد من يمكنه العبور من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وكان هناك ارتفاع فى هجمات المستوطنين اليهود على الفلسطينيين، ما أسفر عن مقتل العشرات. 

وفى أغسطس الماضى شنت إسرائيل عملية عسكرية كبرى فى شمال الضفة الغربية، أطلقت عليها اسم عملية المخيمات الصيفية، وأرسلت مركبات مدرعة إلى مدينتى جنين وطولكرم، مما أدى إلى قطع المياه والكهرباء وإجبار الفلسطينيين على تقليل الطعام، وغالبا ما تمزق الجرافات الإسرائيلية المدرعة الطرق أثناء هذه التوغلات. 

وتزعم إسرائيل أن ذلك تكتيك ضرورى لكشف العبوات الناسفة البدائية، لكنها غالبا ما تترك أحياء بأكملها غير ممهدة، كما استهدفت إسرائيل جوانب أخرى من الحياة الفلسطينية فى الضفة الغربية، فقد أقر الكنيست قانونا فى العام الماضى من شأنه أن يعرقل عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، معتبرا أنها لم تفعل ما يكفى للقضاء على التطرف فى صفوفها. 

وفى إسرائيل، أمر وزير المالية اليمينى المتشدد بتسلئيل سموتريتش، المسئول عن المستوطنات فى الضفة الغربية، بالتحضير للضم، قائلا إن انتخاب ترامب يجلب فرصة مهمة لدولة إسرائيل. وقال إن الطريقة الوحيدة لإزالة التهديد المتمثل فى الدولة الفلسطينية هى تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات بأكملها فى يهودا والسامرة.

ويبدو أن وزير المالية يلعب دورا كبيرا فى نهج نتنياهو الأكثر عدوانية. وقد نشر الجيش الإسرائيلى فصيلة دبابات فى جنين، وهى المرة الأولى التى يتم فيها إرسال الدبابات إلى الضفة الغربية منذ عام 2002، أثناء الانتفاضة الثانية.

إنها علامة على مدى عسكرة العملية هناك.. لم يعد الجيش الإسرائيلى يعتقد أن القوات البرية وحتى الغارات الجوية كافية.

وتدخل عملية السور الحديدى التى أطلقها الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية بوتيرة توسعية متصاعدة، شملت مخيمات جنين وطولكرم، وامتدت إلى محافظة طوباس، وخاصة طمون ومخيم الفارعة، وجاءت العملية بعد قرار المجلس الوزارى المصغر للشئون السياسية والأمنية الكابينت بإضافة بند تعزيز الأمن فى الضفة الغربية إلى أهداف الحرب.

وفى ظل تصريحات وزراء فى الحكومة الإسرائيلية بأن العام الحالى هو عام ضم الضفة الغربية وفرض السيادة عليها، فقد نفذ الاحتلال فى سعيه لتحقيق هذا الهدف سياسات عقاب جماعى عدوانية عنيفة على كل الصعد، شملت القتل والتهجير والاعتقالات والاقتحامات اليومية، وتدمير البنى التحتية والمنشآت العامة، مما شكل تهديدا خطيرا للوجود الفلسطينى فى تلك المناطق.

ومنذ إطلاق العملية استشهد أكثر من 200 فلسطينى واعتقل أكثر من 800 إضافة إلى عمليات التهجير التى طالت عشرات آلاف الفلسطينيين ووصل عددهم إلى 40 ألفاً، ونفذ الاحتلال 14 غارة جوية خلال العملية التى يشارك بها نحو 10 آلاف جندى من عناصر الجيش. 

ووصفت القناة 12 الإسرائيلية فى تقرير لها نشر فى 9 من فبراير مستويات التدمير التى تعرضت لها جنين، بأنها استنساخ لتجربة التدمير الذى تعرضت له جباليا وغزة طوال الحرب.

وتدل مؤشرات كثيرة على مضى الاحتلال فى العملية حتى النهاية، خصوصا أنه لم يحدد سقفا زمنيا لها، بينما يرى محللون أن ما يحدث هى مقدمات ضم الضفة وتفكيك السلطة وإنهاء وجودها.

وهناك رغبة جامحة لدى اليمين الصهيونى فى الوصول إلى تحقيق هدفه فى ضم الضفة عبر كسر الحواجز واستثمار المناخات التى خلقتها الحرب فى المنطقة؛ ويظهر ذلك بوضوح من خلال استخدام الطيران والقصف الجوى والاغتيالات والتجريف وطحن البيئة الجغرافية الفلسطينية والتغول ضد كل ما هو فلسطينى تحت مزاعم ملاحقة التهديد.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا فقد أدت عملية السور الحديدى إلى تشريد نحو 40 ألف فلسطينى، وأسفرت عن إفراغ العديد من مخيمات اللاجئين من سكانها تقريبا، وعمليات جيش الاحتلال المتكررة والمدمرة جعلت مخيمات اللاجئين فى شمال الضفة غير صالحة للسكن.

ووصف المختص فى شئون الاستيطان جمال جمعة، أن عملية التهجير فى المناطق التى هاجمها الاحتلال مثل جنين وطولكرم ونور شمس، وغيرها من قرى شمال الضفة، هى نموذج مصغر لما حدث فى غزة، عبر تدمير ممنهج لكل الإمكانيات، من بنى تحتية وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحى وطرق وعيادات وغيرها، ما جعل عودة الفلسطينيين إلى مناطق سكنهم صعبة جدا.

واستغلت حرب الإبادة على غزة فى التهجير المنظم، حيث تم تهجير أكثر من 28 تجمعا بدويا ورعويا والسيطرة على 240 كيلومترا مربعا، إضافة لتفعيل 1000 حاجز تقسم الضفة الغربية إلى كنتونات صغيرة ومحاصرة يتم تفتيش كل من يمر بها ؛ كما تم اقتحام مخيم بلاطة شرق نابلس وهو اقتحام بوضح النهار.

