الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد الإعلان عن حكومة سودانية «موازية» قوات البحث عن شرعية.. «الدعم السريع» سابقًا

مع ارتفاع وتيرة ضربات الجيش السودانى لقوات الدعم السريع، وإحكام سيطرته على الأرض، وفى اجتماع مغلق بمركز «جومو كنياتا» للمؤتمرات بالعاصمة الكينية نيروبى، وقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة سودانية «ميثاقًا» مع قوات الدعم السريع يُعبر عن اعتزام الموقّعين إقامة سُلطة حاكمة فى المناطق التى لا تزال خاضعة لقوات الدعم السريع.



تأتى الخطوة لتعقد المشهد السودانى من جديد، رغم أنها مؤشر على فشل قوات الدعم السريع فى تحقيق هدف السيطرة على الدولة، ومحاولة للعودة إلى المشهد عبر اتفاق سلام غابت عنه الحكومة السودانية، لتحقيق مكاسب سياسية.

وكانت قوى سياسية وحركات مسلحة قد وقّعت مع قوات الدعم السريع، ما أطلق عليه «ميثاق السودان التأسيسى»، وينص على أن يكون السودان دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، قائمة على الحرية والمساواة والعدالة، وغير منحازة لأى هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، مع منح الشعوب السودانية حق تقرير مصيرها، فى حال عدم إقرار الدستور المؤقت أو الدائم.

الخطوة دفعت أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة؛ للإعراب عن قلقه العميق إزاء توقيع ميثاق سياسى يُعبّر عن اعتزام الموقّعين إقامة سلطة حاكمة فى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.

واعتبر أن توقيع قوات الدعم السريع وحلفائها ميثاقًا تأسيسيًا لحكومة موازية فى السودان؛ يمثل تصعيدًا جديدًا لصراع يُثير القلق.. فى حين يرى محللون أن الحكومة الموازية تُعبر عن توالى الهزائم العسكرية لقوات الدعم السريع، وتقدُّم الجيش واستعادته للأرض بوتيرة تشير إلى أن استعادة كامل أو معظم التراب السودانى هو مسألة وقت، كما أنها محاولة للعودة إلى المشهد عبر اتفاق سلام، يترجم المكاسب العسكرية إلى مكاسب سياسية.

يدعو نص الميثاق إلى «تأسيس جيش وطنى جديد، وموحّد ومهنى وقومى بعقيدة عسكرية جديدة، ولا يتدخل فى السياسة والاقتصاد، على أن يعكس التعدد والتنوع اللذين يتسم بهما الدولة السودانية». 

وتهدف الحكومة الموازية، وفق الميثاق، إلى إنهاء الحرب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، والحفاظ على وحدة السودان.

مراسم التوقيع تمت عقب اجتماع أدانته وزارة الخارجية فى الخرطوم، وحظى بتغطية إعلامية واسعة، الأسبوع الماضى.

 تنسيق مع مصر

وفى أول موقف مصرى رسمى من تحركات تشكيل حكومة موازية فى السودان، أكد وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، رفض مصر لأى دعوات تشكيل أطر موازية؛ للإطار القائم حاليًا فى السودان، فيما أعلن الاتفاق مع نظيره السودانى على يوسف، على تشكيل فريق عمل مشترك للتركيز على إعادة الإعمار فى السودان، بمساهمة من الشركات المصرية.

جاءت تأكيدات «عبدالعاطى»، عقب جولة مشاورات سياسية جمعته مع نظيره السودانى فى القاهرة، وشدّد خلالها على أن السلامة الإقليمية للسودان «خط أحمر» لا يمكن التهاون فيه.

استضافت القاهرة آلية التشاور السياسى بين مصر والسودان، برئاسة وزيرى خارجية البلدين، الأحد، وحسب إفادة الخارجية المصرية؛ فقد أكدت المشاورات «أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة السودان، واستقلاله، واحترام سيادته وكل مؤسّساته الوطنية، بما فى ذلك الجيش السودانى».

وتشير توقعات مراقبين إلى أن الحكومة «الموازية» ربما تنال رضا عواصم قريبة من قوات الدعم السريع، مثل أوغندا وإثيوبيا، وتشاد، وإفريقيا الوسطى، وحتى جنوب السودان الذى استدعى سفيره من السودان؛ احتجاجًا على مقتل العشرات من مواطنيه، إلى جانب كينيا المضيفة للحدث.

