
محمد هانى
عن «روح» الفن و«نقاء» الدين و«نور» العلم
«من أرضنا هَلَّ الإيمان والدين
عيسى ومحمد ثورتين خالدين
والعلم ثورة ومن هنا قامت
والفن والحرية والتمدين»
هل هناك أوضح ولا أدق ولا «أبسط» من ذلك.. أبيات قليلة صاغها عبقرى اسمه صلاح جاهين وأبدعها نغمًا عبقرى آخر هو رياض السنباطى، واستودعاها صوت المعجزة الحية أم كلثوم، لتصل إلينا مؤكدة حقائق ناصعة عابرة للزمن وللأجيال، لو شئنا لاعتبرناها دستورًا شعبيًا.. دليلاً عاصمًا من التيه.. تلخص تاريخًا وتعرف طريقًا وتعكس ضميرًا، فتأتى مُقتنعة مُقنعة مُمتنعة عن الجهلاء والأدعياء والمتنطعين والسماسرة فى كل عصر.
ببساطة آسرة تدركها الفطرة والمشاعر قبل أن تعيها العقول، ترسم كلمات كتلك هوية مصر وشخصيتها وتفسّر كيف كانت هى مبدأ الحضارة الإنسانية وكيف تظل صانعتها:
«الإيمان» بالأرض وبالنيل واهبا الحياة اللذين تجسدت فيهما معجزة الخَلق والنماء.. أرشدا الإنسان إلى الخالق فكان «الدين» فى صورته الأولى.
رسالتا عيسى ومحمد السماويتان اللتان تشكلان نسيج مصر الواحد ووصفهما الرائع بكونهما «ثورتين» وهما كذلك بالفعل، فالدين ليس طبقة مسيطرة تحتكر الحقيقة وأتباعًا منقادين مسلوبى الإرادة؛ بل ثورة على الظلام والظلم والجهل والجهالة والتخلف والجمود.
ومن ثورة الرسل المختارين إلى ثورة المجتمع الذى يريد أن يصنع حاضرًا ويرسم مستقبلاً.. تتحدّد الركائز:
«العلم».. ثورة ومن هنا قامت
و«الفن».. و«الحرية».. و«التمدين»
قيم ومكونات واضحة علينا أن نسأل أين موقعنا منها وأين موقعها منا، فكلما كانت هى الأساس وكلما كانت لها السيادة فهذا معناه أننا لن نضل ولن نظل حائرين نتلفت: إلى أين نحن ذاهبون؟
علينا كدولة وكمجتمع أن نمتلك شجاعة اعتبار «العلم» سلم صعودنا الوحيد وخيارنا الأول والأهم، والذى إذا تحقق فقد قضينا على أصعب أزماتنا وأكثرها تعقيدًا فى السياسة والاقتصاد كما فى السلوك والأخلاق.
ومرّة ثانية وثالثة فلا ثورة علم بلا تعليم قوى، ولا يجب أن يكون ذلك مؤجلاً مَهما كان ماسنتحمله من تكلفة وضغوط وتحديات، ومَهما كان ما سنبذله من جهود فوق الاحتمال، فأشباه المتعلمين لا يصنعون مستقبلاً؛ بل يضيفون عبئًا.
هم ضحايا العجز عن تحقيق الطموح لضعف القدرات.
وهم فرائس لمصائر تقودهم إلى حيث يجدون لأقدامهم مكانًا ولحياتهم بقاءً، أيًا كانت نوعية الأماكن وشروط البقاء، والنتيجة دائمًا مزيدًا من الظواهر السلبية التى كثيرًا ما تتحول إلى أمراض اجتماعية تتوطن وتزمن.
وهم جناة حين يسمح لهم واقع حصانته التعليمية ضعيفة أن يكونوا فى مواقع (مَهما بدت صغيرة) تعطيهم صلاحية اتخاذ قرار أو إصدار توجيه.. فيصبح كل قرار خطأ وكل توجيه قاصر مشروع جريمة.
ولنتذكر أنه عندما وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن مستوى التعليم بها فى أزمة (بمقاييسها) صدر التقرير المشهور «الأمة فى خطر- أمر إلزامى بإصلاح التعليم)، وحُشدت العقول وعُبئت الموارد فيما يشبه خطة حرب لمواجهة الأزمة وعبورها.
وعن «الفن» فلا يتجاهل إلاّ غافل أو متخاذل أو مغرض أن الفن (بكل أنواعه) هو روح هذه الأمّة وقوام وجدانها ومَصدر تأثيرها وسر خلودها وكِتابها المنشور.. من رسوم المعابد إلى ترنيمات الكنائس وأصوات المنشدين وقارئى القرآن، وصولاً إلى عبقريات الموسيقى والغناء ، وجواهر السينما والدراما المصرية نادرة المِثال، ولوحات ومنحوتات مبدعين أكثر من أن نحصرهم.
تلك الروح لا يجب أن نتركها تخبو أو تيأس أو تُسرَق.. فروح «الفن» ونقاء «الدين» ونور «العلم» هو إبداعنا الذى صَنعنا به الحضارة أو كما قالها جاهين: «التمدين».
مصر هى هبة الإبداع
وما دامت مبدعة فهى عفية وأبية وبهية
ولا إبداع بلا «حرية».