الثلاثاء 4 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خط جديد فى مشروع إسرائيل الكبرى بدء الهجرات اليهودية إلى سوريا

وضعت زيارات دينية متتالية من بعض اليهود إلى سوريا فى الشهور الأخيرة، علامات استفهام كثيرة، خاصة مع ظهور حاخامات ورجال دين ومؤثرين مؤيدين للاحتلال الإسرائيلي للأراضى السورية وضم الجولان، بين الوفود.



وضجت وسائل الإعلام العربية بأخبار عودة الحاخام يوسف حمرا وأسرته إلى سوريا، واستقبالهم المبالغ فيه من أفراد بالإدارة السورية الحالية، وبتسهيل من قوة المهام الطارئة السورية، والأخيرة منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، ومؤلفة من معارضين سوريين.

ولم تكن زيارة «آل حمرا» المعروفين بعلاقتهم القوية بإسرائيل سوى زيارة استكشاف للأوضاع الجارية فى سوريا، بهدف إعلان بدء الهجرات اليهودية إلى سوريا، بعد أن أعلن النظام السورى الحالى أنه يعتزم إشراك كل الطوائف فى الحكم.

وصرح محمد بدارية، ممثل النظام الجديد في سوريا الذي استقبل أول وفد يهودى عاد إلى سوريا بأن اليهود من أصل سوري سوف يرحب بهم في وطنهم، وأضاف أنهم لا يعتقدون أن السلام سوف يحل من دونهم، وأنهم قادرون على العودة إلى وطنهم. وطمأنهم قائلاً: «سوف تكونون في أمان، وسوف يعم السلام والهدوء ويعود الكل بإذن الله إلى بيته وإلى حيه وإلى شعبه». 

 يهود سوريا وإسرائيل 

يرتبط اليهود السوريون بعلاقات وثيقة ومباشرة بالوكالة اليهودية، وهي الذراع شبه الرسمية للحكومة الإسرائيلية التي تشجع الاستيطان فيما يسمى أرض إسرائيل الكبرى، خاصة بعد أن تم فرض قيود عليهم من قبل النظام السوري السابق أوائل تسعينيات القرن العشرين، مثل الالتزام بإقامة الصلوات وحفلات الزفاف وحفلات البلوغ وغيرها من التجمعات اليهودية فى الكنيس، كما كان الاتصال بالأجانب يخضع لمراقبة دقيقة، وأيضاً السفر إلى الخارج لم يكن مسموحاً به إلا فى حالات استثنائية وبشرط ترك كفالة تتراوح بين 300 و1000 دولار، إلى جانب أفراد الأسرة الذين خدموا كرهائن على حد ادعاءاتهم المبالغ فيها.

وبسبب  الضغط الأمريكى خلال مفاوضات السلام، جرى إقناع الرئيس الراحل حافظ الأسد، برفع بعض القيود التي تحظر على اليهود شراء وبيع الممتلكات.

ما يؤكد الرابط القوى الذى لا يزال قائما حتى الآن بين يهود سوريا وإسرائيل، هو العمليات السرية التى يتكلف بها الموساد لتأمين اليهود فى سوريا بشكل خاص منذ التسعينيات وحتى الآن، ففى عملية سرية جرت أواخر 1994 تم جلب 1262 يهوديًا سوريًا إلى إسرائيل، وكان الزعيم الروحي للجالية اليهودية السورية لمدة 25 عامًا الحاخام أبراهام حمرا، من بين أولئك الذين غادروا سوريا ذاهبين إلى نيويورك ومنها إلى إسرائيل، ويعيش حالياً في إسرائيل، وكان قد قام قبل فراره بسرقة وتهريب لفائف وتيجان وكتب قديمة ومنحوتات محفوظة في الكنيس اليهودى بدمشق، ونقلها إلى إسرائيل، ومنها أقدم نسخة من التوراة منقوشة على جلد غزال.

كما هرب بعض اليهود الآخرين نصوصًا يهودية أثرية لا تقدر بثمن، مثل مخطوطة «كيتير» الدمشقية، وهي مخطوطة من التوراة العبرية تم كتابتها بخط اليد في عام 1180، ونقلها اليهود الفارون من محاكم التفتيش الإسبانية، وقام أحد الفارين إلى إسرائيل بتهريبها وإخفائها بين أكوام من الوثائق، واليوم توجد هذه المخطوطة في المكتبة الوطنية الإسرائيلية في القدس.

