السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الوطن البديل

الوطن البديل

أعلم بأنه عندما تضيق الدنيا بالحيوانات بفعل التقلبات المناخية أو من شر الحيوانات الأخرى أو من شر الإنسان، تخرج فى رحلة بحثا عن بيت أو موطن يحتويها لتشعر فيه بالأمان والسكينة والطمأنينة، ولكن الأمر يختلف تماما بالنسبة للإنسان، فالبيت أو الوطن بالنسبة له يعنى الأمن والاطمئنان والسكينة والانتماء، وهذا تحديدا ما ينكره الرئيس الأمريكى (دونالد ترامب) على أبناء الشعب الفلسطينى الشقيق، الذى يصر على تهجيره من وطنه، ليقدمه هدية على (طبق من ذهب) للمغتصب الإسرائيلى، تحت دعاوى الرحمة والإنسانية للابتعاد عن قطاع غزة الذى أصبح لا يمكن العيش فيه من جراء القتل والتدمير والإبادة التى تمت فى حق سكانه من هذا المحتل المغتصب، مقترح فى ظاهره الرحمة ولكن فى باطنه العذاب والتشريد، متجاهلا حق الشعب الفلسطينى فى التمسك بالبقاء على أرضه رغم الدمار الذى لحق بها، فهذه الأرض ليست سوى وطن بالنسبة لهم لا يمكن التفريط فيه، مقابل أى ثمن أو ضغط، وهذا ما سبق أن وضحه شاعرنا العربى (ابن الرومى) فى قصيدته (البيت وطن) لوالى بغداد عندما ذهب إليه شاكيا محاولة جار له (وليس عدو مغتصب) إجباره على بيع منزله، من خلال هذه الأبيات:



وَلِى وَطـَـنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَـهُ

وأَلاَّ أَرَى غَيْرِى لَهُ الدَّهْرَ مَالِكا

عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً

كنِعْمَةِ قومٍ أصبحوا فى ظِلالكا

فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه

لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا.

الرئيس الأمريكى تغافل عن قصد وتعمد أن كل إنسان يحب المكان الذى ولد فيه وعاش على أرضه، يدافع عنه إذا أغار عليه عادٍ، حتى ولو كلفه ذلك حياته، وإذا اغتُصِب منه شعر بالمرارة، كل هذه المشاعر والحب للوطن لم يدركها أو يعيها عندما طرح مقترحه (الغبى) بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بفعل ضغوط اليمين المتطرف فى إسرائيل واللوبى الصهيونى الذى مكنه من العودة لحكم أمريكا مرة أخرى، وهو المقترح الذى رفضته مصر وكذلك الأردن ومن قبلها الفلسطينيون أنفسهم.

بالمناسبة فكرة أو مقترح التهجير تعد قديمة وجديدة فى نفس الوقت، فقد سبق أن نبتت بذرتها الأولى فى خمسينيات القرن الماضى، وأمام الرفض العربى والفلسطينى لم يتمكن الاحتلال من تنفيذها. ثم عادت وطرحت مرة أخرى من خلال مشروع (وليم روجرز) وزير خارجية أمريكا حينها، ورفضته مصر، عقب ذلك كانت هناك أفكار أخرى كان من أهمها مشروع الجنرال الإسرائيلى (غيورا أيلاند) التى كانت ترتكز على توسيع قطاع غزة تجاه سيناء، وبالطبع رفضت مصر، ثم عاد نفس الرجل وطرح مشروع التهجير عقب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 ورفض أيضا.. حتى جاء (ترامب) أثناء ولايته الأولى طارحا مشروع صفقة القرن، وهو المشروع الذى تحطم عقب سقوطه فى الانتخابات الرئاسية أمام (بايدن). وتكرر نفس الطرح عندما تولى فترة الرئاسة الحالية، وهو الطرح الذى قوبل بالرفض من جميع الدول العربية وباقى دول العالم الحر المحبة للسلام والداعمة لحقوق الشعب الفلسطينى فى البقاء على أرضه. بل إن بعض أعضاء مجلسى النواب والشيوخ الأمريكى رفضوا هذا المقترح نظرا لخطورته على علاقة أمريكا بدول الشرق الأوسط. وهذا ما جعل الممثل العالمى (روبرت دى نيرو) يصرح بإن رئيس بلاده يحتاج إلى أن يملك حسا أخلاقيا، أو إحساس بالعدالة والمسئولية تجاه الآخرين.

من أجل هذا وغيره كثير رفضت مصر وبشكل قاطع هذا المقترح، لأنها تدرك هذا المخطط الشرير، لأنه يهدف إلى تفكيك أوصال منطقتنا العربية، وينهى إلى الأبد القضية الفلسطينية، بخلاف أنه يهدد الأمن القومى المصرى، حتى ولو كان الثمن قطع المعونة أو فرض ضغوط اقتصادية على مصر، أو التهديد أو الوعيد الذى يصرح به أفراد من الإدارة الأمريكية بين الوقت والآخر، وهذا ما جعل الرئيس السيسى يعلن رفضه الصريح لهذا المقترح، مؤكدا أن مصر لم ولن تشارك فى ظلم الشعب الفلسطينى الذى سبق أن تم ظلمه من قبل. وبالتالى لن تكون أرض سيناء العزيزة على كل مصرى لغير المصريين. ولهذا على ترامب إذا أراد أن يكافئ عصابة نتنياهو وأعضاء اللوبى الصهيونى الذى مكناه من حكم أمريكا مرة أخرى، أن يكون عادلا كما طلب منه (دى نيرو) ويملك قدرا ولو بسيطا من الأخلاق والمسئولية بحكم كونه رئيس أقوى دولة فى العالم، أن يرفض مثل هذا المقترح الذى فرض عليه من قبل عصابة ارتكبت كافة الجرائم التى تخالف القانون الدولى، الذى ترفض مواده التهجير القسرى، وهنا يجب على المجتمع الدولى أن يتصدى لهذا المقترح الذى يكاد يكون جريمة فى حق الإنسانية، التى يرتكبها بالإنابة رئيس ارتضى عن طيب خاطر أن يكون ألعوبة فى يد متطرفين ومجرمين حرب، فى حين أنه يدعى الإنسانية والرحمة والأخلاق.

أخيرا يجب على جميع دول منطقتنا العربية أن يتحدوا ويكون لهم موقف واحد ثابت ومتماسك، وقتها لن يستطيع ترامب أو غيره أن يؤثر عليهم أو على قرارهم. كما يجب على أشقائنا الفلسطينيين نبذ الخلافات بين قياداتهم، وإصلاح ما بينهم، حتى لا يتم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.