
محمد هانى
أكبر من الحكومات
هل يتجه المصريون إلى منحدر يتسيّده «المثل الأدنى».. أم نستطيع تجنب ذلك؟
كان هذا هو السؤال.. وبين «الفرص» و«المخاطر» قد نجد بداية طريق النجاة.
وإذا اتفقنا أن الهدم أسهل وأسرع من البناء، وأن إحداث تغيير أو تحول إلى أعلى وإلى الأمام هو عملية أكثر صعوبة وتعقيدا، خاصة فى دولة مثل مصر، إلا أن ما يجب أن نثق فيه هو أن المكونات الأصلية (والأصيلة) التى يمكن أن تقود هذا التحول ما زالت حية (وستظل) داخل شخصية مصر حتى وإن كانت كامنة أو متنحية.. مُجهَضة أو تائهة أو مشتتة.
ووجود تلك المكونات هى الفرصة الأقوى والدائمة، وقد علمتنا تجارب التاريخ أنها دائما جاهزة للانطلاق، بل وإحداث ما يعتبره البعض أحيانا «معجزة» بشرط:
أن نفتح لها مسارًا
أو حين نواجه تحديًا وجوديًا.
ولأن أولهما ضرورة تُلح وثانيهما ماثل يحاصرنا.. فليس أمامنا اختيار سوى أن نبدأ الآن وفورا. وبرغم كل ما تعرضت له مصر على مدار الخمسة عشر عاما الأخيرة من تحديات ومحن سياسية واقتصادية وأمنية أفضت إلى تشوهات اجتماعية واختلالات قيمية عنيفة، إلا أنها بحكم عمقها الحضارى لم تتوقف عن إطلاق المواهب ومراكمة الخبرات.. وما نحتاجه الآن هو أن ينتظم ذلك تيار عام لا تعوقه مخاوف ولا قيود بحيث تتعاظم نتائج تفاعلاته وإبداعاته وتتطور وتنضج، وتصل من النخبة إلى العامة ومن الدولة إلى المواطن، ولا تظل الأمانى حبيسة الصدور والأفكار حبيسة العقول والحقيقة حبيسة الضمائر.. ويحل «المثل الأعلى» تلقائيا محل «المثل الأدنى».
لقد عشنا منذ يناير 2011 سنوات فرضت طبيعتها على مصر والمنطقة أن يسبق الفعل (والانفعال) الفكر، وأن تعوق نيران المعارك والتحديات إطلاق الرؤى، وأن تحجب الاختراقات بناء الثقة واكتمالها، ورغم كل ذلك ورغم تشتت الوعى العام وارتباكه إلا أنه دائما فى المواقف التى تتعرض فيها الدولة لتهديد وجودى يستعيد هذا الوعى تماسكه واتجاهه ويصبح هو الظهير وخط الدفاع الحقيقى دون غيره رغم كل الضغوط والأعباء التى ربما لم يسبق التعرض لها مجتمعة، ويمكن أن نقيس ذلك على الموقف الشعبى والنخبوى الحالى فى مواجهة ما نشهده من محاولة إعادة الوجه السافر القديم للاستعمار عبر الولايات المتحدة التى يقودها من يطمع فى أن تكون إمبراطورية تملك مستعمرات وتديرها، وتقسم أراضىَ وتنتهك سيادة دول.
وتبقى الأسئلة الأهم: كيف يكون هذا الوعى مستمرا وليس ردَّ فعلٍ لحظيًّا؟.. كيف يكون تيارا عاما لبناء أمة وليس لعبور أزمة؟.. كيف يتحمل ويتعامل إذا طالت الأزمة وتحولت إلى حرب استنزاف؟
فى رأيى، فقد حان الوقت لتعطى الدولة الثقة والمساحة والأولوية لاعتبار العلم والتعليم، والإعلام والثقافة والفن، مشروعات قومية حقيقية تُخصص لها الموارد وتُحشد العقول والمواهب والخبرات فى إطار حر ومفتوح وممتد بحيث ينخرط المجتمع بكامله فى حوار جاد حول قضاياه الكبرى والجادة تنتج عنه رؤى ومسارات وبدائل وخطط وحلول، يضعها مفكرون وخبراء.. مثقفون وفنانون وعلماء، عبر مؤتمرات تدعو إليها الجامعات والمراكز البحثية ووزارت الثقافة والتعليم (بشقيه) والهيئات المعنية.. لا تقتصر على المسئولين وأصحاب المواقع التنفيذية وتنقلها وسائل الإعلام.
ولنتذكر دائما أن نجاح أى مشروع قومى وإحداث أى تحول حقيقى هو أكبر من الحكومات.