الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بلا خطوط حمراء: الفن والدراما فى ضيافة دار الإفتاء

نظم جناحُ دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، ندوةً بعنوان: «الفتوى والدراما»، فى سابقة هى الأولى من نوعها، تناولت العَلاقة بين الدين والفن، وأثر الدراما فى تشكيل وعى المجتمع ونقل القيم الدينية بشكل صحيح.. ومن جانبه تحدَّث  الدكتور على جمعة -عضو هيئة كبار علماء المسلمين- عن علاقة الفتوى بالدراما، وهل هى عَلاقة تكامل أم تناقض، مؤكدًا أن هذا الأمر ينتابه التشابك والتداخل، ولا نريد أن نحكم عليه فقط، بل نريد أن نطوِّرَه ونسعى به للأمام، وليس الأمر فقط أن نعطى حكمًا بالجواز أو عدم الجواز بقدر ما نريد لهذا البلد الرائد الذى عاد إلى مكانته الأولى أن يسعى لتطوير هذه العَلاقة الجدلية بين الفن والدين.



وأضاف الدكتور على جمعة :إن التراث الإسلامى يعكس بشكل عميق قضية الدراما، مشيرًا إلى شخصيات تاريخية، مثل: الظاهر بيبرس، وعنترة بن شداد، التى تحمل حكمةً وتجارِب إنسانية تنقلُها الأجيالُ عبر الزمن، وأكَّد أن هذه القصص تمثِّل جانبًا مهمًّا من الدراما، حيث تقدِّم دروسًا وعِبرًا.

وأشار إلى أنَّ الدراما قد تطوَّرت وسائلها بشكل كبير، موضحًا أنَّ الفكر الغربيَّ غالبًا ما يبدأ من الرواية، حيث تنشأ الفكرة فى الرواية ثم تنتقل إلى السينما والصحافة والجامعات، وفى النهاية تصل إلى السياسة وصانعى القرار، من هنا، تُعدُّ الدراما الأساس الذى يرتكز عليه هذا التطور الفكرى، وفى المقابل، كان الحكَّاؤون فى الشرق ينقلون قصصًا مثل «بنى هلال» فى المقاهى والأسواق، ثم انتقلت هذه الحكايات إلى الراديو.

وأشار الدكتور على جمعة إلى أن العلماء قد قَبِلوا فيما بعدُ فكرة الدراما بشكل عام، رغم أنهم لم يلتزموا بفتوى الشيخ أحمد بن صديق الغُمارى بتحريم التمثيل، وتم الاستقرار على فتوى أخرى تسمح بذلك.

وطرح فضيلةُ الدكتور على جمعة تساؤلًا حول ما إذا كنا نروى الواقع كما هو، أم نميل إلى تقديم ما نأمل أن يكون، وقال: «هناك مدرستان: الأولى تقول إنه إذا قدمنا الواقع، نعرض كيفية حياتنا الحقيقية، بينما الأخرى ترى أن تقديم القبح يؤثر سلبًا على المُشاهد، ويجعل النهاية باهتةً، لأن القُبح لا يفيد»، وأضاف أن هذا النزاع قد حدث بين الكاتبين الكبيرين: عباس العقاد، وإحسان عبد القدوس.

وأشار «جمعة» إلى أن هذه القضية تتطلَّب فنَّانًا قادرًا على تحويلها إلى مهارة فنية، وليس مجرد معلومة، وأضاف أنه من الضرورى أن نعتاد تقديمَ ما هو أفضل وأرقى فى الدراما. وأشار عضو هيئة كبار علماء المسلمين إلى أنَّ هناك حاجةً أكبر لتقديم نماذج مشرِّفة، مثل الفنان محمد صبحى، وأن التوصية بالحق والتعاون بين الناس يؤدى إلى الخير لكل المجتمع دون تفرقة.

ولفت «جمعة» إلى أنه لاحظ أنَّ هناك أخطاءً متكررة فى تلاوة القرآن الكريم، وأن هناك تحريفًا غير مقصود فى بعض الحالات أثناء بعض المشاهد التمثيلية، كما أشار إلى أن بعض المفاهيم الخاطئة قد ترسَّخت فى الدراما، مثل فكرة أن الرجل لا يستطيع تطليق زوجته إذا فوَّض ذلك لها (جعل العصمة فى يدها)، وهو أمر يتطلب تصحيحًا.

وتحدَّث «جمعة» عن صورة رجل الدين فى الدراما، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من هذه الصور سلبية، وأن هناك قلة فقط عكست صورةً إيجابية له، مشيرًا إلى أنَّ بعض الممثلين استخدموا زِيَّ المأذون أو المدرِّس أو الشيخ الأزهرى للسخرية، موضحًا أن هذا الأمر تزايد فى فترة سياسية غير مستقرة.