من بين النصوص اليهودية الثمينة الأخرى، مخطوطة توراة حلب، ونحو 150 كتابًا نادراً، وكانت سوريا قد منحت تأشيرات خروج بشرط ألا يذهب اليهود إلى إسرائيل، وبحلول نهاية 1995 بقي حوالي 250 يهوديًا في دمشق، وفى عام 2001 قدر الحاخام هدير شحادة الكباريتي أن 150 يهوديًا كانوا يعيشون في دمشق، 30 في حلب و20 في القامشلي، ومن بين العمليات السرية التى كشفت مؤخرا كانت مهمة إنقاذ يهود حلب عام 2015، وتم خلالها إخراج سبعة أفراد من عائلة الحلبي من منزلهم، في عملية سهلها ومولها رجل الأعمال الأمريكي موتي كاهانا، وكان قد سمع من مصادر استخباراتية إسرائيلية أن قوات تابعة لداعش تقترب من العائلة اليهودية فى مدينة حلب السورية، فقام بمساعدة الموساد على تهريبهم.

وحسب ما أعلن فقد استيقظ أفراد عائلة الحلبي في وقت مبكر على طرقات قوية على باب المنزل، ظنوا أن قوات الأسد أو مسلحي داعش على وشك اعتقالهم، ولكن ما جرى أنهم تم نقلهم على عجل إلى حافلة، وأخبروا أنهم سينقلون إلى نيويورك، وتلقى جميع أفراد العائلة جوازات سفر مزورة لتخطى نقاط التفتيش، قائلين إنهم مجموعة من اللاجئين الذين يبحثون عن الأمان في شمال سوريا، وبعد رحلة بالسيارة دامت 36 ساعة انتهى بهم المطاف في تركيا، حيث كان موتي كاهانا ينتظرهم فى منزل مستأجر خصيصا لهم، وقررت الوكالة اليهودية نقل عائلة حلبى إلى  إسرائيل.

برامج الوكالة اليهودية

تستغل الوكالة اليهودية والحكومة الإسرائيلية قوانين الجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، لجمع تبرعات معفاة من الضرائب خصيصًا لوضع المستوطنين في مرتفعات الجولان المحتل في سوريا، وذلك في انتهاك صارخ  للقانون الدولي.

والغريب أن هذا الأمر يتم في العلن، حيث أعلن عن برنامج  «نفس بنفس»، وهو برنامج تدعمه الحكومة الإسرائيلية لتشجيع اليهود من أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة على الاستيطان في الجولان،  ويتلقى برنامج «نفس بنفس» تمويلاً مباشراً من الحكومة الإسرائيلية، ويدير عمليات الاستيطان بالتعاون مع الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي الذي يشارك بشكل مباشر في التطهير العرقي للفلسطينيين، ويتم جمع التبرعات من خلال صفحة التبرعات الخاصة بالبرنامج، ومن المقرر تقديم التبرعات من خلال منظمة غير ربحية معفاة من الضرائب فى الولايات المتحدة، وفي المملكة المتحدة، من خلال الصندوق القومي اليهودي.

ورغم معاناة الصندوق القومي اليهودي من سلسلة من الانتكاسات في المملكة المتحدة، بسبب حملة أوقفوا الصندوق القومي اليهودي، فإنه استطاع جمع أكثر من 14 مليون دولار من الأموال المعفاة من الضرائب، بحسب معلومات مصلحة الضرائب في السنوات الأخيرة.

وتبين أن ملايين الدولارات من الأموال الخيرية من الولايات المتحدة، تم توجيهها إلى المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي التى احتلتها إسرائيل من سوريا، وعلى الرغم أيضا من الدعوات المتكررة للتحرك ضد برامج الوكالة اليهودية فى أوروبا وأمريكا، واتهام الوكالة بجرائم خطيرة والمساعدة والتحريض عليها وانتهاك القانون الدولي، لكن الحكومات لم تفعل شيئًا حيال ذلك، وتعتبر عملها بمثابة عمل خيرى.

ويعد مشروع العودة للجاليات اليهودية السورية، من أخطر المشاريع التى تبنتها الوكالة مؤخرا، وفى سرية تامة بدأ المشروع عقب زيارة الحاخام جاجاتي إلى سوريا، والذى أصبح فجأه أكثر اهتمامًا بجذوره السورية، وقام بتنزيل تطبيق لتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية لأبناء الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة، وبدأ في مشاهدة البرامج التليفزيونية والموسيقى العربية، وإقام شبكة اتصالات واسعة مع الأشخاص الذين يديرون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تركز على سوريا وأخبارها أثناء الحرب الأهلية وبعدها.

ورغم أن الجاليات اليهودية السورية فى الخارج هى نتاج  لتراكم طبقات من المهاجرين على مدار قرن من الزمان، وأجيال مجنسة ليس لها أى رابط حقيقى بسوريا، وتختلف ذكرياتهم عن سوريا وذكريات مغادرة أجدادهم ومواقفهم تجاه الدولة السورية  وحكومتها، فإن الوكالة اليهودية ببرامجها الموجهة تحاول إعادة بناء روابط وهمية تجمعهم بسوريا، كما فعلت الحركة الصهيونية فى الماضى. وفي عام 2011 قدرت دراسة استقصائية أجرتها منظمة UJA-Federality عدد السكان اليهود السوريين في مدينة نيويورك بنحو 38 ألف نسمة، ووصفت الدراسة المجتمع بشكل عام بأنه ثري ومتدين، ومنخرط بشكل كبير في الحياة اليهودية.