وقد صادق الكنيست فى 29 يناير الماضى على قانون بالقراءة التمهيدية يجيز للمستوطنين شراء وتملك الأراضى فى الضفة الغربية. ووصف الصحفى فى يديعوت أحرونوت اليشع بن كيمون القانون بأنه يلغى فعليا القانون الأردنى قانون تأجير وبيع العقارات للأجانب رقم 40 الصادر عام 1953، الذى يحظر شراء الأراضى فى الضفة الغربية من قبل الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الأردنية أو العربية، معتبرا التغيير فى القانون من شأنه تعزيز الاحتلال الإسرائيلى للأراضى بالضفة.

وفى أحدث القوانين التى تفسر الرغبة الجامحة لضم الضفة الغربية، وافقت اللجنة الوزارية لشئون التشريع فى الكنيست بالقراءة الأولية على مشروع قانون يهدف إلى تغيير تسمية الضفة الغربية فى التشريع إلى يهودا والسامرة.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت فى عام 2023 ضم المواقع الأثرية الفلسطينية إلى ما يسمى سلطة الآثار الإسرائيلية. وذكرت نوعا شبيجل، فى مقال نشرته صحيفة هآرتس أنه يوجد أكثر من 3200 موقع أثرى فى الضفة الغربية، غالبية هذه المواقع تقع ضمن المناطق المصنفة ج، وهناك المئات منها فى المناطق ب. 

أما بناء المستوطنات فقالت منظمة السلام الآن الإسرائيلية فى تقرير على موقعها فى 21 يناير 2025: شهد النصف الثانى من عام 2024 بناء 7 بؤر استيطانية جديدة فى المناطق المصنفة ب فى خرق واضح لأول مرة لبنود اتفاقية أوسلو الموقعة فى عام 1995، التى تنص على أن المناطق ب تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية الكاملة، بما فى ذلك سلطة التخطيط والبناء، ولإسرائيل السيطرة الأمنية فى هذه المناطق. 

وأشارت إلى أن العام الماضى شهد بناء 52 بؤرة استيطانية فى مختلف أنحاء الضفة الغربية، وأن ما أقيم من هذه البؤر الاستيطانية بالمناطق المصنفة ب تقدر نسبته بأكثر من %13 من إجمالى عدد البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة.

وذكر تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن الحكومة الإسرائيلية بدأت خلال العام الماضى عملية شرعنة 10 بؤر استيطانية، إضافة إلى الـ14 التى بدأت عملية شرعنتها فى العام الماضى. فى الوقت نفسه، أنشأ وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش مسار شرعنة التفافيا لـ 70 بؤرة استيطانية، الذى بموجبه سيتم توفير الميزانيات وبناء المبانى العامة فى البؤر الاستيطانية غير القانونية.

وفى يوليو من العام الماضى سحبت إسرائيل الصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية فى المناطق ب تحديدا فى برية وبادية بيت لحم التى تمثل ما نسبته 3 % من مساحة الضفة الغربية وحولتها لتتبع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وذلك بسحب صلاحيات السلطة التخطيطية، ومنعها من منح تراخيص بناء جديدة وهدم المبنى بها، إضافة للمبانى القريبة من المواقع الأثرية بمناطق ب والمقدرة بحوالى 600 موقع. 

 وفى ولاية ترامب الأولى، تسارعت وتيرة الضم والسيطرة الاستيطانية على الأراضى خصوصا مستوطنات القدس. 

وفى عام 2020 أطلقت لجنة أمريكية - إسرائيلية خارطة الضم بشكل رسمى، وتم تغيير مسارات الطرق الرئيسية التى تربط بين القدس وباقى محافظات الضفة الغربية. 

وتحولت الحرب على غزة إلى غطاء لتنفيذ أضخم هجمة إرهابية استيطانية فى الضفة الغربية. وذكر تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن أكثر القرى والمدن الفلسطينية التى تتعرض لهجمات استيطانية وحملات أمنية هى القرى الواقعة بين محافظتى نابلس ورام الله.

وتم قطع حوالى 10 آلاف شجرة مثمرة فى عام 2024 من قبل المستوطنين، كما هدم 904 منازل ومنشأة خلال العام نفسه، ووصلت اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال إلى 16 ألفا و612 اعتداء، منها 3 آلاف اعتداء مستوطنين، وتسببت باستشهاد 10 مزارعين فلسطينيين برصاص المستوطنين، من أصل 552 استشهدوا فى 2024.

ووصل حجم مصادرة الأراضى فى العام ذاته إلى 46 ألفا و597 دونما، إضافة لإعلان الاحتلال عن مصادرة 24 ألف دونم تحت مزاعم أنها أراضى دولة، وهى أكبر عملية مصادرة للأراضى منذ احتلال الضفة الغربية فى 1967.

وقرر وزير الجيش الإسرائيلى يسرائيل كاتس فى منتصف يناير 2025 إلغاء أوامر الاعتقال الإدارى ضد عدد من المستوطنين فى الضفة الغربية والإفراج الفورى عنهم فى إطار تعزيز وتشجيع الاستيطان، وفق بيان صادر عنه نشره موقع يديعوت أحرونوت. وقد تحول المستوطنون إلى ميليشيات مسلحة داخل الحكومة الإسرائيلية وبرعاية كاملة لهم مع تملكهم للسلاح. من بين كل 3 مستوطنين فى الضفة الغربية هناك مستوطن يحمل السلاح، وحصلوا على دعم لوجستى وطائرات مسيرة وسترات واقية، بهدف الوصول إلى مشروع إقامة دولة يهودا في الضفة الغربية.