وأكَّد أنَّ التعاون بين هذه المؤسسات والفنانين قد بدأ منذ فترة طويلة، وأوضح أنَّ العديد من الروائيين والمُخرجين والمنتجين يتوجَّهون إلى مجمع البحوث الإسلامية لطلب النصائح الشرعية حول الأعمال الدرامية والأدبية، وبعض هذه النصائح يتم قبولها، بينما يتم رفض البعض الآخر، مشيرا إلى أن الحُكم المُلزم هو حكم القاضي.

من جانبه، أشار الفنان محمد صبحى إلى أن العصر الحالى يشهد تصدُّر كل الناس للفتوى والمعرفة دون اختصاص، متحدثا عن دَور الدراما كفنٍّ يقوم على الخيال لنقل الواقع، موضحًا أن الفن الصحيح يوجه رسالةً دون المساس بالأخلاق التى أتى بها الدين.

وأشار الفنان محمد صبحى إلى أن الدراما لها جوانب متعددة، فهى تسهم فى بناء الإنسان وتجعل الجمهور يتأمل دون إصدار الأحكام.

 وأوضح أن الإعلام هو الوعاء الذى يحدد ما يُعرض للناس من محتوًى جيِّد أو سيِّئ. واستشهد بواقعة تمثيل النبى فى فرنسا، مشيرًا إلى أهمية احترام الشخصيات الدينية.

وذكر أنه تلقى انتقادات لعدم تعليم الأطفال الصلاة فى مسلسل «ونيس»، مؤكدًا أنه ليس شيخًا ليتحدث فى هذا المجال.

وأكد صبحى أنَّ المشكلة فى الدراما ليست فى الإسفاف اللفظى فقط، بل فى الإسفاف الفكرى، موضحًا أن مسلسل «ونيس» قدَّم نموذجًا للأخطاء البشرية وكيفية الاعتذار عنها.

وروى موقفًا حين دعاه محافظ الجيزة لافتتاح حارة تأثرت بالمسلسل، من حيث تجميلها وتحويلها إلى صورة جيدة، ما يعكس قوة تأثير الفن.

وأوضح صبحى أنَّ الدراما لا تهدُف إلى الترويج للمخدرات، بل إلى تقديم الشخصيات الواقعية بأسلوب يعكس خطرَ تلك السلوكيات، مستشهدًا بمشهد -فى فيلم غربي- تحول فيه الضابط إلى مدمن قهرًا دون عرض تفاصيل لكيفية تناول هذه المخدرات، وحاول صديقه إعادته إلى الطريق الصحيح.

وتحدَّث الفنان محمد صبحى عن ظاهرة ورش العمل الفنية، مقترحًا تسميتها «استوديوهات»، وانتقد بعض المسلسلات الرمضانية التى تقدِّم خيانات زوجية، مشيرًا إلى أن الريادة المصرية كانت قائمة على أدباء ومفكرين غاب تأثيرهم الآن، معربًا عن قلقه من تأثير السوشيال ميديا على عقول الأطفال وانتشار أفكار منحرفة تهدف إلى هدم الأسر والثقافة، محذرًا من مخططات تلغى الأديانَ وتنشر الماسونية.

وأوضح أن ما نراه من سلوكيات سلبية وعنف فى المدارس لم يكن مصادفة، بل نتاج تخطيط تدريجى، داعيا إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعى لصناعة منتجات نافعة بدلًا من الاستهلاك السلبي.

وأوصى الفنان محمد صبحى بعدم تقييد الفن، مؤكدًا أهمية الرجوع إلى أهل التخصص، ودعا إلى إنتاج برامج وأعمال درامية هادفة تُعرض فى أوقات مناسبة للأسرة، مثل مسلسل الشيخ محمد متولى الشعراوى، بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، مع الترويج لها بشكل جيد لضمان تأثيرها الإيجابى، مؤكدا أن الدراما لا تُهين عالِم الدين.

من جانبه أكد د. نظير عياد - مفتى الجمهورية -أن دار الإفتاء المصرية تحرص على التصدى للأفكار المغلوطة التى تروِّج لفصل الدين عن واقع الحياة.

وأوضح «عياد»  أنَّ التعاون بين علماء الدين ورجال الفن ضرورة مُلِحَّة فى ظلِّ التحديات التى يواجهها المجتمع، حيث إنَّ الفن، إذا تمَّ توظيفه بشكل صحيح يكون وسيلة قوية لنشر القيم الإيجابية والتصدى للأفكار السلبية التى تسعى إلى هدم المجتمع من الداخل.

وأضاف فضيلة مفتى الجمهورية أن واقع اليوم يشهد ظلمًا مزدوجًا؛ ظلمًا لعالِم الدِّين الذى أصبح مستهدَفًا من تيارات التشكيك والتهميش، وظلمًا للفن الذى أُسيء استغلالُه فى بعض الأحيان ليصبح أداةً لنشر الإسفاف والابتذال.