
عبدالرحمن رشاد
تجديد الخطاب الدينى وبناء الإنسان
إذا جاءت سيرة الخطاب الدينى وإسهامه العميق فى تشكيل الوعى يبادرك أحد الطيبين قائلا: طبعا يحتاج الخطاب الدينى للتجديد، ثم يستدرك قائلا: لا أعرف كيف؟
ولكن أعرف أن يتجدد فيما يتعلق بالشئون الحياتية، بسلوكنا، بمعاملاتنا، فى الأسواق وفى الشارع، ويضيف: أنا رجل بسيط لا علاقة لى بمسائل الاجتهاد فى تفسير النصوص وتأويلها والاختلاف حولها، ولكننى بعد إعمالى لقواعد العبادات أريد أن يتفق أصحاب هذا الخطاب أو علماء هذا الخطاب على مسائل وشئون صغيرة تدخل فى دنياى وأتعايش معها، وضرب لنا مثالاً بحديث التجار الفجّار وماذا قال عنهم نصًا الحديث الشريف.
ختم حديثه السهل قائلا: يجب أن نتفق على شرح واحد لهذا الحديث يمنع عنى استغلال واحتكار التجار لى واحتكاره السلعة ورفع الأسعار وتحقيق الأرباح الطائلة من وراء هذا يجب أن يتفق شيوخنا الشارحون بفقه المعاملات الاقتصادية على شرح واضح يصل إلى درجة القانون الذى يطبق خاصة فيما يتعلق بالاحتكار والأسعار والغش والأوفر برايس وتجارة العملة لأنه عندما يصدر قانون قد يؤيده بعض المشايخ ويناقضه البعض ويظل الخلاف حتى تضيع حقوق الفرد الذى يسعى الخطاب الدينى أولاً وأخيرا لإسعاده.
ويختتم الرجل الطيب حديثه قائلا:
الاختلاف فى فهم النصوص وفى تأويلها بين الأئمة بكافة معاهد العلم، أما نحن عوام الناس فنريد تجديدًا يتعايش معنا فى أخلاقنا وفى سلوكنا وفى اقتصادنا عشنا أزمنة كان الأئمة يأمرون بطاعة أولى الأمر، وجاء زمان بحثوا فيه عن الأئمة الذين يحضون على العصيان والتكفير والإرهاب فماذا نحن فاعلون؟
الدخول إلى مناقشة تطوير وتحديث أو تجديد الخطاب الدينى يشبه التجوال فى حقل ألغام أو بستان شوك تختلط فى هذا البستان الزهور بالأشواك ومفكرون كثيرون اقتربوا فاحترقوا ونالهم ما نالهم من هجوم وتنكيل يصل لدرجة التكفير من الإرهابيين، ولكن ما نسمح به لأنفسنا هو القول بداية أن الخطاب الدينى لغة ومضموناً يتسلل إلى وعى الإنسان مثل الرضاعة صغيراً بسهولة ويسر، وكالماء فى حاجتنا إليه، لأننا شعب يعد من أقدم شعوب الأرض وعيًا بالدين وشعائره - نحن شعب يشكل منه الدين أسهماً وفيرة فى وعيه تترجم فى قيم واتجاهات وسلوكيات لاحظ أننى أقول الدين وليس التدين لأن التدين قد يكون مغلوطًا أو شعاراً تختبئ وراءه أغراض دنيوية أبعد ما تكون عن الدين المقدس المنزل من السماء.
لكننا بداية يجب أن نجدد مفهوم التطوير أو التجديد وفى ماذا يكون هذا التجديد وهو ضرورى، ومدى تناغم هذا التطوير مع الآية أو القاعدة المنزلة من السماء.
ومع استشراء ظاهرة العنف والإرهاب بدأ الاهتمام بتجديد الفكرة والخطاب الدينى وكان الاهتمام بترشيد الفكر ليس ترشيد الإرهابيين فهم لا يحفلون حقيقية بالدين وإنما يستمدون مرجعيتهم من نظر مغلوط ملبوس يعرفون ما فيه من مغالطات وزيف.
وإنما كان الاهتمام بالتجديد لتبصير الأسوياء المهددين بهذا الزيف على عقولهم وعلى فطرتهم السليمة التى خلقهم الله عليها، من هنا يأتى التحديث والتجديد فى الخطاب لغة معاصرة للفهم والإدراك والرشادة وبناء الوعى.
التجديد فى الخطاب والتجديد فى الفهم والتطبيق ومن ثم فى لغة الخطاب حتى التجديد فى الفهم والخطاب واللغة واجب فى كل دين فى الإسلام والمسيحية وفى اليهودية.
والمطلوب أولا فى التجديد بالفهم واللغة فى كل الفروع كما طالبنا بترشيد الوعى فى الخطاب التعليمى والاقتصادى والتربوى والقانونى لأن كل تجديد له تأثيره فى بناء الإنسان وفى قيمه وأخلاقه وسلوكه.