الأربعاء 4 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أجواء مشحونة ومشهد سياسى معقد.. فرنسا ماذا يحــدث فـى عاصمة «النور»؟

تشهد فرنسا موجات من الإضرابات والاحتجاجات المتنامية، لقطاعات حيوية تشمل المزارعين، عمال السكك الحديدية، والموظفين الحكوميين.



ويرى محللون أن هذه التحركات الشعبية تعكس تزايد الغضب من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة بقيادة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، ما يفاقم التحديات أمامها ويضع ملفات ساخنة على طاولتها.

وتواجه حكومة بارنييه أسبوعًا مضطربًا مع تزايد الاحتجاجات فى مختلف القطاعات، وبدأ المزارعون فى إغلاق الطرق منذ يوم الأحد، بينما تستعد نقابات السكك الحديدية لإضراب «استعداد»، فى انتظار يوم الإضراب العام للموظفين الحكوميين فى 5 ديسمبر المقبل.

وتتزامن تلك التحركات مع استمرار إغلاق المصانع، وغضب رؤساء البلديات الذين يجتمعون فى باريس بداية من الثلاثاء.

ومع تصاعد التوترات، توقع جان-لوك ميلانشون، زعيم حركة «فرنسا الأبية» (يسار متطرف)، سقوط الحكومة بين 15 و21 ديسمبر، مشيرًا إلى احتمال لجوء رئيس الوزراء إلى المادة 49.3 لتمرير الميزانية، وهو ما قد يدفع المعارضة إلى تقديم تصويت بحجب الثقة.

ويزيد هذا السيناريو من تعقيد المشهد السياسى، فى ظل الغضب المتنامى داخل الأوساط المعارضة، خاصة مع تداعيات القضايا القانونية التى طالت مارين لوبان.

وقال الخبير السياسى الفرنسى تييرى جريجوار فى تصريحات صحفية، إن هذه الموجة من الاحتجاجات تمثل اختبارًا صعبًا لحكومة بارنييه، حيث تواجه صعوبة فى إيجاد توازن بين الإصلاحات المطلوبة والمطالب الاجتماعية المتزايدة.

وأضاف أن هذه الاحتجاجات تعكس شعورًا متزايدًا بعدم الثقة فى قدرة حكومة ميشيل بارنييه على تلبية تطلعات الشعب، خصوصًا فى ظل الإصلاحات الاقتصادية المثيرة للجدل.

وأشار جريجوار إلى أن المزارعين، الذين يعتبرون إحدى الركائز الاقتصادية والاجتماعية لفرنسا، يشعرون بأن سياسات الحكومة الحالية تضعف موقفهم التنافسى داخل الاتحاد الأوروبى.

ومن ناحية أخرى، يوضح أن إضرابات عمال السكك الحديدية والموظفين الحكوميين تمثل تحديًا مزدوجًا: الأول فى التأثير المباشر على الاقتصاد والخدمات العامة، والثانى فى قدرة الحكومة على تقديم حلول سريعة وفعالة.

وأضاف أنه «إذا لم تتمكن حكومة بارنييه من تقديم تنازلات ذكية وإظهار مرونة حقيقية، فإن هذه الاحتجاجات قد تتطور إلى أزمة سياسية أوسع نطاقًا، والمعضلة تكمن فى أن التنازلات قد تُفهم كضعف، بينما الاستمرار فى الموقف الحالى قد يؤدى إلى تصعيد لا يمكن التحكم فيه» وفق تقديره.

ويعتقد جريجوار أن حكومة بارنييه بحاجة إلى إعادة النظر فى استراتيجياتها التفاوضية، وفتح حوار جاد مع النقابات والهيئات المتضررة لتجنب تصعيد إضافى قد يهدد الاستقرار السياسى.

تحركات ميدانية

وشهدت فرنسا موجات احتجاج من فئات اجتماعية مختلفة، المزارعون الذين ينظمون مظاهرات متكررة بسبب ما يعتبرونه تخليًا حكوميًا عن دعمهم فى مواجهة سياسات الاتحاد الأوروبى المتعلقة بالزراعة، كذلك عمال السكك الحديدية الذين يواصلون الإضراب احتجاجًا على خطط خصخصة القطاع وتقليص الامتيازات، والموظفون الحكوميون الذين يحتجون على إصلاحات تشمل التقاعد وتقليص الوظائف، ما أثار قلقًا من تدهور الخدمات العامة.

 

 

 

 من جهته، قال الخبير الاقتصادى جان بارثيلمى، إن تصاعد الاحتجاجات قد يؤدى إلى تعثر خطط الحكومة لتقليص العجز فى الموازنة، ما يزيد من الضغط الدولى على فرنسا للالتزام بسياسات مالية صارمة.

ويعتقد بارثيلمى أن الحكومة قد تضطر إلى تقديم تنازلات جزئية لتجنب تصعيد أكبر، لكن أى تراجع قد يُعتبر ضعفًا سياسيًا يمكن أن يستغله الخصوم فى الانتخابات المقبلة.

فى هذا السياق، يرى المحلل السياسى مارك دورفيل، أن حكومة بارنييه قد تسعى إلى فتح قنوات حوار مع النقابات لتحقيق هدنة مؤقتة.

وتظل الأيام المقبلة حاسمة فى تحديد مسار الاحتجاجات، فإما أن تنجح حكومة بارنييه فى إدارة الأزمة، أو تتفاقم لتصبح تحديًا كبيرًا يعصف باستقرارها السياسى.

