قل للمليحة

منى رضوان
«قل للمليحة» أغنية عراقية من العصر الأموى، قصتها فريدة من نوعها لأنها تُعتبر أول إعلان تسويقى لمنتج فى العهد الإسلامى، تحديداً فى ثمانينيات القرن الهجرى الأول.
بتقول الحكاية إن فى تاجر من الحجاز جه إلى مدينة الكوفة علشان يبيع الخمارات النسائية وباعها كلها ماعدا اللون الأسود منها فضلت عنده مكدسة.
التاجر الحجازى مرضيش يغادر سوق الكوفة من غير ما يبيع البضاعة كلها ففكر فى فكرة أو حيلة تسويقية يقنع بيها نساء بلاد الرافدين بشراء الخمار الأسود الليّ معاه.
راح المسجد وقابل الشاعر مسكين الدارمى الليّ كان مُعتزل الشعر ومجالس الغناء ومعتكف فى واحد المساجد ناسكاً متعبداً، راحله وطلب منه إنه يساعده فى إنقاذ بضاعته من الكساد، الشاعر رفض فى الأول بس صعب عليه التاجر بعد ما قاله أنه هيعجز عن إعالة أسرته لو معرفش يبيع بضاعته كلها والمتبقى منها الخُمر السود .
وساعتها صعب عليه التاجر فأنشد الدارمى الأبيات اللىّ تصوّر ناسكاً اعتكف فى المسجد واعتزل الدنيا ولكن شاف سيدة ترتدى خمارا أسود فهام فى حبها:
قلّ للمليحة فى الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شّمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردى عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد
بعد انتشار الأبيات دى فوراً شاع فى أحياء الكوفة أن مسكين الدارمى ترك الزهد والنسك بعد ما شاف الست الليّ لابسة الخّمار الأسود وبدأت الستات تشترى بضاعة التاجر الحجازى معتقدين بقدرتها على سلب ألباب الرجال.
وهنا نرى إن أبيات المليحة والخمار الأسود تمثل أول دعاية تسويقية فى التاريخ الإسلامى وهى من المقامات الشرقية الأصيلة.
قائل الأبيات كما ذكرت هو مسكين الدرامى وده اسم شهرته، اسمه الأصلى هو ربيعة بن عامر وكان عايش فى عهد الدولة الأموية وقد اعتزل كل ملاهى الحياة وتفرغ للعبادة.
فكرة الأغنية فى عصرنا الحالى زى الإعلانات الموجهة الليّ منتشرة ومتعلقة على اللوحات حوالينا أو الإعلانات على صفحات التواصل الاجتماعي.
منهجية التسويق فى مثالنا ده كانت عن طريق واحد من أهل الثقة والليّ بينه وبين الناس احترام لأفكاره ومعتقداته وبالتالى لما تكلم عن أثر الخمار الأسود حرصت السيدات أنها تشتريه لأنهم عارفين مصداقيته.
اعتمد التاجر فى الحالة دى على منهجين من التسوق وهما التسويق بالعلاقات ودى عن طريق التاجر وعلاقته بالشيخ وبعدها التسوق من خلال الشيخ نفسه الليّ عن طريق ال word of mouth من خلال شعره اتكلم عن مفعول الخمار الأسود بشكل غير مباشر فحلاه فى عيون المستهلك الليّ بدوره اشتراه فوراً.
قصة الأغنية دى فيها نموذج واضح لتأثير التسويق والدعاية على القوى الشرائية ويتبقى سؤال: هل فعلاً الليّ كانت لابسة الخمار الأسود مليحة ولا دى كمان دعاية؟!.