 سحب السفير

وفى سياق حزمة تحركات احتجاجية أعلن وكيل وزارة الخارجية السودانية، حسين الأمين الفاضل، سحب سفير الخرطوم من كينيا، التى استضافت مؤتمر قوات الدعم السريع، ومؤيديها.

قال حسين الأمين الفاضل، إن «السودان سيتخذ إجراءات تصاعدية ضد كينيا، تبدأ بسَحب السفير، يعقبها حظر دخول المنتجات الكينية إلى البلاد، وعلى رأسها الشاى».

وأعلن أن وزارة الخارجية تخطط لإرسال شكاوَى ضد كينيا إلى المنظمات الدولية، متوقعًا صدور انتقادات دولية وإجراءات ضد تدخُّل نيروبى فى الشأن السودانى.

ويَعتبر السودان أن استضافة كينيا اجتماعات الدعم السريع تدخل سافر فى شئونه الداخلية، وخرق لجميع المواثيق والعهود الدولية، بما فى ذلك مواثيق الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقى، ومنظمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد).

من جانبها تبرّّر الحكومة الكينية سماحها بالاجتماعات التى أفضت إلى توقيع «الميثاق التأسيسى» بمساعيها لتوفير منصة تنهى النزاع فى السودان، وهو ما رَدّ عليه حسين الأمين الفاضل، قائلًا إن الرئيس الكينى ويليام روتو، ظل يتدخل فى شئون السودان الداخلية، ويدعم قوات الدعم السريع منذ اندلاع النزاع؛ حيث تربطه علاقات ومصالح مع قائد الدعم السريع.. وتابع: «الحكومة السودانية سحبت فى السابق سفيرها فى نيروبى؛ بسبب استقبال كينيا لقائد الدعم السريع استقبال الزعماء الفاتحين، كما سجل وزير الخارجية زيارة إلى كينيا تعهد خلالها ويليام روتو، بعدم اعتراف بلاده بأى حكومة موازية».

وشدّد «الوكيل» على أن دعوات الرئيس الكينى الخاصة بالسعى لإيجاد حل للأزمة السودانية، والحرص على استقرارها افتراء؛ لأنه ظل يحتوى الدعم السريع.

وقالت وزارة الخارجية السودانية، فى بيان، إن كينيا تبنت الحكومة الموازية فى سابقة خطيرة، واعتبرتها تهديدًا بالغًا للأمن والسلم الإقليميين، وخروجًا عن ميثاق الأمم المتحدة، والأمر التأسيسى للاتحاد الإفريقى.

 حكومة السلام

يقول الموقّعون على الميثاق، إنهم سيشكلون «حكومة سلام» رغم مخاوف عبّرت عنها منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولى، الذين اتهموا قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع وإبادة جماعية منذ أن بدأت قتال الجيش السودانى فى أبريل 2023.

ويُعلق حاكم إقليم دارفور منى أركو مناوى، بأن المشاركين فى التوقيع على وثيقة الدعم السريع أصبحوا قانونًا شركاء فى الإبادة الجماعية والتطهير العرقى الذى مارسته قوات الدعم السريع فى السودان.

ويهدف الميثاق لتشكيل حكومة أُطلق عليها «حكومة السلام»؛ لتكون «موازية» للحكومة الموالية للجيش، وتتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر عاصمة مؤقتة.

شارك فى توقيع الميثاق أكثر من عشرين حزبًا وحركة مسلحة وقوى مدنية، إلى جانب قوات الدعم السريع، وأبرزها حزب الأمة القومى، ووقّع عنه رئيسه فضل الله برمة ناصر، ووقّع عن قوات الدعم السريع قائد ثانى عبدالرحيم حمدان دقلو، كما وقع الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال، ووقّع عنها نائب رئيسها جوزيف توكا، والجبهة الثورية ووقّع عنها عدد من ممثليها، أبرزهم رئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل، وعضوا مجلس السيادة السابقان الهادى إدريس والطاهر حجر، وأيضًا الحزب الاتحادى الديمقراطى- الأصل، ووقّع عنه القيادى فى الحزب إبراهيم الميرغنى.