واستبعد خبراء تكرار سيناريو حركة «السترات الصفراء»، الذى هزّ بسلسلة احتجاجات عنيفة قبل 6 سنوات، مع تصاعد الغضب الشعبى، وذلك بسبب غياب القيادة للاحتجاجات وانقسام القطاعات وتنوع المطالب. و«السترات الصفراء» هى حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت فى شهر مايو 2018، ثم زادت شهرتها وقوّتها بحلول نوفمبر من العام ذاته.

وخرجت حركة السترات الصفراء فى البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود، وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالِبها لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية التى سنّتها الحكومة آنذاك، ثم تطوّرت الأمور فيما بعد لتصل إلى حدّ المناداة باستقالة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.

ومع تصاعد التوترات الاجتماعية، شهدت الشوارع الفرنسية عطلة نهاية الأسبوع الماضى، أجواء مشحونة تُذكّر بأيام الاحتجاجات العارمة فى عامى 2018 و2019.

 وفى الوقت الذى تبدو فيه فرنسا على أعتاب «فصل اجتماعى مضطرب»، ويتفق الخبراء على أن احتمال عودة السترات الصفراء بحجمها وتأثيرها السابقين ضعيف، ما لم تتوحّد المطالب تحت قضية رمزية واحدة تجمع جميع الفئات الاجتماعية.

وقال جان بيير فافين، الخبير فى الحركات الاجتماعية ومدير مركز الأبحاث فى العلوم الاجتماعية بجامعة «باريس 8»، إن عودة السترات الصفراء بشكلها السابق غير محتملة، بسبب تغير طبيعة الغضب الاجتماعى.

وأضاف أنه على الرغم من تزايد الغضب الشعبى، فإن الانقسامات بين القطاعات المختلفة والمطالب المتنوعة تجعل من الصعب تحقيق حراك موحد كالذى رأيناه فى 2018» وفق تعبيره.

وبيّن فافين أنه «فى حين أن السترات الصفراء كانت تعبيرًا عن غضب طبقة معينة، فإن الاحتجاجات الحالية تشمل قطاعات مختلفة مثل النقل، والقطاع الطبى، والصناعة».

وأشار إلى أن غياب الزخم السياسى المتماسك قد يحدّ من قدرة الاحتجاجات على التحول إلى حركة واسعة النطاق، موضحاً أن ما يميّز الوضع الحالى هو غياب قادة واضحين يمكنهم توحيد الاحتجاجات تحت مظلة واحدة.

وذكر فافين أن السترات الصفراء كانت تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعى لتنظيم التحركات، لكن «اليوم هناك تشتت فى المنصات والأصوات، ما قد يُضعف أى محاولة للعودة بنفس القوة».

بدوره، قال ألكسندر دوفال، الخبير فى السياسات العمالية ومدير برنامج الحركات الاجتماعية فى مؤسسة جان جوريس، إن «السخط العمالى والاحتقان الشعبى قد يؤديان إلى تصعيد احتجاجات متعددة القطاعات»، مبينًا أن «السترات الصفراء كانت مرتبطة بزمان ومكان معينيْن».

 ورأى دوفال « أن «ما يحدث اليوم يعكس غضبًا شعبيًا عامًا، لكن المطالب متفرقة ولا توحّدها قضية رمزية كضريبة الوقود فى 2018»، مرجحًا أن تشهد البلاد سلسلة من الإضرابات القطاعية بدلاً من حركة اجتماعية واسعة شاملة.

واعتبر دوفال أن الظروف الاقتصادية الحالية تُسهم فى تصاعد الغضب الشعبى، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة، ومع ذلك فإن التغير فى المشهد الاقتصادى مقارنة بعام 2018، بما فى ذلك زيادة الدعم الحكومى لبعض الفئات، قد يحدّ من انتشار الحركة.

وأشار إلى أنه «لا يمكن استبعاد احتمال أن يتسبب التوتر فى بعض القطاعات، مثل النقل والقطاع الصحى، فى إشعال شرارة جديدة».

استياء عام

ومن المتوقع أن يتم إغلاق حوالى 80 نقطة تجمع على الطرق السريعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى جانب تنظيم عشرات الوقفات الاحتجاجية.

من جهته قال جيروم رودرييه، أحد الوجوه البارزة لحركة السترات الصفراء، لقناة «بى إف إم» التليفزيونية الفرنسية، إن هناك حالة من «الاستياء العام» تطال جميع الطبقات الاجتماعية.

وفى الوقت الذى يتصاعد فيه الغضب الشعبى، تتجه العديد من القطاعات نحو تصعيد الإضرابات.

ومن المتوقع أن تشهد شبكة السكك الحديدية الفرنسية إضرابًا مفتوح فى 11 ديسمبر المقبل، فى ظل معارضة اختفاء قطاع السكك الحديدية.

وستنظم الوظيفة العامة يوم تعبئة وطنية فى الـ5 من شهر ديسمبر المقبل، كما دعت اتحاد النقابات العمالية إلى مظاهرة للدفاع عن فرص العمل فى 12من الشهر ذاته، وأعلنت نقابات القطاع الطبى إغلاق شامل لمختبرات التحاليل الطبية بين 23 و31 من الشهر ذاته.