خطوات جادة فى الأراضي السورية

لم تكن فكرة عودة اليهود إلى سوريا مجرد فقاعات دعائية للمستوطنات اليهودية الجديدة فى الجولان، بل هناك خطوات جادة تم اتخاذها لتسهيل عودة وإقامة اليهود فى العاصمة دمشق والمدن السورية الأخرى، بدأت تلك الخطوات بإعلان وزارة التعليم السورية تغييرات مقترحة على المناهج الدراسية في البلاد،  وتشمل استبدال مصطلحات مثل الملعونين والمغضوب عليهم باليهود والنصارى، وأيضا الوعد بحصر وإعادة ترميم كل المباني اليهودية الدينية والتاريخية، رغم أن عدد اليهود الحالي في سوريا يقدر بأربعة أشخاص فقط، بالإضافة إلى دعوة المسئولين الحكوميين اليهود السوريين فى كل دول العالم إلى الاستثمار فى سوريا، والمشاركة فى إعادة الإعمار.

وضمن هذا السياق قال المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية معاذ مصطفى، إنه يأمل أن يشجع الوفد اليهودي المزيد من اليهود السوريين على العودة، والمساعدة في دعم القضية السورية لدى واشنطن لرفع العقوبات التي فرضت في عهد نظام الأسد، و«يأمل أيضا أن يعلم اليهود أن السلطات الجديدة في البلاد بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع جادة في تصريحاتها العامة حول الشمول وحماية الأقليات، مما سيؤدي إلى قيام الولايات المتحدة ودول أخرى بإزالة تسمية الإرهاب عن هيئة تحرير الشام التي يقودها الشرع».

إلى جانب ذلك تبذل الجاليات اليهودية السورية الجهود فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قصارى جهدهم فى توثيق تاريخ مزيف وأحداث غير حقيقية.

وفى تقرير مزيف للحقائق أصدرته منظمة العدالة لليهود من الدول العربية (JJAC) وهي منظمة سياسية تأسست في نيويورك عام 2002، وتم تشكيلها من قبل مؤتمر الرؤساء والمؤتمر اليهودي العالمي والاتحاد السفاردي الأمريكي والمنظمة العالمية لليهود من الدول العربية، والمجلس اليهودي للشؤون العامة، ادعى سرقة ومحو كامل لثقافة أصلية متعددة الأوجه عمرها قرون من الزمان، وتضم ما يقرب من مليون شخص كانوا موجودين في الشرق الأوسط، خاصة سوريا، لمدة 1500 عام قبل ظهور الإسلام، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا أصدرت JJAC تقريرها الأول من أصل 11 تقريرًا كجزء من هذا المشروع التاريخي ليهود سوريا، ويركز المشروع على تحليل تاريخى واقتصادى للمجتمع اليهودى في سوريا، ويوضح نطاق ومنهجية الباحثين في الكشف عن الأصول المصادرة وتوثيقها، ويتضمن تفصيلاً للخسائر الاقتصادية حسب الفئات، مثل الأصول الريفية  والأصول الحضرية، وتقييم الممتلكات الشخصية والأصول المنقولة.

كما يوضح المشروع كيف تم حساب التقييمات الحالية، ويختلق عددًا من قصص توضح كيف جرت عملية إبادة منهجية ومتعمدة للمجتمع اليهودي النابض بالحياة، والذي يعود تاريخه إلى 2500 عام في سوريا، وكيف أن جسارة اليهود أدت إلى هجرة العقول، وكانت خسارة ثقافية للبلاد، ويحمل سوريا إيصالات تزيد على 10 مليارات دولار وفقاً للتدابير المعاصرة في الممتلكات والأصول والممتلكات المصادرة.

ويهدف المشروع إلى إثبات أن اليهود هم شعب أصلي في الشرق الأوسط، خاصة فى سوريا، وأنهم تعرضوا لظلم تاريخى وتجاهل من العالم الذى ظلم أكثر من مليون يهودي تم اقتلاعهم من الأنظمة الشمولية والديكتاتوريات والملكيات في سوريا ومصر ولبنان والعراق والجزائر وتونس وليبيا واليمن وعدن، واليوم لم يتبق من هؤلاء اليهود سوى أقل من 1 %، ويدعو إلى حقهم فى العودة والمطالبة بحقوقهم فى أراضيهم فى بلادهم الأم، الأمر الذى يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة مخطط أرض إسرائيل الكبرى.