جاء الميثاق مختلفًا عن جميع المواثيق السودانية السابقة، وقطع جدلًا مطولًا بين دعاة الدولة الإسلامية، والمدنية والعلمانية، واستخدم مصطلح الشعوب السودانية، وأعطاها حق تقرير المصير حال رفض العلمانية، بديلًا لمصطلح الشعب السودانى الذى ظل مستخدمًا لتوصيف السودانيين منذ الاستقلال.. ويؤسس الميثاق، حسب الموقّعين عليه، لتشكيل سلطة جديدة فى البلاد، أطلق عليها حكومة السلام الانتقالية. ووفقًا لتصريحات صحفية، ينتظر إعلان تشكيل الحكومة من داخل السودان، فى موعد أقصاه شهر من توقيع الميثاق.

 التمسك بوحدة السودان

ولفتت المشاركة الكبيرة لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال»، بقيادة عبدالعزيز آدم الحلو، وعدد من كبار قادة حركته العسكريين والسياسيين؛ الأنظار، وكان توقيعها على الميثاق السياسى «مفاجأة كبرى» أذهلت المراقبين.

وخاطبت بنود الميثاق الظروف الناجمة عن الحرب الدائرة فى البلاد بين الجيش السودانى و«قوات الدعم السريع» لأكثر من 21 شهرًا، وشدّدت على أن حماية المدنيين من الانتهاكات، وإيصال المساعدات الإنسانية للملايين من المتضررين من النزاع، تعد أولوية قصوى للحكومة المزمع تشكيلها.

وأكد الموقّعون تمسكهم بوحدة السودان الطوعية أرضًا وشعوبًا، مع التأكيد على ضرورة تأسيس دولة تقوم على أسُس عادلة ومستدامة بمعالجة الجذور التاريخية لأسباب الحروب.. وذكرت القوَى الموقّعة أن دوافعها الرئيسية لتأسيس حكومة تمثل كل السودانيين؛ إنهاء الحرب، بعد رفض الحكومة التى تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة لها كل المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية الرامية لإيقاف الحرب وتحقيق السلام.

واتفقت الأطراف على إنهاء تعدد الجيوش والميليشيات؛ بأن تعمل الحكومة المزمع تشكيلها والإعلان عنها فى غضون شهر من التوقيع على تأسيس «جيش وطنى جديد مهنى واحد بعقيدة عسكرية جديدة»، يخضع لسلطة ورقابة الحكومة المدنية، ولا يتدخل فى السياسة والاقتصاد.

 حل حزب البشير

شدّد الميثاق على حل وتفكيك حزب النظام المعزول «المؤتمر الوطنى»، وحاضنته التنظيمية الحركة الإسلامية وكل واجهاتها، ومصادرة أموالها وأصولها لصالح الدولة، ويشمل ذلك مكافحة الفساد واسترداد الأموال والممتلكات المتحصل عليها بوسائل غير مشروعة فى الداخل والخارج.. واعتمد الموقّعون نظامًا اقتصاديًا اجتماعيًا يكفل حرية آليات السوق، مع ضمان تدخُّل الدولة الإيجابى لحماية وتنمية الفئات المستضعفة.

وبشأن السياسة الخارجية للحكومة، دعا الميثاق السياسى إلى النأى عن سياسة المَحاور التى ظلت تعتمدها السلطة «غير الشرعية» فى بورتسودان، التى تهدد مصالح الدول على البحر الأحمر، ما خَلق حالة من الاستقطاب والاصطفاف الدولى تجعل البلاد طرفًا فى هذه التكتلات التى لا تساعد فى وقف الحرب، ورأت أنه من واجب الحكومة أن تساهم فى إنهاء هذا الوضع الذى يشكل «خطرًا ماحقًا» على استقرار السودان وأمنه القومى.

وزعم الميثاق أن استمرار الحرب التى تقف خلفها الحركة الإسلامية و«حزب المؤتمر الوطنى»؛ خلق ظروفًا مواتية لجذب الحركات الإرهابية إلى السودان، الذى أصبح مرتعًا ومنصة لانطلاق عملياتها فى الإقليم والدول المجاورة.. مشيرًا إلى أن «حكومة السلام» ستبذل كل جهدها لمكافحة الإرهاب الذى يهدّد السلم والأمن فى الإقليم والعالم.. وبعد أكثر من 20 شهرًا من القتال الطاحن بين الجيش والدعم السريع، ينتقل الوضع إلى مربع جديد يحمل معه تغييرًا «جيوسياسيًا» بحثًا عن شرعية وخَلق مشهد جديد لصالح أحد الطرفين.